الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                  500 2 - (حدثنا قتيبة بن سعيد، قال: حدثنا عباد - هو ابن عباد، عن أبي جمرة، عن ابن عباس، قال: قدم وفد عبد القيس على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقالوا: إنا من هذا الحي من ربيعة، ولسنا نصل إليك إلا في الشهر الحرام، فمرنا بشيء نأخذه عنك وندعوا إليه من وراءنا. فقال: آمركم بأربع وأنهاكم عن أربع، الإيمان بالله. ثم فسرها لهم: شهادة أن لا إله إلا الله، وأني رسول الله، وإقام [ ص: 7 ] الصلاة، وإيتاء الزكاة، وأن تؤدوا إلي خمس ما غنمتم. وأنهى عن الدباء والحنتم والمقير والنقير).

                                                                                                                                                                                  التالي السابق


                                                                                                                                                                                  مطابقة هذا الحديث للترجمة ظاهرة من حيث إن في الآية المذكورة اقتران نفي الشرك بإقامة الصلاة، وفي الحديث اقتران إثبات التوحيد بإقامتها، فإن قلت: كيف المناسبة بين النفي والإثبات؟ (قلت): من جهة التضاد؛ لأن ذكر أحد المتضادين في مقابلة الآخر يعد مناسبة من هذه الجهة.

                                                                                                                                                                                  (ذكر رجاله) وهم أربعة؛ قتيبة وعباد بن عباد المهلبي البصري، وأبو جمرة بالجيم والراء، واسمه نصر بن عمران، وقد أمعنا الكلام فيه في باب: أداء الخمس من الإيمان؛ لأن هذا الحديث ذكر فيه؛ لكنه رواه هناك عن علي بن الجعد، عن شعبة، عن أبي جمرة قال: " كنت أقعد مع ابن عباس فيجلسني على سريره، فقال: أقم عندي حتى أجعل لك سهما من مالي، فأقمت معه شهرين، ثم قال: إن وفد عبد القيس..." الحديث، وقد ذكرنا هناك أنه أخرج هذا الحديث في عشرة مواضع، وذكرنا أيضا من أخرجه غيره.

                                                                                                                                                                                  (ذكر لطائف إسناده) فيه التحديث بصيغة الجمع في موضعين، وفيه العنعنة في موضعين، وفيه القول، وفيه عباد، وهو ابن عباد. كذا وقع في رواية أبي ذر بالواو، وفي رواية غيره عباد هو ابن عباد بدون الواو، وفيه من وافق اسمه اسم أبيه، وفيه أنه من رباعيات البخاري، وفيه أن رواته ما بين بغلاني - وبغلان قرية من بلخ، وهو قتيبة - وبصري، وهو عباد وأبو جمرة.

                                                                                                                                                                                  (ذكر معناه مختصرا) قوله: " إن وفد عبد القيس " الوفد قوم يجتمعون فيردون البلاد.

                                                                                                                                                                                  وقال القاضي: هم القوم يأتون الملك ركبا، وهو اسم الجمع، وعبد القيس أبو قبيلة، وهو ابن أفصى - بالفاء - ابن دعمى - بالضم - ابن جديلة بن أسد بن ربيعة بن نذار.

                                                                                                                                                                                  قوله: (إنا هذا الحي)، بالنصب على الاختصاص. قوله: (من ربيعة) خبر لإن، وربيعة هو ابن نزار بن معد بن عدنان، وإنما قالوا: ربيعة؛ لأن عبد القيس من أولاده. قوله: (إلا في الشهر الحرام) المراد به الجنس، فيتناول الأشهر الحرم الأربعة: رجبا وذا القعدة وذا الحجة والمحرم. قوله: (نأخذه) بالرفع على أنه استئناف وليس جوابا للأمر بقرينة عطف ندعو عليه مرفوعا. قوله: (من وراءنا) في محل النصب على أنه مفعول ندعو. قوله: (ثم فسرها) إنما أنث الضمير نظرا إلى أن المراد من الإيمان الشهادة، وإلى أنه خصلة؛ إذا التقدير: آمركم بأربع خصال، فإن قلت: لم لم يذكر الصوم هاهنا مع أنه ذكر في باب: أداء الخمس من الإيمان، حيث قال: وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وصيام رمضان، والحال أن الصوم كان واجبا حينئذ؛ لأن وفادتهم كانت عام الفتح، وإيجاب الصوم في السنة الثانية من الهجرة، (قلت): قال ابن الصلاح: وأما عدم ذكر الصوم فيه فهو إغفال من الراوي وليس من الاختلاف الصادر عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم. قوله: (الدباء) بضم الدال وتشديد الباء الموحدة وبالمد، وقد تقصر، وقد تكسر الدال، وهو اليقطين اليابس، وهو جمع والواحدة دباءة، ومن قصر قال: دباة. والحنتم بفتح الحاء المهملة وسكون النون وفتح التاء المثناة من فوق، وهي الجرار الخضر تضرب إلى الحمرة، والنقير بفتح النون وكسر القاف، وهو جذع ينقر وسطه وينبذ فيه، والمقير بضم الميم وفتح القاف وتشديد الياء آخر الحروف، وهو المطلي بالقار، وهو الزفت، وفي باب: أداء الخمس من الإيمان، الحنتم والدباء والنقير والمزفت، وربما قال: المقير.

                                                                                                                                                                                  فإن قلت: ما مناسبة نهيه - عليه الصلاة والسلام - عن الظروف المذكورة، وأمره بأداء الخمس بمقارنة أمره بالإيمان، وما ذكره معه، (قلت): كان هؤلاء الوفد يكثرون الانتباذ في الظروف المذكورة فعرفهم ما يهمهم ويخشى منهم مواقعته، وكذلك كان يخشى منهم الغلول في الفيء، فلذلك نص عليه.




                                                                                                                                                                                  الخدمات العلمية