الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                                                                                                          2178 - مسألة : الشهادة على الحدود ؟ قال علي : نا محمد بن سعيد بن نبات نا عبد الله بن نصر نا قاسم بن أصبغ نا ابن وضاح نا موسى بن معاوية ثنا وكيع عن سفيان الثوري عن علي بن كليب عن أبيه أن علي بن أبي طالب كان يأمر بالشهود إذا شهدوا على السارق أن يقطعوه يلون ذلك ؟ قال أبو محمد رحمه الله : ليس هذا بواجب ، لأنه لا يوجبه قرآن ، ولا سنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ثابتة ، لكن طاعة الإمام أو أميره واجبة ، فإذا أمر الإمام أو أميره الشهود ، أو غيرهم أن يقطعه لزمتهم الطاعة وبالله تعالى التوفيق .

                                                                                                                                                                                          وبه - إلى وكيع نا إسرائيل عن جابر الجعفي عن الشعبي في رجلين شهدا على ثلاثة أنهم سرقوا ، قال : يقطعون .

                                                                                                                                                                                          قال علي رحمه الله : وهكذا نقول - ولو شهد عدلان على ألف رجل ، أو أكثر ، بقتل ، أو بسرقة ، أو بحرابة ، أو بشرب خمر ، أو بقذف : لوجب القود ، والقطع ، والحد - في كل ذلك على جميعهم بشهادة الشاهدين - ولا فرق بين شهادتهما عليهم مجتمعين ، وبين شهادتهما على كل واحد منهم على انفراده . [ ص: 42 ]

                                                                                                                                                                                          قال أبو محمد رحمه الله : ولو أن عدلين شهدا على عدول بشيء مما ذكرنا وقال المشهود عليهم : نشهد عليهم بكذا وكذا ، مثل ما شهد به الشاهدان عليهم أو شيئا آخر ؟ لم يلتفت إلى شهادة المشهود عليهم أصلا - ووجب إنفاذ الحدود والحقوق عليهم بشهادة السابقين إلى الشهادة .

                                                                                                                                                                                          برهان ذلك : أن المشهود عليهم بما ذكرنا قد بطلت عدالتهم ، وصحت جرحتهم بشهادة العدلين عليهم بما شهدا به ، مما يوجب الحد ، فإن من ثبت عليه ما يوجب الحد ، أو بعض المعاصي التي لا توجب حدا ، كالغصب ، وغيره : فهو مجرح فاسق بيقين ، ولا شهادة لمجرح فاسق أصلا .

                                                                                                                                                                                          فلو أن المشهود عليهم صحت توبتهم بعد ما كان منهم : وجب بذلك أن تعود عدالتهم ، فإذا كان ذلك كذلك ، فإن الشهادتين معا مقبولتان ، وينفذ على كلا الطائفتين شهدت به عليها الأخرى ، إلا أن كلتا الشهادتين شهادة واجبة قبولها بنص القرآن والسنة ، في أمره تعالى بالحكم بشهادة العدول - وبالله تعالى التوفيق .

                                                                                                                                                                                          فإن شهدت كلتا الطائفتين على الأخرى معا لم تسبق إحدى الشهادتين الأخرى : إما عند حاكمين ، وإما في عقدين عند حاكم واحد ، فهما أيضا شهادتان قائمتان صحيحتان ، فإن كلتا الشهادتين تبطل بيقين لا شك فيه ، لأنه ليست إحداهما بأولى بالقبول من الأخرى ، فلو قبلناهما معا ، لكنا قد صرنا موقنين بأننا ننفذ الشهادة الآن دأبا حكما بشهادة فساق ، لأن كل شهادة منهما توجب الفسق والجرحة على الأخرى ، والمنع من قبول الشهادة الأخرى .

                                                                                                                                                                                          ولو حكمنا بإحدى الشهادتين على الأخرى مطارفة لكان هذا عين الظلم والجور ، إذ لم يوجب ترجيح إحداهما على الأخرى نص ولا إجماع ، ومن أراد أن يرجح الشهادة هاهنا بأعدل البينتين ، أو بأكثرهما عددا : فهو خطأ من القول ، لأنه لم يوجب الله تعالى قط شيئا من ذلك ، ولا رسوله صلى الله عليه وسلم ولا أجمعت الأمة عليه ، والحكم بمثل هذا لا يجوز .

                                                                                                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                                                                                                          الخدمات العلمية