الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                                                                                                          2272 - مسألة : ما يجب فيه على آخذه القطع ؟ قال أبو محمد رحمه الله : تنازع الناس في أشياء ، فقال قوم : لا قطع في سرقتها .

                                                                                                                                                                                          وقال قوم : فيها القطع ، من ذلك : التمر ، والجمار ، والشجر ، والزرع ؟ قال أبو محمد رحمه الله : نا عبد الله بن ربيع نا محمد بن معاوية نا أحمد بن شعيب أخبرني محمد بن خالد أخبرني أبي نا سلمة بن عبد الملك الغوصي عن الحسن - هو ابن صالح بن حي - عن يحيى بن سعيد الأنصاري عن القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق عن رافع بن خديج قال : " سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : { لا قطع في ثمر ، ولا كثر } والكثر الجمار - وفي هذا آثار كثيرة لم نذكرها ، لئلا نطول بذكرها ، ولو صحت لوجب الأخذ بها بذلك ، وللزم حينئذ أن لا يقطع في شيء من الثمر ، والحبوب - سواء حصد أو لم يحصد ، جد أو لم يجد - كان في المخازن أو لم يكن - لعموم هذا اللفظ .

                                                                                                                                                                                          ولأن الله تعالى سمى اليابس ثمرا ، فقال { ومن ثمرات النخيل والأعناب } فسمى الله تعالى ما تثمره الشجرة ، والنخلة ، والزرع ، ثمرا بقوله تعالى { وهو الذي أنشأ جنات معروشات وغير معروشات والنخل والزرع مختلفا أكله والزيتون والرمان } الآية إلى قوله تعالى : { وآتوا حقه يوم حصاده } .

                                                                                                                                                                                          فوجب الحق فيه يوم حصاده - والحصاد لا يكون إلا في اليابس - وأما ساق الشجر ، والنخل ، وأغصانه ، فلا يقع عليه اسم ثمر أصلا ، لا في لغة ، ولا في شريعة .

                                                                                                                                                                                          واختلف المتأخرون في هذا ، فقال سفيان الثوري : لا قطع فيما يفسد من يومه من الطعام ، مثل : الثريد ، واللحم ، وما أشبهه ، لكن يعزر . وإذا كانت الثمرة في شجرتها لم تقطع اليد في سرقتها ، لكن يعزر . [ ص: 317 ] قال أبو حنيفة : لا يقطع في شيء من : الإبل ، ولا البقر ، ولا الغنم ، ولا الخيل ، ولا البغال ، ولا الحمير - إذا سرق كل ذلك من المرعى ، فإذا كانت في المراح ، أو في الدور ففيها القطع .

                                                                                                                                                                                          ولا يقطع في شيء من : الفواكه الرطبة كانت في الدور أو في الشجر - في حرز كانت أو غير حرز - وكذلك البقول كلها .

                                                                                                                                                                                          وكذلك ما يسرع إليه الفساد من اللحم ، والطعام كله - كان في حرز أو في غير حرز .

                                                                                                                                                                                          ولا قطع في الملح ، ولا في التوابل ، ولا في الزروع كلها ، فإذا يبس الزرع وحمل إلى الأندر ، أو إلى البيوت وجب القطع في سرقة شيء منه ، إذا بلغ ما يجب فيه القطع .

                                                                                                                                                                                          وقال مالك : كل ما كان من الفواكه في أشجاره ، والزرع في مزرعته ، فلا قطع في شيء منه - وكذلك الأنعام في مسارحها ، فإذا أحرزت الأنعام في مراح ، أو دار ، ففيها القطع ، فإذا جمع الزرع في أندره أو في الدور ففيه القطع ، وإذا جنيت الفواكه ، وأدخلت في الحرز ففيها القطع ، وكذلك تقطع في البقول ، والفواكه كلها ، وفي اللحم وفي كل شيء إذا كان في حرز - وهذا قول الشافعي أيضا . وقال أبو ثور : إذا كانت الفواكه في أشجارها - رطبة أو غير رطبة - وكان الفسيل في حائطه ، وكان كل ذلك محرزا ممنوعا ، ففيه القطع - وقال - فيما عدا ذلك - بقول مالك ، والشافعي ، وقال مالك ، والشافعي وأبو ثور في البعير ، أو الدابة تسرق من الفدان ، ففيه القطع . وقال أصحابنا في كل ما ذكرنا : القطع - محرزا كان أو غير محرز - إذا سرقه السارق ولم يأخذه معلنا ؟ قال أبو محمد رحمه الله : فلما اختلفوا كما ذكرنا نظرنا في ذلك ، ونظرنا في قول أبي ثور فوجدناه صحيحا ، إلا اشتراطه الحرز فقط ، فإن الحرز لا معنى له على ما بينا قبل . [ ص: 318 ] وقول أبي ثور هذا إنما صح لموافقته عموم قول الله تعالى { والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما } . وبحكم رسول الله صلى الله عليه وسلم بقطع السارق عموما دون اشتراط حرز . وقول أبي ثور ، مخالف للأحاديث المذكورة قبل هذا ; لأنها واهية ، ولا حجة إلا في صحيح .

                                                                                                                                                                                          ثم نظرنا في قول مالك ، والشافعي ، فوجدنا حجتهما إنما هي خبر عمرو بن شعيب ، وابن المسيب ، وخبر حميد بن قيس ، وعبد الرحمن بن عبد الله ، لا حجة لهما غيرها ، وقد بينا أن هذه الأخبار في غاية الوهي ، وأن الاحتجاج بالواهي باطل ; وقد قلنا : إن هذه الأخبار لا تصح ولو صحت لما كان في شيء منها دليل على ما ادعاه من ادعاه من الحرز ، بل كان الواجب حينئذ أن لا يقطع في شيء مما يقع عليه اسم ثمر ، ولا اسم كثر ، وأن يقطع في ذلك إن آواه الجرين - رطبا كان أو غير رطب - فهذا كان يكون الحكم - لو صح الخبر - وما عدا هذا فباطل ، بظن كاذب

                                                                                                                                                                                          فإذا لم تصح الآثار أصلا فالواجب ما قاله أصحابنا من أن القطع واجب في كل ثمر ، وفي كل كثر - معلقا كان في شجره أو مجذوذا ، أو في جرين كان أو غير جرين - إذا أخذه سارقا له ، مستخفيا بأخذه ، غير مضطر إليه ، وبغير حق له ، فإن القطع في كل طعام كان مما يفسد أو لا يفسد - إذا أخذه على وجه السرقة غير مشهور بأخذه ، لا حاجة إليه ، ولا عن حق أوجب له أخذه ، فإن القطع واجب في الزرع ، إذا أخذ من فدانه ، أو هو بأندره ، على وجه السرقة مستترا ، أو مختفيا بأخذه ، لا عن حاجة إليه ، ولا عن حق له .

                                                                                                                                                                                          وأما الماشية - فالقطع فيها أيضا كذلك ، إلا أن تكون ضالة يأخذها معلنا فيكون محسنا ، حيث أبيح له أخذها ، وعاصيا لا سارقا ، حيث لم يبح له أخذها ، فلا قطع هاهنا ; لأنه ليس سارقا ; وإنما القطع على السارق - وعمدتنا في ذلك قول الله تعالى { والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما } وحكم رسول الله صلى الله عليه وسلم بقطع السارق عموما وبالله تعالى التوفيق .

                                                                                                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                                                                                                          الخدمات العلمية