الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                              المسألة الخامسة إذا قلنا : إنه لا يكون به كافرا [ فاختلف الناس ] فهل يقتل به حدا أم لا ؟ فقال مالك ، وابن القاسم ، وأشهب : يجتهد فيه الإمام . وقال عبد الملك : إذا كانت تلك عادته قتل لأنه جاسوس . وقد قال مالك : يقتل الجاسوس ، وهو صحيح لإضراره بالمسلمين وسعيه بالفساد في الأرض .

                                                                                                                                                                                                              فإن قيل وهي : المسألة السادسة هل يقتل كما قال عمر من غير تفصيل ، ولم يرد عليه النبي صلى الله عليه وسلم إلا بأنه من أهل بدر ; وهذا يقتضي أن يمنع منه وحده ، ويبقى قتل غيره حكما شرعيا ، فهم عمر به بعلم النبي صلى الله عليه وسلم ولم يرد عليه السلام إلا بالعلة التي خصصها بحاطب .

                                                                                                                                                                                                              قلنا : إنما قال عمر : إنه يقتل لعلة أنه منافق ، فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم أنه ليس بمنافق فإنما يوجب عمر قتل من نافق ، ونحن لا نتحقق نفاق فاعل مثل هذا ، لاحتمال أن يكون نافق ، واحتمال أن يكون قصد بذلك منفعة نفسه مع بقاء إيمانه . والدليل على صحة ذلك ما روي في القصة { أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له : يا حاطب ; أنت كتبت الكتاب ؟ قال : نعم ، فأقر به ولم ينكر ، وبين العذر فلم يكذب } ، وصار ذلك كما لو أقر رجل بالطلاق ابتداء ، وقال : أردت به كذا وكذا للنية البعيدة الصدق ، ولو قامت عليه البينة وادعى فيه النية البعيدة لم يقبل . [ ص: 192 ]

                                                                                                                                                                                                              وقد روي أن ابن الجارود سيد ربيعة أخذ درباسا وقد بلغه أنه يخاطب المشركين بعورات المسلمين ، وهم بالخروج إليهم ، فصلبه فصاح يا عمراه ثلاث مرات فأرسل عمر إليه ، فلما جاء أخذ الحربة فعلا بها لحيته ، وقال : لبيك يا درباس ثلاث مرات فقال : لا تعجل ; إنه كاتب العدو ، وهم بالخروج إليهم ، فقال : قتلته على الهم ، وأينا لا يهم .

                                                                                                                                                                                                              فلم يره عمر موجبا للقتل ، ولكنه أنفذ اجتهاد ابن الجارود فيه ، لما رأى من خروج حاطب عن هذا الطريق كله . ولعل ابن الجارود إنما أخذ بالتكرار في هذا ; لأن حاطبا أخذ في أول فعله .

                                                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية