الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                  553 55 - حدثنا يحيى بن بكير قال: أخبرنا الليث، عن عقيل، عن ابن شهاب قال: أخبرني عروة بن الزبير أن عائشة أخبرته قالت: كن نساء المؤمنات يشهدن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الفجر متلفعات بمروطهن ثم ينقلبن إلى بيوتهن حين يقضين الصلاة لا يعرفهن أحد من الغلس.

                                                                                                                                                                                  التالي السابق


                                                                                                                                                                                  هذا الحديث أخرجه البخاري في باب: كم تصلي المرأة من الثياب، عن أبي اليمان، عن شعيب، عن الزهري وهو ابن شهاب وتكلمنا هناك بما فيه الكفاية في جميع متعلقات الحديث ولنتكلم هنا ببعض شيء زيادة الإيضاح وذكر هذا الحديث هاهنا لا يطابق الترجمة، فإن قلت: فيه دلالة على استحباب المبادرة بصلاة الصبح في أول الوقت قلت: سلمنا هذا ولكن لا يدل هذا على أن وقت الفجر عند طلوع الفجر لأن المبادرة تحصل ما دام الغلس باقيا. قوله: ( الليث، عن عقيل) الليث هو ابن سعد المصري وعقيل بالضم ابن خالد الأيلي وابن شهاب هو محمد بن مسلم الزهري .

                                                                                                                                                                                  وفي الإسناد التحديث بصيغة الجمع في موضعين، والعنعنة في موضعين، والإخبار بصيغة الإفراد من الماضي المذكر في موضع ومثله في موضع ولكن بالتأنيث.

                                                                                                                                                                                  قوله: "كن" أي: النساء والقياس أن يقال: كانت نساء المؤمنات، ولكن هو من قبيل أكلوني البراغيث في أن البراغيث إما بدل أو بيان وإضافة النساء إلى المؤمنات مؤولة لأن إضافة الشيء إلى نفسه لا تجوز والتقدير نساء الأنفس المؤمنات أو الجماعة المؤمنات وقيل: إن النساء هاهنا بمعنى الفاضلات أي: فاضلات المؤمنات كما يقال رجال القوم أي: فضلاؤهم ومتقدموهم. قوله: (يشهدن) أي: يحضرن. قوله: (صلاة الفجر) بالنصب إما مفعول به أو مفعول فيه، وكلاهما جائزان لأنها مشهودة ومشهود فيها. قوله: (متلفعات) حال أي: متلحفات من التلفع وهو شد اللفاع وهو ما يغطي الوجه ويتلحف به. قوله: (بمروطهن) يتعلق بمتلفعات وهو جمع مرط بكسر الميم وهو كساء من صوف أو خز يؤتزر به. قوله: (ثم ينقلبن) أي: يرجعن إلى بيوتهن. قوله: (لا يعرفهن أحد)، قال الداودي : معناه لا يعرفن أنساء أم رجال يعني لا يظهر للرائي إلا الأشباح خاصة. وقيل: لا يعرف أعيانهن فلا يفرق بين فاطمة وعائشة وقال النووي : فيه نظر لأن المتلفعة بالنهار لا تعرف عينها فلا يبقى في الكلام فائدة ورد بأن المعرفة إنما تتعلق بالأعيان فلو كان المراد غيرها لنفى الرؤية بالعلم وقال بعضهم: وما ذكره من أن المتلفعة بالنهار لا يعرف عينها فيه نظر؛ لأن لكل امرأة هيئة غير هيئة [ ص: 75 ] الأخرى في الغالب ولو كان بدنها مغطى انتهى، قلت: هذا غير موجه لأن الرائي من أين يعرف هيئة كل امرأة حين كن مغطيات والرجل لا يعرف هيئة امرأته إذا كانت بين المغطيات إلا بدليل من الخارج، وقال الباجي: هذا يدل على أنهن كن سافرات إذ لو كن متنقبات لمنع تغطية الوجه من معرفتهن لا الغلس. قوله: (من الغلس) كلمة من ابتدائية ويجوز أن تكون تعليلية، والغلس بفتحتين ظلمة آخر الليل ولا مخالفة بين هذا الحديث وبين حديث أبي برزة الذي مضى من أنه كان ينصرف حين يعرف الرجل جليسه لأنه إخبار عن رؤية جليسه وهذا إخبار عن رؤية النساء من البعد.




                                                                                                                                                                                  الخدمات العلمية