الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                              ( باب زكاة النقد )

                                                                                                                              أي الذهب والفضة وهو ضد العرض والدين فيشمل غير المضروب أيضا خلافا لمن زعم اختصاصه بالمضروب كذا قاله غير واحد والذي في القاموس النقد الوازن من الدراهم وهو صريح في أن وضعه اللغوي المضروب من الفضة لا غير وحينئذ فلا وجه للاختلاف المذكور ؛ لأنه إن أريد النقد في هذا الباب شمل الكل اتفاقا أو الوضع اللغوي فهو ما ذكر والأصل فيه الكتاب والسنة والإجماع ( نصاب الفضة مائتا درهم و ) نصاب ( الذهب عشرون مثقالا ) إجماعا تحديدا فلو نقص في ميزان وتم في آخر [ ص: 264 ] فلا زكاة للشك ولا بعد في ذلك مع التحديد لاختلاف خفة الموازين باختلاف حذق صانعيها ( بوزن مكة ) للخبر الصحيح { المكيال مكيال المدينة والوزن وزن مكة } والمثقال ولم يتغير جاهلية ولا إسلاما ثنتان وسبعون حبة شعير متوسطة لم تقشر وقطع من طرفيها ما دق وطال والدرهم اختلف وزنه جاهلية وإسلاما ثم استقر على أنه ستة دوانق والدانق ثمان حبات وخمسا حبة فالدرهم خمسون حبة وخمسا حبة والمثقال درهم وثلاثة أسباع درهم فعلم أنه متى زيد على الدرهم ثلاثة أسباعه كان مثقالا ومتى نقص من المثقال ثلاثة أعشاره كان درهما فكل عشرة دراهم سبعة مثاقيل وكل عشرة مثاقيل أربعة عشر درهما وسبعان قال بعض المتأخرين ودرهم الإسلام المشهور اليوم ستة عشر قيراطا وأربعة أخماس قيراط بقراريط الوقت وقيل أربعة عشر قيراطا والمثقال أربعة وعشرون قيراطا على الأول وعشرون على الثاني قال شيخنا ونصاب الذهب بالأشرفي خمسة وعشرون وسبعان وتسع ا هـ [ ص: 265 ] والظاهر أن مراده بالأشرفي القايتبابي أو البرسبابي وبه يعلم النصاب بدنانير المعاملة الحادثة الآن على أنه حدث أيضا تغيير في المثقال لا يوافق شيئا مما مر فليتنبه له وليجتهد الناظر فيما يوافق كلام الأئمة قبل التغيير ( وزكاتهما ربع عشر ) لخبرين صحيحين بذلك ويجب فيما زاد بحسابه إذ لا وقص هنا وفارق الماشية بضرر سوء المشاركة لو وجب جزء وإنما تكرر الواجب هنا بتكرر السنين بخلافه في التمر والحب لا يجب فيه ثانيا حيث لم ينو به تجارة ؛ لأن النقد تام في نفسه ومتهيئ للانتفاع والشراء به في أي وقت بخلاف ذينك

                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                              حاشية ابن قاسم

                                                                                                                              ( باب زكاة النقد )

                                                                                                                              ( قوله وهو ضد العرض ) كأن المراد أن النقد المراد في هذا الباب ضد ما ذكر وإلا فالدين قد يكون ذهبا وفضة وأطلق عليه المصنف النقد في باب من تلزمه الزكاة في قوله أو عرضا أو نقدا فلا يكون ضد النقد المفسر بالذهب والفضة من حيث هو فليتأمل ( فرع )

                                                                                                                              ابتلع نصابا ومضى عليه حول فهل تلزمه زكاة فيه نظر ولا يبعد أنه كالغائب فتجب فيه الزكاة ولا يلزم أداؤها حتى يخرج فلو تيسر إخراجه بنحو دواء فهل يلزمه لأداء الزكاة والإنفاق منه على ممونه وأداء دين حال طولب به فيه نظر ويتجه فيما لو تيسر إخراجه بلا ضرر أن يلزمه أداء الزكاة في الحال ولو قبل إخراجه كما في دينه الحال على موسر مقر وأن يلزمه إخراجه كنفقة الممون والدين فلو مات قبل إخراجه فهل يتجه أن يقال إن كان يتيسر له إخراجه بلا ضرر فترك استحقت الزكاة عليه فتخرج من تركته ولا يشق جوفه وإن كان لم يتيسر له إخراجه كذلك لم يجب الإخراج من تركته بل إن خرج ولو بالتعدي بشق جوفه وجبت تزكيته وإلا فلا ( قوله وهو صريح في أن وضعه اللغوي إلخ ) قد تمنع الصراحة بجواز أن له معنى آخر في اللغة ( قوله شمل الكل ) ينبغي حتى الدين من النقد ولا يستغنى بذكره في باب من تلزمه الزكاة [ ص: 264 ] الآتي ؛ لأنه لم يبين هناك قدر نصابه ( قوله ولا بعد في ذلك ) أي في نقصه في ميزان وتمامه في آخر وقوله مع التحديد يتأمل ( قوله وخمسا حبة ) أي حبة شعير كما عبر به في العباب



                                                                                                                              حاشية الشرواني

                                                                                                                              ( باب زكاة النقد )

                                                                                                                              ( قوله وهو ضد العرض إلخ ) كأن المراد أن النقد المراد في هذا الباب ضد ما ذكر وإلا فالدين قد يكون ذهبا وفضة وأطلق عليه المصنف النقد في باب من تلزمه الزكاة في قوله أو عرضا أو نقدا سم ( قوله لمن زعم إلخ ) وهو الإسنوي مغني ( قوله اختصاصه بالمضروب ) أي من الذهب والفضة مغني ( قوله الوازن ) أي صاحب الوزن كردي ( قوله وهو صريح إلخ ) قد يمنع الصراحة بجواز أن له معنى آخر سم عبارة النهاية أصل النقد لغة الإعطاء ثم أطلق على المنقود من باب إطلاق المصدر على اسم المفعول وللنقد إطلاقان أحدهما على ما يقابل العرض والدين فشمل المضروب وغيره وهو المراد هنا الثاني على المضروب خاصة والناض له إطلاقان أيضا كالنقد ا هـ قال الرشيدي قوله م ر لغة لإعطاء ظاهره ولو لغير المنقود فليراجع وقوله ثم أطلق على المنقود لعل المراد ما يعطى من خصوص الذهب والفضة لا مطلق ما يعطى بدليل قوله وللنقد إطلاقان إذ هو كالصريح في أنه ليس له غير هذين الإطلاقين ا هـ وقال ع ش قوله م ر وللنقد إطلاقان أي في عرف الفقهاء وقوله م ر والناض له إطلاقان إلخ أي من الذهب والفضة ا هـ .

                                                                                                                              ( قوله وحينئذ ) أي حين إذ كان للنقد معنيان عرفي عام ولغوي خاص كردي ( قوله شمل الكل ) ينبغي حتى الدين من النقد ولا يستغنى عنه بذكره في باب من تلزمه الزكاة الآتي ؛ لأنه لم يبين هناك قدر نصابه سم ( قوله والأصل ) إلى قوله قال بعض إلخ في المغني إلا قوله ولا بعد إلى المتن وإلى قول المتن ولا شيء في النهاية إلا قوله وقيل إلى قال وقوله أو البرسباي ( قوله الكتاب ) أي قوله تعالى { والذين يكنزون الذهب والفضة } والكنز ما لم تؤد زكاته والنقدان من أشرف نعم الله تعالى على عباده إذ بهما قوام الدنيا ونظام أحوال الخلق ؛ لأن حاجات الناس كثيرة وكلها تنقضي بهما بخلاف غيرهما من الأموال فمن كنزهما فقد أبطل الحكمة التي خلقا لها كمن حبس قاضي البلد ومنعه أن يقضي حوائج الناس نهاية ومغني ( قوله تحديدا ) أي يقينا ليظهر قوله فلو نقص إلخ ( فرع )

                                                                                                                              ابتلع نصابا ومضى عليه حول فهل [ ص: 264 ] تلزمه زكاة فيه نظر ولا يبعد أنه كالغائب فتجب فيه الزكاة ولا يلزم أداؤها حتى يخرج فلو تيسر إخراجه بنحو دواء فهل يلزمه لأداء الزكاة والإنفاق منه على ممونه وأداء دين حال طولب به فيه نظر ويتجه فيما لو تيسر إخراجه بلا ضرر أن يلزمه أداء الزكاة في الحال ولو قبل إخراجه كما في دينه الحال على موسر مقر وأن يلزمه إخراجه لنفقة الممون والدين فلو مات قبل إخراجه فقد يتجه أن يقال إن كان يتيسر له إخراجه بلا ضرر فترك استحق الزكاة عليه فتخرج من تركته ولا يشق جوفه وإن كان لم يتيسر له إخراجه كذلك لم يجب الإخراج من تركته بل إن خرج ولو بالتعدي بشق جوفه وجبت تزكيته وإلا فلا سم على حج .

                                                                                                                              قال شيخنا الشوبري ابتلاعه قريب من وقوعه في البحر وقد صرحوا بأنه تلف فليكن هنا كذلك ا هـ أقول : قد يفرق بأن ما في البحر مأيوس منه عادة فأشبه التالف والذي ابتلعه يسهل خروجه باستعماله الدواء بل يغلب خروجه ؛ لأنه لا تحيله المعدة فأشبه الغائب كما قاله سم ا هـ ع ش ( قوله فلا زكاة ) أي وإن راج رواج التام نهاية ( قوله للشك ) أي في النصاب مغني ( قوله ولا بعد في ذلك ) أي في نقصه في ميزان وتمامه في آخر سم ( قوله ولم يتغير جاهلية ولا إسلاما ) سيأتي أنه حدث فيه أيضا تغيير .

                                                                                                                              ( قوله لم تقشر ) بناء المفعول من الثلاثي ( قوله اختلف وزنه إلخ ) وكان غالب المعاملة في زمنه صلى الله عليه وسلم والصدر الأول بعده بالدرهم البغلي الأسود وهو ثمانية دوانيق والطبري وهو أربعة دوانيق قال المجموع عن الخطابي { وكان أهل المدينة يتعاملون بالدراهم عدا عند قدومه صلى الله عليه وسلم فأرشدهم إلى الوزن وجعل العيار وزن أهل مكة } وهو ستة دوانيق إيعاب زاد ع ش عن شرح البهجة والطبرية نسبة إلى طبرية قصبة الأردن بالشام وتسمى بنصيبين والبغلية نسبة إلى البغل ؛ لأنه كان عليها صورته ا هـ .

                                                                                                                              ( قوله ثم استقر إلخ ) أي ثم ضربت على هذا الوزن في زمن عمر أو عبد الملك وأجمع عليه المسلمون .

                                                                                                                              قال الأذرعي كالسبكي ويجب اعتقاد أنه كان في زمنه صلى الله عليه وسلم ؛ لأنه لا يجوز الإجماع على غير ما كان في زمنه وزمن خلفائه الراشدين ويجب تأويل خلاف ذلك نهاية وإيعاب ( قوله والدانق إلخ ) قال في المصباح الدانق معرب وهو سدس درهم وهو عند اليونان حبتا خرنوب وإن الدرهم عندهم اثنتا عشر حبة خرنوب والدانق الإسلامي حبتا خرنوب وثلثا حبة خرنوب فإن الدرهم الإسلامي ستة عشر حبة خرنوب وتفتح النون وتكسر وجمع المكسور دوانق وجمع المفتوح دوانيق بزيادة ياء قاله الأزهري ع ش ( قوله وخمسا حبة ) أي حبة شعير كما عبر به العباب سم وبصري .

                                                                                                                              ( قوله فعلم منه متى زيد إلخ ) أي ؛ لأن ثلاثة أسباعه إحدى وعشرون وثلاثة أخماس فإذا ضمت هذه للخمسين وخمسين كان المجموع ثنتين وسبعين حبة وهو المثقال و ( قوله ومتى نقص من المثقال إلخ ) أي ؛ لأن ثلاثة أعشاره إحدى وعشرون وثلاثة أخماس فإذا نقصت هذه من الثنتين وسبعين حبة كان الباقي خمسين حبة وخمسين شيخنا ( قوله بقراريط الوقت ) وهي الأربعة والعشرون رشيدي والقيراط ثلاث حبات من الشعير بجيرمي ( قوله قال شيخنا إلخ ) وقدر نصاب الذهب بالبندقي سبعة وعشرون إلا ربعا ومثله الفندقلي وبالمحبوب ثلاثة وأربعون وقيراط وسبع قيراط كذا قرره مشايخنا وأفاد بعضهم بعد تحريره لذلك أن هذا بالمثقال الاصطلاحي وهو غير معول عليه .

                                                                                                                              وأما بالمثقال الشرعي المعول عليه فنصاب البندقي الكامل به عشرون ؛ لأنه حرر فوجد مثقالا كاملا ولا غش فيه ومثله المجر الكامل لكنه فيه غش بمقدار شعيرة فالنصاب به عشرون وثلث وقدر نصاب الفضة بالريال أبي طاقة ثمانية وعشرون ريالا ونصف ريال مع زيادة نصف درهم بناء على أن الريال فيه درهمان من النحاس وخمسة وعشرون ريالا بناء على أن الريال فيه درهم من النحاس كذا قرره مشايخنا وأفاد بعضهم بعد تحريره أن هذا بالدرهم الاصطلاحي وأما بالدرهم الشرعي وهو المعول عليه فنصاب الريال أبي طاقة وأبي مدفع عشرون ريالا ؛ لأنه حرر الأول فوجد أحد عشر درهما وثلاثة أسباع درهم والثاني أحد عشر درهما وثلثي سدس درهم وخالص كل منهما عشرة دراهم وقدره بعضهم في الأنصاف المعروفة بستمائة نصف وستة وستين وثلثي نصف ؛ لأن كل [ ص: 265 ] عشرة أنصاف ثلاثة دراهم فكل مائة ثلاثون درهما فالجملة مائتا درهم .

                                                                                                                              ولعل ذلك بحسب ما كان في الزمن السابق من الأنصاف الكبيرة الخالصة من الغش وأما في زماننا فقد صغرت ودخلها الغش شيخنا وفي الكردي قال السيد محمد أسعد المدني في رسالته في النصاب الدرهم الشرعي ينقص عن المدني بقدر ثمنه فينقص ثمن المائتين وهو خمسة وعشرون ويبقى مائة وخمسة وسبعون والواجب فيه أربعة دراهم وثمن درهم ثم قال وأما الروبية سكة ملوك الهند فالنصاب منها اثنان وخمسون روبية وأما الديوانية وهي التي يقال لها في مصر أنصاف الفضة فحيث لا يمكن ضبطها بالعدد لتفاحش الاختلاف في وزنها رجعنا في تحريرها إلى الوزن لا غير وذلك مائة وخمسة وسبعون درهما مدنيا وبقي سكة فضة يدخلها النحاس تضرب في إسلامبول يقال لها زلطة بضم الزاي ثم غيرت بالقرش الجديد فالزلطة القديمة تقابل ثلاثة أرباعه ولكن لكثرة النحاس واختلاف الوزن لا ينضبط عددها وكذلك القرش وهو وإن كان أقل منها نحاسا فهو كثير بالنسبة إلى الريال وهما لا ينضبطان بالعدد لتفاوت أوزانهما وإنما يرجع إلى الوزن في أنواعهما ( تتمة )

                                                                                                                              والنصاب من الفضة بالدراهم العثمانية مائة وسبعة وتسعون بتقديم السين في الأولى والتاء في الثانية غير ثمن درهم إلى آخر ما قاله في الرسالة المذكورة ا هـ .

                                                                                                                              ( قوله القايتبابي ) وهو أقل وزنا من الدينار المعروف الآن ع ش واقتصر النهاية على القايتباي قال القليوبي ؛ لأنه الذي كان في زمن شيخ الإسلام ا هـ قول المتن ( وزكاتهما ربع عشر ) وهو خمسة دراهم في نصاب ونصف مثقال في نصاب الذهب فإن وجد عنده نصف مثقال سلمه للمستحقين أو من وكلوه منهم أو من غيرهم وإن لم يوجد سلم إليهم مثقالا كاملا نصفه عن الزكاة ونصفه أمانة عندهم ثم يتفاصل معهم بأن يبيعوه لأجنبي ويتقاسموا ثمنه أو يشتروا منه نصفه أو يشتري نصفه لكن مع الكراهة ؛ لأنه يكره للإنسان شراء صدقته ممن تصدق عليه سواء كانت زكاة أو صدقة تطوع شيخنا ونهاية ومغني قال ع ش قوله م ر ممن تصدق عليه مفهومه أنه لو اشتراه ممن انتقل إليه من المتصدق عليه لم يكره ا هـ وفيه وقفة فليراجع ( قوله لخبرين ) إلى المتن في المغني ( قوله لخبرين صحيحين إلخ ) عبارة المغني لما روى الشيخان أنه صلى الله عليه وسلم قال { ليس فيما دون خمس أواق من الورق صدقة } وروى البخاري { وفي الرقة ربع العشر } ولما روى أبو داود والبيهقي بإسناد جيد { ليس عليك شيء حتى تكون عشرون دينارا فإذا كانت وحال عليها الحول ففيها نصف دينار } ا هـ .

                                                                                                                              ( قوله ويجب فيما زاد بحسابه إلخ ) فإذا كان عنده ثلثمائة درهم ففي المائتين خمسة دراهم وفي المائة درهمان ونصف فالجملة سبعة دراهم ونصف شيخنا ( قوله إذ لا وقص هنا ) أي كالمعشرات ( قوله وإنما تكرر الواجب هنا ) أي كالماشية ( قوله بخلافه ) أي الواجب ( قوله لا يجب فيه ) أي فيما ذكر من الثمر والحب




                                                                                                                              الخدمات العلمية