الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                        [ ص: 107 ] فصل

                                                                                                                                                                        إذا مات المحرم لا يقرب طيبا ، ولا يؤخذ شعره وظفره ، ولا يلبس الرجل مخيطا ، ولا يستر رأسه ، ولا وجه المرأة . ولا بأس بالتخمير عند غسله ، كما لا بأس بجلوس المحرم عند العطار ، ولو ماتت معتدة محدة ، جاز تطييبها على الأصح .

                                                                                                                                                                        قلت : قال أصحابنا : فلو طيب المحرم إنسان ، أو ألبسه مخيطا ، عصى ولا فدية ، كما لو قطع عضوا من ميت . - والله أعلم - .

                                                                                                                                                                        فصل

                                                                                                                                                                        غير المحرم من الموتى ، هل يقلم ظفره ، ويؤخذ شعر إبطه ، وعانته ، وشاربه ؟ قولان . القديم : لا يفعل ، كما لا يختن . والجديد : يفعل . والقولان في الكراهة ، ولا خلاف أن هذه الأمور لا تستحب .

                                                                                                                                                                        قلت : قلد الإمام الرافعي الروياني في قوله : لا تستحب بلا خلاف ، وإنما الخلاف في إثبات الكراهة وعدمها . وكذا قاله أيضا الشيخ أبو حامد ، والمحاملي ، ولكن صرح الأكثرون ، أو الكثيرون بخلافه ، فقالوا : الجديد : أنه يستحب . والقديم : يكره . ممن صرح بهذا ، صاحب ( الحاوي ) والقاضي أبو الطيب ، والغزالي في ( الوسيط ) وغيرهم . وقطع أبو العباس الجرجاني بالاستحباب ، وقال صاحب ( الحاوي ) : القول الجديد : أنه مستحب ، وتركه مكروه . وعجب عن الرافعي كيف يقول ما قال ، وهذه الكتب مشهورة ، لا سيما ( الوسيط ) . وأما الأصح من القولين ، فقال جماعة : القديم هنا أصح ، وهو المختار ، فلم ينقل [ ص: 108 ] عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ، والصحابة فيه شيء معتمد ، وأجزاء الميت محترمة ، فلا تنتهك بهذا . وأما قوله : كما لا يختن ، فهذا هو المذهب الذي قطع به الجمهور . وفيه وجه : أنه يختن . ووجه ثالث : يختن البالغ دون الصبي . - والله أعلم - .

                                                                                                                                                                        فإذا قلنا بالجديد ، يخير الغاسل في شعر الإبطين والعانة بين الأخذ بالموسى أو بالنورة ، وقيل : تتعين النورة في العانة .

                                                                                                                                                                        قلت : المذهب : أنه مخير في الجميع ، فأما الشارب فيقصه كالحياة . قال المحاملي وغيره : يكره حلقه في الحي والميت . قال أصحابنا : ويفعل هذه الأمور قبل الغسل . ممن صرح به المحاملي ، وصاحب ( الشامل ) وغيرهما ، ولم يتعرض الجمهور لدفن هذه الأجزاء معه . وقال صاحب ( العدة ) : ما يأخذه منها ، يصر في كفنه . ووافقه القاضي حسين ، وصاحب ( التهذيب ) في الشعر المنتتف في تسريح الرأس واللحية كما تقدم ، وقال به غيرهم . وقال صاحب ( الحاوي ) : الاختيار عندنا : أنه لا يدفن معه ، إذ لا أصل له . - والله أعلم - .

                                                                                                                                                                        ولا يحلق رأسه بحال ، وقيل : إن كان له عادة بحلقه ، ففيه الخلاف كالشارب ، وجميع ما ذكرناه في صفة الغسل ، هو في غير الشهيد ، وسيأتي حكم الشهيد - إن شاء الله تعالى - .

                                                                                                                                                                        فرع

                                                                                                                                                                        لو تحرق مسلم ، بحيث لو غسل لتهرأ ، لم يغسل ، بل ييمم ، ولو كان به قروح ، وخيف عليه من غسله تسارع البلى إليه بعد الدفن ، غسل ، فالجميع صائرون إلى البلى .

                                                                                                                                                                        قلت : يجوز للجنب والحائض غسل الميت بلا كراهة . ولو ماتا غسلا غسلا [ ص: 109 ] واحدا . وإذا رأى الغاسل من الميت ما يعجبه ، استحب أن يتحدث به ، وإن رأى ما يكره ، حرم عليه ذكره إلا لمصلحة ، وإذا كان للميتة شعر ، فالسنة أن يجعل ثلاث ذوائب ، وتلقى خلفها ، وينبغي أن يكون الغاسل مأمونا . ولو كان له زوجتان أو أكثر ، وتنازعن في غسله ، أقرع بينهن . ولو مات له زوجات في وقت بهدم ، أو غرق ، أو غيره ، أقرع بينهن ، فقدم من خرجت قرعتها . قال الدارمي : قال الشافعي - رحمه الله - : لو مات رجل وهناك نساء مسلمات ، ورجال كفار ، أمرت الكفار بغسله ، وصلين عليه . وهذا تفريع على صحة غسل الكافر . قال الدارمي : وإذا نشف المغسول بثوب ، قال أبو إسحاق : لا ينجس الثوب ، سواء قلنا بنجاسة الميت ، أم لا . قال الدارمي : وفيه نظر . - والله أعلم - .

                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية