الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                              المسألة الثانية قوله : { وإذا قرئ عليهم القرآن لا يسجدون } ثبت في الصحيح { أن أبا هريرة قرأ : { إذا السماء انشقت } فسجد فيها ، فلما انصرف أخبرهم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سجد فيها } وقد قال مالك : إنها ليست من عزائم السجود والصحيح أنها منه ، وهي رواية المدنيين عنه . وقد اعتضد فيها القرآن والسنة .

                                                                                                                                                                                                              قال ابن العربي : لما أممت بالناس تركت قراءتها ; لأني إن سجدت أنكروه ، وإن تركتها كان تقصيرا مني ، فاجتنبتها إلا إذا صليت وحدي . وهذا تحقيق وعد الصادق بأن يكون المعروف منكرا والمنكر معروفا .

                                                                                                                                                                                                              وقد { قال النبي صلى الله عليه وسلم لعائشة [ ص: 320 ] لولا حدثان عهد قومك بالكفر لهدمت البيت ورددته على قواعد إبراهيم . }

                                                                                                                                                                                                              وقال كان شيخنا أبو بكر الفهري يرفع يديه عند الركوع ، وعند رفع الرأس منه ، وهذا مذهب مالك والشافعي ، وتفعله الشيعة ، فحضر عندي يوما بمحرس ابن الشواء بالثغر موضع تدريسي عند صلاة الظهر ، ودخل المسجد من المحرس المذكور ، فتقدم إلى الصف الأول وأنا في مؤخره قاعد على طاقات البحر ، أتنسم الريح من شدة الحر ، ومعه في صف واحد أبو ثمنة رئيس البحر وقائده ، مع نفر من أصحابه ينتظر الصلاة ، ويتطلع على مراكب تحت الميناء ، فلما رفع الشيخ يديه في الركوع وفي رفع الرأس منه قال أبو ثمنة وأصحابه : ألا ترون إلى هذا المشرقي كيف دخل مسجدنا ؟ فقوموا إليه فاقتلوه وارموا به في البحر ، فلا يراكم أحد . فطار قلبي من بين جوانحي ، وقلت : سبحان الله ، هذا الطرطوشي فقيه الوقت . فقالوا لي : ولم يرفع يديه ؟ فقلت : كذلك كان النبي صلى الله عليه وسلم يفعل ، وهو مذهب مالك في رواية أهل المدينة عنه . وجعلت أسكنهم وأسكتهم ، حتى فرغ من صلاته ، وقمت معه إلى المسكن من المحرس ، ورأى تغير وجهي ، فأنكره ، وسألني فأعلمته فضحك ، وقال : ومن أين لي أن أقتل على سنة ، فقلت له : ولا يحل لك هذا فإنك بين قوم إن قمت بها قاموا عليك ، وربما ذهب دمك . فقال : دع هذا الكلام وخذ في غيره .

                                                                                                                                                                                                              وفي الحديث الصحيح ، عن أبي رافع قال : { صليت خلف أبي هريرة صلاة العشاء يعني العتمة فقرأ { إذا السماء انشقت } فسجد فيها ، فلما فرغ قلت : يا أبا هريرة ، وإن هذه السجدة ما كنا نسجدها . قال : سجدها أبو القاسم صلى الله عليه وسلم وأنا خلفه ، فلا أزال أسجدها حتى ألقى أبا القاسم } . وكان عمر بن عبد العزيز يسجد فيها مرة ، ومرة لا يسجد ، كأنه لا يراها من العزائم عزائم القرآن وقد بينا الصحيح في ذلك

                                                                                                                                                                                                              والله أعلم [ بغيبه وأحكم ] .

                                                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية