الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            ( 3235 ) مسألة ; قال : ( ومتى عدم شيء من هذه الأوصاف ، بطل ) وجملة ذلك ، أن هذه الأوصاف الستة التي ذكرناها ، لا يصح السلم إلا بها ، وقد دللنا على ذلك . واختلفت الرواية في شرطين آخرين : أحدهما ، معرفة صفة الثمن المعين . ولا خلاف في اشتراط معرفة صفته ، إذا كان في الذمة ; لأنه أحد عوضي السلم ، فإذا لم يكن معينا اشترط معرفة صفته ، كالمسلم فيه ، إلا أنه إذا أطلق وفي البلد نقد معين ، انصرف الإطلاق إليه ، وقام مقام وصفه ، فأما إن كان الثمن معينا ، فقال القاضي وأبو الخطاب : لا بد من معرفة وصفه ، واحتجا بقول أحمد : يقول : أسلمت إليك كذا وكذا درهما . ويصف الثمن . فاعتبر ضبط صفته .

                                                                                                                                            [ ص: 199 ] وهذا قول مالك وأبي حنيفة ; لأنه عقد لا يملك إتمامه في الحال ، ولا تسليم المعقود عليه ، ولا يؤمن انفساخه ، فوجب معرفة رأس المسلم فيه ، ليرد بدله ، كالقرض والشركة . ولأنه لا يؤمن أن يظهر بعض الثمن مستحقا ، فينفسخ العقد في قدره ، فلا يدري في كم بقي وكم انفسخ ؟ فإن قيل : هذا موهوم ، والموهومات لا تعتبر . قلنا : التوهم معتبر هاهنا ; لأن الأصل عدم الجواز ، وإنما جوز إذا وقع الأمن من الغرر ، ولم يوجد هاهنا ، بدليل ما إذا أسلم في ثمرة بستان بعينه ، أو قدر المسلم فيه بصنجة أو مكيال معين ، فإنه لا يصح .

                                                                                                                                            وظاهر كلام الخرقي ، أنه لا يشترط ; لأنه ذكر شرائط السلم ولم يذكره . وهو أحد قولي الشافعي ; لأنه عوض مشاهد ، فلم يحتج إلى معرفة قدره ، كبيوع الأعيان . وكلام أحمد إنما تناول غير المعين ، ولا خلاف في اعتبار أوصافه .

                                                                                                                                            ودليلهم ينتقض بعقد الإجارة ، وأنه ينفسخ بتلف العين المستأجرة ، ولا يحتاج مع اليقين إلى معرفة الأوصاف . ولأن رد مثل الثمن إنما يستحق عند فسخ العقد ، لا من جهة عقده ، وجهالة ذلك لا تؤثر ، كما لو باع المكيل ، أو الموزون . ولأن العقد تمت شرائطه . فلا يبطل بأمر موهوم ، فعلى القول الذي يعتبر صفاته ، لا يجوز أن يجعل رأس مال السلم ما لا يمكن ضبط صفاته ، كالجواهر وسائر ما لا يجوز السلم فيه ، فإن جعلاه سلما بطل العقد ، ويجب رده إن كان موجودا ، وقيمته إن عرفت إذا كان معدوما .

                                                                                                                                            فإن اختلفا ، فالقول قول المسلم إليه ; لأنه غارم . وهكذا إن حكمنا بصحة العقد ثم انفسخ . وإن اختلفا في المسلم فيه ، فقال أحدهما : في مائة مدي حنطة . وقال الآخر : في مائة مدي شعير . تحالفا ، وتفاسخا به . قال الشافعي ، وأبو ثور ، وأصحاب الرأي : كما لو اختلفا في ثمن المبيع .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية