فصل
قال صاحب " المنازل " :
nindex.php?page=treesubj&link=19571الصبر : حبس النفس على المكروه . وعقل اللسان عن الشكوى . وهو من
[ ص: 161 ] أصعب المنازل على العامة . وأوحشها في طريق المحبة . وأنكرها في طريق التوحيد
وإنما كان صعبا على العامة لأن العامي مبتدئ في الطريق . وما له دربة في السلوك . ولا تهذيب المرتاض بقطع المنازل . فإذا أصابته المحن أدركه الجزع . وصعب عليه احتمال البلاء . وعز عليه وجدان الصبر . لأنه ليس من أهل الرياضة . فيكون مستوطنا للصبر . ولا من أهل المحبة ، فيلتذ بالبلاء في رضا محبوبه .
وأما كونه وحشة في طريق المحبة : فلأنها تقتضي التذاذ المحب بامتحان محبوبه له ، والصبر يقتضي كراهيته لذلك ، وحبس نفسه عليه كرها . فهو وحشة في طريق المحبة .
وفي الوحشة نكتة لطيفة ؛ لأن
nindex.php?page=treesubj&link=19578_19576الالتذاذ بالمحنة في المحبة هو من موجبات أنس القلب بالمحبوب . فإذا أحس بالألم - بحيث يحتاج إلى الصبر - انتقل من الأنس إلى الوحشة . ولولا الوحشة لما أحس بالألم المستدعي للصبر .
وإنما كان أنكرها في طريق التوحيد لأن فيه قوة الدعوى . لأن الصابر يدعي بحاله قوة الثبات . وذلك ادعاء منه لنفسه قوة عظيمة . وهذا مصادمة لتجريد التوحيد . إذ ليس لأحد قوة ألبتة . بل لله القوة جميعا . ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم .
فهذا سبب كون الصبر منكرا في طريق التوحيد . بل من أنكر المنكر - كما قال - لأن التوحيد يرد الأشياء إلى الله ، والصبر يرد الأشياء إلى النفس . وإثبات النفس في التوحيد منكر .
هذا حاصل كلامه محررا مقررا . وهو من منكر كلامه .
بل
nindex.php?page=treesubj&link=19578الصبر من آكد المنازل في طريق المحبة ، وألزمها للمحبين . وهم أحوج إلى منزلته من كل منزلة . وهو من أعرف المنازل في طريق التوحيد وأبينها .
وحاجة المحب إليه ضرورية .
فإن قيل : كيف تكون حاجة المحب إليه ضرورية ، مع منافاته لكمال المحبة . فإنه لا يكون إلا مع منازعات النفس لمراد المحبوب ؟
قيل : هذه هي النكتة التي لأجلها كان من آكد المنازل في طريق المحبة وأعلقها بها . وبه يعلم صحيح المحبة من معلولها ، وصادقها من كاذبها . فإن بقوة الصبر على
[ ص: 162 ] المكاره في مراد المحبوب يعلم صحة محبته .
ومن هاهنا كانت محبة أكثر الناس كاذبة . لأنهم كلهم ادعوا محبة الله تعالى . فحين امتحنهم بالمكاره انخلعوا عن حقيقة المحبة . ولم يثبت معه إلا الصابرون . فلولا تحمل المشاق ، وتجشم المكاره بالصبر لما ثبتت صحة محبتهم . وقد تبين بذلك أن أعظمهم محبة أشدهم صبرا .
ولهذا وصف الله تعالى بالصبر خاصة أوليائه وأحبابه . فقال عن حبيبه
أيوب nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=44إنا وجدناه صابرا ثم أثنى عليه . فقال :
nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=44نعم العبد إنه أواب .
وأمر أحب الخلق إليه بالصبر لحكمه ، وأخبر أن صبره به . وأثنى على الصابرين أحسن الثناء . وضمن لهم أعظم الجزاء . وجعل أجر غيرهم محسوبا ، وأجرهم بغير حساب . وقرن الصبر بمقامات الإسلام ، والإيمان ، والإحسان - كما تقدم - فجعله قرين اليقين ، والتوكل ، والإيمان ، والأعمال ، والتقوى .
وأخبر أن آياته إنما ينتفع بها أولو الصبر . وأخبر أن الصبر خير لأهله . وأن الملائكة تسلم عليهم في الجنة بصبرهم ، كما تقدم ذلك .
وليس في استكراه النفوس لألم ما تصبر عليه ، وإحساسها به ، ما يقدح في محبتها ولا توحيدها . فإن إحساسها بالألم ، ونفرتها منه : أمر طبعي لها . كاقتضائها للغذاء من الطعام والشراب . وتألمها بفقده . فلوازم النفس لا سبيل إلى إعدامها أو تعطيلها بالكلية . وإلا لم تكن نفسا إنسانية . ولارتفعت المحنة . وكانت عالما آخر .
nindex.php?page=treesubj&link=19578_28683والصبر والمحبة لا يتناقضان . بل يتواخيان ويتصاحبان . والمحب صبور بل علة الصبر في الحقيقة ، المناقضة للمحبة ، المزاحمة للتوحيد - أن يكون الباعث عليه غير إرادة رضا المحبوب . بل إرادة غيره ، أو مزاحمته بإرادة غيره ، أو المراد منه . لا مراده . هذه هي وحشة الصبر ونكارته .
وأما من رأى صبره بالله ، وصبره لله ، وصبر مع الله ، مشاهدا أن صبره به تعالى لا بنفسه . فهذا لا تلحق محبته وحشة . ولا توحيده نكارة .
ثم لو استقام له هذا لكان في نوع واحد من أنواع الصبر . وهو الصبر على المكاره .
فأما
nindex.php?page=treesubj&link=19601الصبر على الطاعات - وهو حبس النفس عليها - وعن المخالفات - وهو منع
[ ص: 163 ] النفس منها طوعا واختيارا والتذاذا - فأي وحشة في هذا ؟ وأي نكارة فيه ؟
فإن قيل : إذا كان يفعل ذلك طوعا ومحبة ، ورضا وإيثارا : لم يكن الحامل له على ذلك الصبر . فيكون صبره في هذا الحال ملزوم الوحشة والنكارة . لمنافاتها لحال المحب .
قيل : لا منافاة في ذلك بوجه . فإن صبره حينئذ قد اندرج في رضاه . وانطوى فيه . وصار الحكم للرضا . لا أن الصبر عدم ، بل لقوة وارد الرضا والحب . وإيثار مراد المحبوب ، صار المشهد والمنزل للرضا بحكم الحال . والصبر جزء منه ومنطو فيه . ونحن لا ننكر هذا القدر . فإن كان هو المراد ، فحبذا الوفاق . وليس المقصود القيل والقال . ومنازعات الجدال .
وإن كان غيره : فقد عرف ما فيه . والله سبحانه وتعالى أعلم .
فَصْلٌ
قَالَ صَاحِبُ " الْمَنَازِلِ " :
nindex.php?page=treesubj&link=19571الصَّبْرُ : حَبْسُ النَّفْسِ عَلَى الْمَكْرُوهِ . وَعَقْلُ اللِّسَانِ عَنِ الشَّكْوَى . وَهُوَ مِنْ
[ ص: 161 ] أَصْعَبُ الْمَنَازِلِ عَلَى الْعَامَّةِ . وَأَوْحَشُهَا فِي طَرِيقِ الْمَحَبَّةِ . وَأَنْكَرُهَا فِي طَرِيقِ التَّوْحِيدِ
وَإِنَّمَا كَانَ صَعْبًا عَلَى الْعَامَّةِ لِأَنَّ الْعَامِّيَّ مُبْتَدِئٌ فِي الطَّرِيقِ . وَمَا لَهُ دُرْبَةٌ فِي السُّلُوكِ . وَلَا تَهْذِيبِ الْمُرْتَاضِ بِقَطْعِ الْمَنَازِلِ . فَإِذَا أَصَابَتْهُ الْمِحَنُ أَدْرَكَهُ الْجَزَعُ . وَصَعُبَ عَلَيْهِ احْتِمَالُ الْبَلَاءِ . وَعَزَّ عَلَيْهِ وُجْدَانُ الصَّبْرِ . لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الرِّيَاضَةِ . فَيَكُونَ مُسْتَوْطِنًا لِلصَّبْرِ . وَلَا مِنْ أَهْلِ الْمَحَبَّةِ ، فَيَلْتَذَّ بِالْبَلَاءِ فِي رِضَا مَحْبُوبِهِ .
وَأَمَّا كَوْنُهُ وَحْشَةً فِي طَرِيقِ الْمَحَبَّةِ : فَلِأَنَّهَا تَقْتَضِي الْتِذَاذَ الْمُحِبِّ بِامْتِحَانِ مَحْبُوبِهِ لَهُ ، وَالصَّبْرُ يَقْتَضِي كَرَاهِيَتَهُ لِذَلِكَ ، وَحَبْسَ نَفْسِهِ عَلَيْهِ كَرْهًا . فَهُوَ وَحْشَةٌ فِي طَرِيقِ الْمَحَبَّةِ .
وَفِي الْوَحْشَةِ نُكْتَةٌ لَطِيفَةٌ ؛ لِأَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=19578_19576الِالْتِذَاذَ بِالْمِحْنَةِ فِي الْمَحَبَّةِ هُوَ مِنْ مُوجِبَاتِ أُنْسِ الْقَلْبِ بِالْمَحْبُوبِ . فَإِذَا أَحَسَّ بِالْأَلَمِ - بِحَيْثُ يَحْتَاجُ إِلَى الصَّبْرِ - انْتَقَلَ مِنَ الْأُنْسِ إِلَى الْوَحْشَةِ . وَلَوْلَا الْوَحْشَةُ لَمَا أَحَسَّ بِالْأَلَمِ الْمُسْتَدْعِي لِلصَّبْرِ .
وَإِنَّمَا كَانَ أَنْكَرَهَا فِي طَرِيقِ التَّوْحِيدِ لِأَنَّ فِيهِ قُوَّةَ الدَّعْوَى . لِأَنَّ الصَّابِرَ يَدَّعِي بِحَالِهِ قُوَّةَ الثَّبَاتِ . وَذَلِكَ ادِّعَاءٌ مِنْهُ لِنَفْسِهِ قُوَّةً عَظِيمَةً . وَهَذَا مُصَادَمَةٌ لِتَجْرِيدِ التَّوْحِيدِ . إِذْ لَيْسَ لِأَحَدٍ قُوَّةٌ أَلْبَتَّةَ . بَلْ لِلَّهِ الْقُوَّةُ جَمِيعًا . وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ الْعَلِيِّ الْعَظِيمِ .
فَهَذَا سَبَبُ كَوْنِ الصَّبْرِ مُنْكَرًا فِي طَرِيقِ التَّوْحِيدِ . بَلْ مِنْ أَنْكَرِ الْمُنْكَرِ - كَمَا قَالَ - لِأَنَّ التَّوْحِيدَ يَرُدُّ الْأَشْيَاءَ إِلَى اللَّهِ ، وَالصَّبْرَ يَرُدُّ الْأَشْيَاءَ إِلَى النَّفْسِ . وَإِثْبَاتُ النَّفْسِ فِي التَّوْحِيدِ مُنْكَرٌ .
هَذَا حَاصِلُ كَلَامِهِ مُحَرَّرًا مُقَرَّرًا . وَهُوَ مِنْ مُنْكَرِ كَلَامِهِ .
بَلِ
nindex.php?page=treesubj&link=19578الصَّبْرُ مِنْ آكَدِ الْمَنَازِلِ فِي طَرِيقِ الْمَحَبَّةِ ، وَأَلْزَمِهَا لِلْمُحِبِّينَ . وَهُمْ أَحْوَجُ إِلَى مَنْزِلَتِهِ مِنْ كُلِّ مَنْزِلَةٍ . وَهُوَ مِنْ أَعْرَفِ الْمَنَازِلِ فِي طَرِيقِ التَّوْحِيدِ وَأَبْيَنِهَا .
وَحَاجَةُ الْمُحِبِّ إِلَيْهِ ضَرُورِيَّةٌ .
فَإِنْ قِيلَ : كَيْفَ تَكُونُ حَاجَةُ الْمُحِبِّ إِلَيْهِ ضَرُورِيَّةً ، مَعَ مُنَافَاتِهِ لِكَمَالِ الْمَحَبَّةِ . فَإِنَّهُ لَا يَكُونُ إِلَّا مَعَ مُنَازَعَاتِ النَّفْسِ لِمُرَادِ الْمَحْبُوبِ ؟
قِيلَ : هَذِهِ هِيَ النُّكْتَةُ الَّتِي لِأَجْلِهَا كَانَ مِنْ آكَدِ الْمَنَازِلِ فِي طَرِيقِ الْمَحَبَّةِ وَأَعْلَقِهَا بِهَا . وَبِهِ يُعْلَمُ صَحِيحُ الْمَحَبَّةِ مِنْ مَعْلُولِهَا ، وَصَادِقُهَا مِنْ كَاذِبِهَا . فَإِنَّ بِقُوَّةِ الصَّبْرِ عَلَى
[ ص: 162 ] الْمَكَارِهِ فِي مُرَادِ الْمَحْبُوبِ يُعْلَمُ صِحَّةُ مَحَبَّتِهِ .
وَمِنْ هَاهُنَا كَانَتْ مَحَبَّةُ أَكْثَرِ النَّاسِ كَاذِبَةً . لِأَنَّهُمْ كُلَّهُمُ ادَّعَوْا مَحَبَّةَ اللَّهِ تَعَالَى . فَحِينَ امْتَحَنَهُمْ بِالْمَكَارِهِ انْخَلَعُوا عَنْ حَقِيقَةِ الْمَحَبَّةِ . وَلَمْ يَثْبُتْ مَعَهُ إِلَّا الصَّابِرُونَ . فَلَوْلَا تَحَمُّلُ الْمَشَاقِّ ، وَتَجَشُّمُ الْمَكَّارِهِ بِالصَّبْرِ لَمَا ثَبَتَتْ صِحَّةُ مَحَبَّتِهِمْ . وَقَدْ تَبَيَّنَ بِذَلِكَ أَنَّ أَعْظَمَهُمْ مَحَبَّةً أَشَدُّهُمْ صَبْرًا .
وَلِهَذَا وَصَفَ اللَّهُ تَعَالَى بِالصَّبْرِ خَاصَّةَ أَوْلِيَائِهِ وَأَحْبَابِهِ . فَقَالَ عَنْ حَبِيبِهِ
أَيُّوبَ nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=44إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِرًا ثُمَّ أَثْنَى عَلَيْهِ . فَقَالَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=44نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ .
وَأَمَرَ أَحَبَّ الْخَلْقِ إِلَيْهِ بِالصَّبْرِ لِحُكْمِهِ ، وَأَخْبَرَ أَنَّ صَبْرَهُ بِهِ . وَأَثْنَى عَلَى الصَّابِرِينَ أَحْسَنَ الثَّنَاءِ . وَضَمِنَ لَهُمْ أَعْظَمَ الْجَزَاءِ . وَجَعَلَ أَجْرَ غَيْرِهِمْ مَحْسُوبًا ، وَأَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ . وَقَرَنَ الصَّبْرَ بِمَقَامَاتِ الْإِسْلَامِ ، وَالْإِيمَانِ ، وَالْإِحْسَانِ - كَمَا تَقَدَّمَ - فَجَعَلَهُ قَرِينَ الْيَقِينِ ، وَالتَّوَكُّلِ ، وَالْإِيمَانِ ، وَالْأَعْمَالِ ، وَالتَّقْوَى .
وَأَخْبَرَ أَنَّ آيَاتِهِ إِنَّمَا يَنْتَفِعُ بِهَا أُولُو الصَّبْرِ . وَأَخْبَرَ أَنَّ الصَّبْرَ خَيْرٌ لِأَهْلِهِ . وَأَنَّ الْمَلَائِكَةَ تُسَلِّمُ عَلَيْهِمْ فِي الْجَنَّةِ بِصَبْرِهِمْ ، كَمَا تَقَدَّمَ ذَلِكَ .
وَلَيْسَ فِي اسْتِكْرَاهِ النُّفُوسِ لِأَلَمِ مَا تَصْبِرُ عَلَيْهِ ، وَإِحْسَاسِهَا بِهِ ، مَا يَقْدَحُ فِي مَحَبَّتِهَا وَلَا تَوْحِيدِهَا . فَإِنَّ إِحْسَاسَهَا بِالْأَلَمِ ، وَنَفْرَتَهَا مِنْهُ : أَمْرٌ طَبْعِيٌّ لَهَا . كَاقْتِضَائِهَا لِلْغِذَاءِ مِنَ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ . وَتَأَلُّمِهَا بِفَقْدِهِ . فَلَوَازِمُ النَّفْسِ لَا سَبِيلَ إِلَى إِعْدَامِهَا أَوْ تَعْطِيلِهَا بِالْكُلِّيَّةِ . وَإِلَّا لَمْ تَكُنْ نَفْسًا إِنْسَانِيَّةً . وَلَارْتَفَعَتِ الْمِحْنَةُ . وَكَانَتْ عَالَمًا آخَرَ .
nindex.php?page=treesubj&link=19578_28683وَالصَّبْرُ وَالْمَحَبَّةُ لَا يَتَنَاقَضَانِ . بَلْ يَتَوَاخَيَانِ وَيَتَصَاحَبَانِ . وَالْمُحِبُّ صَبُورٌ بَلْ عِلَّةُ الصَّبْرِ فِي الْحَقِيقَةِ ، الْمُنَاقِضَةُ لِلْمَحَبَّةِ ، الْمُزَاحِمَةُ لِلتَّوْحِيدِ - أَنْ يَكُونَ الْبَاعِثُ عَلَيْهِ غَيْرَ إِرَادَةِ رِضَا الْمَحْبُوبِ . بَلْ إِرَادَةِ غَيْرِهِ ، أَوْ مُزَاحَمَتِهِ بِإِرَادَةِ غَيْرِهِ ، أَوِ الْمُرَادِ مِنْهُ . لَا مُرَادِهِ . هَذِهِ هِيَ وَحْشَةُ الصَّبْرِ وَنَكَارَتُهُ .
وَأَمَّا مَنْ رَأَى صَبْرَهُ بِاللَّهِ ، وَصَبْرَهُ لِلَّهِ ، وَصَبَرَ مَعَ اللَّهِ ، مُشَاهِدًا أَنَّ صَبْرَهُ بِهِ تَعَالَى لَا بِنَفْسِهِ . فَهَذَا لَا تَلْحَقُ مَحَبَّتَهُ وَحْشَةٌ . وَلَا تَوْحِيدَهُ نَكَارَةٌ .
ثُمَّ لَوِ اسْتَقَامَ لَهُ هَذَا لَكَانَ فِي نَوْعٍ وَاحِدٍ مِنْ أَنْوَاعِ الصَّبْرِ . وَهُوَ الصَّبْرُ عَلَى الْمَكَارِهِ .
فَأَمَّا
nindex.php?page=treesubj&link=19601الصَّبْرُ عَلَى الطَّاعَاتِ - وَهُوَ حَبْسُ النَّفْسِ عَلَيْهَا - وَعَنِ الْمُخَالَفَاتِ - وَهُوَ مَنْعُ
[ ص: 163 ] النَّفْسِ مِنْهَا طَوْعًا وَاخْتِيارًا وَالْتِذَاذًا - فَأَيُّ وَحْشَةٍ فِي هَذَا ؟ وَأَيُّ نَكَارَةٍ فِيهِ ؟
فَإِنْ قِيلَ : إِذَا كَانَ يَفْعَلُ ذَلِكَ طَوْعًا وَمَحَبَّةً ، وَرِضًا وَإِيثَارًا : لَمْ يَكُنِ الْحَامِلُ لَهُ عَلَى ذَلِكَ الصَّبْرَ . فَيَكُونُ صَبْرُهُ فِي هَذَا الْحَالِ مَلْزُومَ الْوَحْشَةِ وَالنَّكَارَةِ . لِمُنَافَاتِهَا لِحَالِ الْمُحِبِّ .
قِيلَ : لَا مُنَافَاةَ فِي ذَلِكَ بِوَجْهٍ . فَإِنَّ صَبْرَهُ حِينَئِذٍ قَدِ انْدَرَجَ فِي رِضَاهُ . وَانْطَوَى فِيهِ . وَصَارَ الْحُكْمُ لِلرِّضَا . لَا أَنَّ الصَّبْرَ عَدَمٌ ، بَلْ لِقُوَّةِ وَارِدِ الرِّضَا وَالْحُبِّ . وَإِيثَارِ مُرَادِ الْمَحْبُوبِ ، صَارَ الْمَشْهَدُ وَالْمَنْزَلُ لِلرِّضَا بِحُكْمِ الْحَالِ . وَالصَّبْرُ جُزْءٌ مِنْهُ وَمُنْطَوٍ فِيهِ . وَنَحْنُ لَا نُنْكِرُ هَذَا الْقَدْرَ . فَإِنْ كَانَ هُوَ الْمُرَادَ ، فَحَبَّذَا الْوِفَاقُ . وَلَيْسَ الْمَقْصُودُ الْقِيلَ وَالْقَالَ . وَمُنَازَعَاتِ الْجِدَالِ .
وَإِنْ كَانَ غَيْرَهُ : فَقَدْ عَرَفَ مَا فِيهِ . وَاللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ .