الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      التفسير:

                                                                                                                                                                                                                                      قوله تعالى: إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم : قال السدي : إذا أراد أن يظلم مظلمة، فقيل له: اتق الله؛ كف.

                                                                                                                                                                                                                                      وإذا تليت عليهم آياته زادتهم إيمانا يعني: بتصديقهم بها.

                                                                                                                                                                                                                                      أولئك هم المؤمنون حقا أي: الذين استوى في الإيمان ظاهرهم وباطنهم.

                                                                                                                                                                                                                                      كما أخرجك ربك من بيتك بالحق : [قال عكرمة : المعنى: أطيعوا الله ورسوله كما أخرجك].

                                                                                                                                                                                                                                      أبو عبيدة: الكاف بمعنى الواو التي للقسم، و (ما) بمعنى: (الذي) ؛ المعنى:

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 161 ] والذي أخرجك ربك.

                                                                                                                                                                                                                                      وقيل: التقدير: الأنفال ثابتة لك كما أخرجك ربك.

                                                                                                                                                                                                                                      وقيل: التقدير: كما أخرجك ربك من بيتك بالحق فاتقوا الله.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: وإذ يعدكم الله إحدى الطائفتين أنها لكم : إحدى الطائفتين : مشركو قريش، والأخرى: أبو سفيان بن حرب، كان مقبلا بالعير من الشام؛ فلما بلغ أبا سفيان خروج النبي صلى الله عليه وسلم؛ بعث إلى مكة مستغيثا، فخرجوا إليه، وكان من أمرهم ما هو مشهور، وقد ذكرته مختصرا في "الكبير".

                                                                                                                                                                                                                                      وتودون أن غير ذات الشوكة تكون لكم يعني: الطائفة التي لا حرب فيها؛ وهي العير، و الشوكة : السلاح.

                                                                                                                                                                                                                                      ويريد الله أن يحق الحق بكلماته أي: بكونه على ما أخبر به من إظهاره وإعزازه، وقيل: المعنى: يحق الحق بأمره إياكم أن تجاهدوا عدوكم.

                                                                                                                                                                                                                                      إذ تستغيثون ربكم فاستجاب لكم أني ممدكم بألف من الملائكة مردفين : التقدير: ويبطل الباطل إذ تستغيثون، وقيل: التقدير: اذكروا إذ تستغيثون.

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 162 ] ومعنى {مردفين}: مع كل ملك منهم ملك، قاله ابن عباس .

                                                                                                                                                                                                                                      قتادة ، والسدي : {مردفين}: متتابعين.

                                                                                                                                                                                                                                      وقيل: المعنى: مردفين للمؤمنين، يقال: (ردفه، وأردفه) ؛ إذا جاء بعده، وقيل: (ردفه) ؛ إذا صار له ردفا، و (أردفه) ؛ إذا جعله ردفا.

                                                                                                                                                                                                                                      وتقدم القول في: وما جعله الله إلا بشرى [آل عمران: 126].

                                                                                                                                                                                                                                      وما النصر إلا من عند الله : نبه على أن النصر من عنده عز وجل، لا من الملائكة، وتقدم خبر (النعاس)، و (الأمنة).

                                                                                                                                                                                                                                      وينـزل عليكم من السماء ماء : يروى: أن الوادي كان دهسا، فأنزل الله مطرا، فلبده؛ حتى تثبت عليه الأقدام، عن ابن عباس ، وغيره.

                                                                                                                                                                                                                                      أبو عبيدة: (ثبات أقدامهم): صبرهم لعدوهم؛ للصبر الذي أفرغ عليهم.

                                                                                                                                                                                                                                      ويذهب عنكم رجز الشيطان يعني: وسوسته، قال ابن عباس : وسوس الشيطان إلى المسلمين بأن المشركين قد غلبوهم على الماء، وأنهم لا يجدون ما يتطهرون به للصلاة، وما لا ما يشربون.

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 163 ] ابن زيد : وسوسته: أن قال للمسلمين: ليس لكم بالمشركين طاقة.

                                                                                                                                                                                                                                      إذ يوحي ربك إلى الملائكة أني معكم أي: بالنصر والمعونة.

                                                                                                                                                                                                                                      فثبتوا الذين آمنوا : قيل: بالقتال معهم، وقيل: بالحضور معهم من غير قتال، وقيل: بإخبارهم أنهم يغلبون عدوهم.

                                                                                                                                                                                                                                      فاضربوا فوق الأعناق أي: أعلى الأعناق، وقيل: المعنى: اضربوا الأعناق، و {فوق}: زائدة؛ لأنهم أبيحوا ضربهم في كل مكان.

                                                                                                                                                                                                                                      واضربوا منهم كل بنان : (البنان): أطراف الأصابع من اليدين والرجلين، الواحدة: (بنانة)، ويقال للإصبع: بنانة، وهو مشتق من (أبن بالمكان) ؛ إذا أقام به، فالبنان يلزم به ما يقبض عليه.

                                                                                                                                                                                                                                      الضحاك : (البنان): كل مفصل.

                                                                                                                                                                                                                                      الزجاج : (البنان): الأصابع، وغيرها من الأعضاء.

                                                                                                                                                                                                                                      ذلكم فذوقوه أي: الأمر ذلكم، فذوقوه.

                                                                                                                                                                                                                                      وأن للكافرين عذاب النار : {أن} معطوفة على {ذلكم}، وقيل: التقدير: واعلموا أن للكافرين عذاب النار.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: إذا لقيتم الذين كفروا زحفا : (الزحف): الدنو قليلا قليلا.

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية