قوله عز وجل:
nindex.php?page=treesubj&link=19721_28723_34513_28973nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=37فتلقى آدم من ربه كلمات فتاب عليه إنه هو التواب الرحيم nindex.php?page=treesubj&link=19881_29675_29676_31769_31819_28973nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=38قلنا اهبطوا منها جميعا فإما يأتينكم مني هدى فمن تبع هداي فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون nindex.php?page=treesubj&link=30431_30437_30539_28973nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=39والذين كفروا وكذبوا بآياتنا أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون
المعنى: فقال الكلمات، فتاب الله عليه عند ذلك،
و"آدم" رفع بـ "تلقى" "كلمات"
[ ص: 189 ] نصب بها، والتلقي من
آدم هو الإقبال عليها، والقبول لها، والفهم، وحكى
nindex.php?page=showalam&ids=17141مكي قولا أنه ألهمها فانتفع بها، وقرأ
nindex.php?page=showalam&ids=16456ابن كثير :
"آدم" بالنصب
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=37من ربه كلمات بالرفع، فالتلقي من الكلمات هو نيل
آدم بسببها رحمة الله وتوبته.
واختلف المتأولون في الكلمات، فقال
nindex.php?page=showalam&ids=14102الحسن بن أبي الحسن : هي قوله تعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=23ربنا ظلمنا أنفسنا الآية، وقال
nindex.php?page=showalam&ids=16879مجاهد : هي أن
آدم ، قال: "سبحانك اللهم لا إله إلا أنت، ظلمت نفسي فاغفر لي إنك أنت التواب الرحيم".
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس : هي أن
آدم قال: أي رب. ألم تخلقني بيدك؟ قال: بلى. قال: أي رب. ألم تنفخ في من روحك؟ قال: بلى، قال: أي رب. ألم تسكني جنتك؟ قال: بلى، قال: أرأيت إن تبت وأطعت أراجعي أنت إلى الجنة؟ قال: نعم. وقال
nindex.php?page=showalam&ids=16531عبيد بن عمير : إن
آدم قال: أي رب، أرأيت ما عصيتك فيه أشيء كتبته علي أم شيء ابتدعته؟ قال: بل شيء كتبته عليك، قال: أي رب. كما كتبته علي فاغفر لي. وقال
nindex.php?page=showalam&ids=16815قتادة : الكلمات هي أن
آدم قال: أي رب. أرأيت إن أنا تبت وأصلحت؟ قال: إذا أدخلك الجنة. وقالت طائفة: إن المراد بالكلمات ندمه واستغفاره وحزنه، وسماها كلمات مجازا لما هي في خلقها صادرة عن كلمات، وهي كن في كل واحدة منهن، وهذا قول يقتضي أن
آدم لم يقل شيئا إلا الاستغفار المعهود.
وسئل بعض سلف المسلمين عما ينبغي أن يقوله المذنب فقال: يقول ما قال أبواه:
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=23ربنا ظلمنا أنفسنا وما قال
موسى :
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=16رب إني ظلمت نفسي فاغفر لي . وما قال
يونس :
nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=87لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين .
[ ص: 190 ] "وتاب عليه" معناه: رجع به،
nindex.php?page=treesubj&link=19717_19718_19719والتوبة من الله تعالى: الرجوع على عبده بالرحمة والتوفيق، والتوبة من العبد: الرجوع عن المعصية، والندم على الذنب مع تركه فيما يستأنف وإنما خص الله تعالى
آدم بالذكر هنا في التلقي والتوبة،
وحواء مشاركة له في ذلك بإجماع لأنه المخاطب في أول القصة بقوله:
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=35اسكن أنت وزوجك الجنة ، فلذلك كملت القصة بذكره وحده، وأيضا فلأن المرأة حرمة ومستورة، فأراد الله الستر لها، ولذلك لم يذكرها في المعصية في قوله:
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=121وعصى آدم ربه فغوى . وروي أن الله تعالى تاب على
آدم في يوم عاشوراء.
وكنية
آدم أبو محمد، وقيل: أبو البشر، وقرأ الجمهور: "إنه" بكسر الألف على القطع، وقرأ
ابن أبي عقرب : "أنه" بفتح الهمزة على معنى لأنه. وبنية "التواب" للمبالغة والتكثير.
وفي قوله تعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=37إنه هو التواب الرحيم ، تأكيد فائدته أن
nindex.php?page=treesubj&link=19704_19705التوبة على العبد إنما هي نعمة من الله لا من العبد وحده، لئلا يعجب التائب، بل الواجب عليه شكر الله تعالى في توبته عليه.
وكرر الأمر بالهبوط لما علق بكل أمر منهما حكما غير حكم الآخر، فعلق بالأول العداوة، وعلق بالثاني إتيان الهدى، وقيل: كرر الأمر بالهبوط على جهة تغليظ الأمر وتأكيده، كما تقول لرجل: قم قم.
وحكى
nindex.php?page=showalam&ids=15426النقاش أن الهبوط الثاني إنما هو من الجنة إلى السماء، والأول في ترتيب الآية إنما هو إلى الأرض وهو الآخر في الوقوع، فليس في الأمر تكرار على هذا.
و"جميعا" حال من الضمير في "اهبطوا"، وليس بمصدر، ولا اسم فاعل، ولكنه عوض منهما، دال عليهما، كأنه قال: هبوطا جميعا، أو هابطين جميعا.
[ ص: 191 ] واختلف في المقصود بهذا الخطاب، فقيل:
آدم وحواء وإبليس وذريتهم، وقيل: ظاهره العموم، ومعناه الخصوص في
آدم وحواء ، لأن إبليس لا يأتيه هدى، وخوطبا بلفظ الجمع تشريفا لهما، والأول أصح لأن إبليس مخاطب بالإيمان بإجماع. و "إن" في قوله: "فإما" هي للشرط، دخلت "ما" عليها مؤكدة ليصح دخول النون المشددة، فهي بمثابة لام القسم التي تجيء لتجيء النون. وفي قوله تعالى: "مني" إشارة إلى أن أفعال العباد خلق الله تعالى، واختلف في معنى قوله "هدى" فقيل: بيان وإرشاد.
قال
القاضي أبو محمد رحمه الله: والصواب أن يقال: بيان ودعاء، وقالت فرقة: الهدى الرسل، وهي إلى
آدم من الملائكة، وإلى بنيه من البشر، هو فمن بعده.
وقوله تعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=38فمن تبع هداي ، شرط جوابه
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=38فلا خوف عليهم قال
nindex.php?page=showalam&ids=16076سيبويه : الشرط الثاني وجوابه هما جواب الأول في قوله:
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=38فإما يأتينكم وحكي عن
nindex.php?page=showalam&ids=15080الكسائي أن قوله:
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=38فلا خوف عليهم ، جواب الشرطين جميعا.
قال
القاضي أبو محمد رحمه الله: حكي هذا، وفيه نظر، ولا يتوجه أن يخالف
nindex.php?page=showalam&ids=16076سيبويه هنا، وإنما الخلاف في نحو قوله تعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=56&ayano=88فأما إن كان من المقربين nindex.php?page=tafseer&surano=56&ayano=89فروح وريحان ، فيقول
nindex.php?page=showalam&ids=16076سيبويه : جواب الشرطين. وأما في هذه الآية فالمعنى يمنع أن
[ ص: 192 ] يكون
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=38فلا خوف جوابا للشرطين، وقرأ
الجحدري وابن أبي إسحاق "هدى"، وهي لغة
هذيل ، قال
أبو ذؤيب يرثي بنيه:
سبقوا هوي وأعنقوا لهواهم فتخرموا ولكل جنب مصرع
وكذلك يقولون: عصي وما أشبهه، وعلة هذه اللغة أن ياء الإضافة من شأنها أن يكسر ما قبلها، فلما لم يصح في هذا الوزن كسر الألف الساكنة أبدلت ياء وأدغمت، وقرأ
nindex.php?page=showalam&ids=12300الزهري ،
nindex.php?page=showalam&ids=17379ويعقوب ،
nindex.php?page=showalam&ids=16748وعيسى الثقفي : "فلا خوف عليهم" نصب بالتبرئة. ووجهه أنه أعم وأبلغ في رفع الخوف، ووجه الرفع أنه أعدل في اللفظ لينعطف المرفوع من قوله:
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=38هم يحزنون على مرفوع. و"لا" في قراءة الرفع عاملة عمل ليس، وقرأ
ابن محيصن باختلاف عنه: "فلا خوف" بالرفع وترك التنوين، وهي على أن تعمل "لا" عمل ليس، لكنه حذف التنوين تخفيفا لكثرة الاستعمال، ويحتمل قوله تعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=62لا خوف عليهم ، أي: فيما بين أيديهم من الدنيا
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=38ولا هم يحزنون على ما فاتهم منها. ويحتمل أن
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=62لا خوف عليهم يوم القيامة
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=38ولا هم يحزنون فيه، ويحتمل أن يريد: أنه يدخلهم الجنة حيث لا خوف ولا حزن.
وقوله تعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=39والذين كفروا الآية، عطف جملة مرفوعة على جملة مرفوعة، وقال: "وكذبوا" وكان في الكفر كفاية، لأن لفظة "كفروا" يشترك فيها كفر النعم، وكفر المعاصي، ولا يجب بهذا خلود، فبين أن الكفر هنا هو الشرك بقوله:
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=39وكذبوا بآياتنا ، والآية هنا يحتمل أن يريد المتلوة، ويحتمل أن يريد العلامة المنصوبة، وقد تقدم في صدر هذا الكتاب القول على لفظ آية، و"أولئك" رفع بالابتداء، و"أصحاب" خبره، والصحبة الاقتران بالشيء في حالة ما في زمن ما، فإن كانت الملازمة والخلطة فهو
[ ص: 193 ] كمال الصحبة، وهكذا هي صحبة أهل النار لها، وبهذا القول ينفك الخلاف في تسمية الصحابة رضي الله عنهم؛ لأن مراتبهم متباينة، أقلها الاقتران في الإسلام والزمن، وأكثرها الخلطة والملازمة،
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=25وهم فيها خالدون ابتداء وخبر في موضع الحال.
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ:
nindex.php?page=treesubj&link=19721_28723_34513_28973nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=37فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ nindex.php?page=treesubj&link=19881_29675_29676_31769_31819_28973nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=38قُلْنَا اهْبِطُوا مِنْهَا جَمِيعًا فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنْ تَبِعَ هُدَايَ فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ nindex.php?page=treesubj&link=30431_30437_30539_28973nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=39وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ
الْمَعْنَى: فَقَالَ الْكَلِمَاتُ، فَتَابَ اللَّهُ عَلَيْهِ عِنْدَ ذَلِكَ،
وَ"آدَمُ" رُفِعَ بـِ "تَلَقَّى" "كَلِمَاتٍ"
[ ص: 189 ] نُصِبَ بِهَا، وَالتَّلَقِّي مِنْ
آدَمَ هُوَ الْإِقْبَالُ عَلَيْهَا، وَالْقَبُولُ لَهَا، وَالْفَهْمُ، وَحَكَى
nindex.php?page=showalam&ids=17141مَكِّيُّ قَوْلًا أَنَّهُ أُلْهِمَهَا فَانْتَفَعَ بِهَا، وَقَرَأَ
nindex.php?page=showalam&ids=16456ابْنُ كَثِيرٍ :
"آدَمَ" بِالنَّصْبِ
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=37مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ بِالرَّفْعِ، فَالتَّلَقِّي مِنَ الْكَلِمَاتِ هُوَ نَيْلُ
آدَمَ بِسَبَبِهَا رَحْمَةَ اللَّهِ وَتَوْبَتَهُ.
وَاخْتَلَفَ الْمُتَأَوِّلُونَ فِي الْكَلِمَاتِ، فَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=14102الْحَسَنُ بْنُ أَبِي الْحَسَنِ : هِيَ قَوْلُهُ تَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=23رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا الْآيَةُ، وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=16879مُجَاهِدٌ : هِيَ أَنَّ
آدَمَ ، قَالَ: "سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ، ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ".
وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنُ عَبَّاسٍ : هِيَ أَنَّ
آدَمَ قَالَ: أَيْ رَبِّ. أَلَمْ تَخْلُقْنِي بِيَدِكَ؟ قَالَ: بَلَى. قَالَ: أَيْ رَبِّ. أَلَمْ تَنْفُخْ فِيَّ مِنْ رُوحِكَ؟ قَالَ: بَلَى، قَالَ: أَيْ رَبِّ. أَلَمْ تُسْكِنِّي جَنَّتَكَ؟ قَالَ: بَلَى، قَالَ: أَرَأَيْتَ إِنْ تُبْتُ وَأَطَعْتُ أَرَاجِعِي أَنْتَ إِلَى الْجَنَّةِ؟ قَالَ: نَعَمْ. وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=16531عُبَيْدُ بْنُ عُمَيْرٍ : إِنَّ
آدَمَ قَالَ: أَيْ رَبِّ، أَرَأَيْتَ مَا عَصَيْتُكَ فِيهِ أَشِيءٌ كَتَبْتَهُ عَلَيَّ أَمْ شَيْءٌ ابْتَدَعْتَهُ؟ قَالَ: بَلْ شَيْءٌ كَتَبْتَهُ عَلَيْكَ، قَالَ: أَيْ رَبِّ. كَمَا كَتَبْتَهُ عَلَيَّ فَاغْفِرْ لِي. وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=16815قَتَادَةُ : الْكَلِمَاتُ هِيَ أَنَّ
آدَمَ قَالَ: أَيْ رَبِّ. أَرَأَيْتَ إِنْ أَنَا تُبْتُ وَأَصْلَحْتُ؟ قَالَ: إِذًا أُدْخِلُكَ الْجَنَّةَ. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: إِنَّ الْمُرَادَ بِالْكَلِمَاتِ نَدَمُهُ وَاسْتِغْفَارُهُ وَحُزْنُهُ، وَسَمَّاهَا كَلِمَاتٍ مَجَازًا لِمَا هِيَ فِي خَلْقِهَا صَادِرَةٌ عَنْ كَلِمَاتٍ، وَهِيَ كُنْ فِي كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ، وَهَذَا قَوْلٌ يَقْتَضِي أَنَّ
آدَمَ لَمْ يَقُلْ شَيْئًا إِلَّا الِاسْتِغْفَارَ الْمَعْهُودَ.
وَسُئِلَ بَعْضُ سَلَفِ الْمُسْلِمِينَ عَمَّا يَنْبَغِي أَنْ يَقُولَهُ الْمُذْنِبُ فَقَالَ: يَقُولُ مَا قَالَ أَبَوَاهُ:
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=23رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَمَا قَالَ
مُوسَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=16رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي . وَمَا قَالَ
يُونُسُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=87لا إِلَهَ إِلا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ .
[ ص: 190 ] "وَتَابَ عَلَيْهِ" مَعْنَاهُ: رَجَعَ بِهِ،
nindex.php?page=treesubj&link=19717_19718_19719وَالتَّوْبَةُ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى: الرُّجُوعُ عَلَى عَبْدِهِ بِالرَّحْمَةِ وَالتَّوْفِيقِ، وَالتَّوْبَةُ مِنَ الْعَبْدِ: الرُّجُوعُ عَنِ الْمَعْصِيَةِ، وَالنَّدَمُ عَلَى الذَّنْبِ مَعَ تَرْكِهِ فِيمَا يَسْتَأْنِفُ وَإِنَّمَا خَصَّ اللَّهُ تَعَالَى
آدَمَ بِالذِّكْرِ هُنَا فِي التَّلَقِّي وَالتَّوْبَةِ،
وَحَوَّاءَ مُشَارِكَةً لَهُ فِي ذَلِكَ بِإِجْمَاعٍ لِأَنَّهُ الْمُخَاطَبُ فِي أَوَّلِ الْقِصَّةِ بِقَوْلِهِ:
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=35اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ ، فَلِذَلِكَ كَمَلُتِ الْقِصَّةُ بِذَكَرِهِ وَحْدَهُ، وَأَيْضًا فَلِأَنَّ الْمَرْأَةَ حُرْمَةٌ وَمَسْتُورَةٌ، فَأَرَادَ اللَّهُ السَّتْرَ لَهَا، وَلِذَلِكَ لَمْ يَذْكُرْهَا فِي الْمَعْصِيَةِ فِي قَوْلِهِ:
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=121وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى . وَرُوِيَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى تَابَ عَلَى
آدَمَ فِي يَوْمِ عَاشُورَاءَ.
وَكُنْيَةُ
آدَمَ أَبُو مُحَمَّدٍ، وَقِيلَ: أَبُو الْبَشَرِ، وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ: "إِنَّهُ" بِكَسْرِ الْأَلِفِ عَلَى الْقَطْعِ، وَقَرَأَ
ابْنُ أَبِي عَقْرَبَ : "أَنَّهُ" بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ عَلَى مَعْنَى لِأَنَّهُ. وَبِنْيَةُ "التَّوَّابُ" لِلْمُبَالَغَةِ وَالتَّكْثِيرِ.
وَفِي قَوْلِهِ تَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=37إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ ، تَأْكِيدٌ فَائِدَتُهُ أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=19704_19705التَّوْبَةَ عَلَى الْعَبْدِ إِنَّمَا هِيَ نِعْمَةٌ مِنَ اللَّهِ لَا مِنَ الْعَبْدِ وَحْدَهُ، لِئَلَّا يَعْجَبَ التَّائِبَ، بَلِ الْوَاجِبُ عَلَيْهِ شُكْرُ اللَّهِ تَعَالَى فِي تَوْبَتِهِ عَلَيْهِ.
وَكَرَّرَ الْأَمْرَ بِالْهُبُوطِ لَمَّا عَلَّقَ بِكُلِّ أَمْرٍ مِنْهُمَا حُكْمًا غَيْرَ حُكْمِ الْآخَرِ، فَعَلَّقَ بِالْأَوَّلِ الْعَدَاوَةَ، وَعَلَّقَ بِالثَّانِي إِتْيَانَ الْهُدَى، وَقِيلَ: كَرَّرَ الْأَمْرَ بِالْهُبُوطِ عَلَى جِهَةِ تَغْلِيظِ الْأَمْرِ وَتَأْكِيدِهِ، كَمَا تَقُولُ لِرَجُلٍ: قُمْ قُمْ.
وَحَكَى
nindex.php?page=showalam&ids=15426النَّقَّاشُ أَنَّ الْهُبُوطَ الثَّانِيَ إِنَّمَا هُوَ مِنَ الْجَنَّةِ إِلَى السَّمَاءِ، وَالْأَوَّلُ فِي تَرْتِيبِ الْآيَةِ إِنَّمَا هُوَ إِلَى الْأَرْضِ وَهُوَ الْآخَرُ فِي الْوُقُوعِ، فَلَيْسَ فِي الْأَمْرِ تَكْرَارٌ عَلَى هَذَا.
وَ"جَمِيعًا" حَالٌ مِنَ الضَّمِيرِ فِي "اهْبِطُوا"، وَلَيْسَ بِمَصْدَرٍ، وَلَا اسْمَ فَاعِلٍ، وَلَكِنَّهُ عَوَّضَ مِنْهُمَا، دَالٌّ عَلَيْهِمَا، كَأَنَّهُ قَالَ: هُبُوطًا جَمِيعًا، أَوْ هَابِطَيْنِ جَمِيعًا.
[ ص: 191 ] وَاخْتَلَفَ فِي الْمَقْصُودِ بِهَذَا الْخِطَابِ، فَقِيلَ:
آدَمُ وَحَوَّاءُ وَإِبْلِيسُ وَذُرِّيَّتُهُمْ، وَقِيلَ: ظَاهِرُهُ الْعُمُومُ، وَمَعْنَاهُ الْخُصُوصُ فِي
آدَمَ وَحَوَّاءَ ، لِأَنَّ إِبْلِيسَ لَا يَأْتِيهِ هُدًى، وَخُوطِبَا بِلَفْظِ الْجَمْعِ تَشْرِيفًا لَهُمَا، وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ لِأَنَّ إِبْلِيسَ مُخَاطَبٌ بِالْإِيمَانِ بِإِجْمَاعٍ. وَ "إِنَّ" فِي قَوْلِهِ: "فَإِمَّا" هِيَ لِلشَّرْطِ، دَخَلَتْ "مَا" عَلَيْهَا مُؤَكِّدَةٌ لِيَصِحَّ دُخُولُ النُّونِ الْمُشَدَّدَةِ، فَهِيَ بِمَثَابَةِ لَامِ الْقَسَمِ الَّتِي تَجِيءُ لِتَجِيءَ النُّونُ. وَفِي قَوْلِهِ تَعَالَى: "مِنِّي" إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّ أَفْعَالَ الْعِبَادِ خَلْقُ اللَّهِ تَعَالَى، وَاخْتَلَفَ فِي مَعْنَى قَوْلِهِ "هُدًى" فَقِيلَ: بَيَانٌ وَإِرْشَادٌ.
قَالَ
الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ: وَالصَّوَابُ أَنْ يُقَالَ: بَيَانٌ وَدُعَاءٌ، وَقَالَتْ فِرْقَةٌ: الْهُدَى الرُّسُلُ، وَهِيَ إِلَى
آدَمَ مِنَ الْمَلَائِكَةِ، وَإِلَى بَنِيهِ مِنَ الْبَشَرِ، هُوَ فَمَنْ بَعْدَهُ.
وَقَوْلُهُ تَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=38فَمَنْ تَبِعَ هُدَايَ ، شَرْطٌ جَوَابُهُ
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=38فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=16076سِيبَوَيْهِ : الشَّرْطُ الثَّانِي وَجَوَابُهُ هُمَا جَوَابُ الْأَوَّلِ فِي قَوْلِهِ:
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=38فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ وَحُكِيَ عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=15080الْكِسَائِيِّ أَنَّ قَوْلَهُ:
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=38فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ ، جَوَابُ الشَّرْطَيْنِ جَمِيعًا.
قَالَ
الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ: حُكِيَ هَذَا، وَفِيهِ نَظَرٌ، وَلَا يَتَوَجَّهُ أَنْ يُخَالِفَ
nindex.php?page=showalam&ids=16076سِيبَوَيْهِ هُنَا، وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِي نَحْوِ قَوْلِهِ تَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=56&ayano=88فَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ nindex.php?page=tafseer&surano=56&ayano=89فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ ، فَيَقُولُ
nindex.php?page=showalam&ids=16076سِيبَوَيْهِ : جَوَابُ الشَّرْطَيْنِ. وَأَمَّا فِي هَذِهِ الْآيَةِ فَالْمَعْنَى يَمْنَعُ أَنْ
[ ص: 192 ] يَكُونَ
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=38فَلا خَوْفٌ جَوَابًا لِلشَّرْطَيْنِ، وَقَرَأَ
الْجَحْدَرِيُّ وَابْنُ أَبِي إِسْحَاقَ "هُدًى"، وَهِيَ لُغَةُ
هُذَيْلٍ ، قَالَ
أَبُو ذُؤَيْبٍ يَرْثِي بَنِيهِ:
سَبَقُوا هُوِيَّ وَأَعْنَقُوا لِهَوَاهُمُ فَتَخَرَّمُوا وَلِكُلِّ جَنْبٍ مَصْرَعُ
وَكَذَلِكَ يَقُولُونَ: عَصِيَّ وَمَا أَشْبَهَهُ، وَعِلَّةُ هَذِهِ اللُّغَةِ أَنَّ يَاءَ الْإِضَافَةِ مِنْ شَأْنِهَا أَنْ يُكْسَرَ مَا قَبْلَهَا، فَلَمَّا لَمْ يَصِحَّ فِي هَذَا الْوَزْنِ كَسْرُ الْأَلِفِ السَّاكِنَةِ أُبْدِلَتْ يَاءً وَأُدْغِمَتْ، وَقَرَأَ
nindex.php?page=showalam&ids=12300الزُّهْرِيُّ ،
nindex.php?page=showalam&ids=17379وَيَعْقُوبُ ،
nindex.php?page=showalam&ids=16748وَعِيسَى الثَّقَفِيُّ : "فَلَا خَوْفَ عَلَيْهِمْ" نُصِبَ بِالتَّبْرِئَةِ. وَوَجْهُهُ أَنَّهُ أَعَمُّ وَأَبْلَغُ فِي رَفْعِ الْخَوْفِ، وَوَجْهُ الرَّفْعِ أَنَّهُ أَعْدَلُ فِي اللَّفْظِ لِيَنْعَطِفَ الْمَرْفُوعُ مِنْ قَوْلِهِ:
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=38هُمْ يَحْزَنُونَ عَلَى مَرْفُوعٍ. وَ"لَا" فِي قِرَاءَةِ الرَّفْعِ عَامِلَةٌ عَمَلَ لَيْسَ، وَقَرَأَ
ابْنُ مُحَيْصِنٍ بِاخْتِلَافٍ عَنْهُ: "فَلَا خَوْفُ" بِالرَّفْعِ وَتَرَكَ التَّنْوِينَ، وَهِيَ عَلَى أَنْ تَعْمَلَ "لَا" عَمَلَ لَيْسَ، لَكِنَّهُ حَذَفَ التَّنْوِينَ تَخْفِيفًا لِكَثْرَةِ الِاسْتِعْمَالِ، وَيُحْتَمَلُ قَوْلُهُ تَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=62لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ ، أَيْ: فِيمَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ مِنَ الدُّنْيَا
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=38وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ عَلَى مَا فَاتَهُمْ مِنْهَا. وَيُحْتَمَلُ أَنْ
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=62لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=38وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ فِيهِ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ: أَنَّهُ يُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ حَيْثُ لَا خَوْفٌ وَلَا حَزَنٌ.
وَقَوْلُهُ تَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=39وَالَّذِينَ كَفَرُوا الْآيَةُ، عَطْفُ جُمْلَةٍ مَرْفُوعَةٍ عَلَى جُمْلَةٍ مَرْفُوعَةٍ، وَقَالَ: "وَكَذَّبُوا" وَكَانَ فِي الْكُفْرِ كِفَايَةٌ، لِأَنَّ لَفْظَةَ "كَفَرُوا" يَشْتَرِكُ فِيهَا كُفْرُ النِّعَمِ، وَكُفْرُ الْمَعَاصِي، وَلَا يَجِبْ بِهَذَا خُلُودٌ، فَبَيَّنَ أَنَّ الْكُفْرَ هُنَا هُوَ الشِّرْكُ بِقَوْلِهِ:
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=39وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا ، وَالْآيَةُ هُنَا يُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ الْمَتْلُوَّةَ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ الْعَلَامَةَ الْمَنْصُوبَةَ، وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي صَدْرِ هَذَا الْكِتَابِ الْقَوْلُ عَلَى لَفْظِ آيَةٍ، وَ"أُولَئِكَ" رُفِعَ بِالِابْتِدَاءِ، وَ"أَصْحَابُ" خَبَرُهُ، وَالصُّحْبَةُ الِاقْتِرَانُ بِالشَّيْءِ فِي حَالَةِ مَا فِي زَمَنٍ مَا، فَإِنْ كَانَتِ الْمُلَازَمَةُ وَالْخُلْطَةُ فَهُوَ
[ ص: 193 ] كَمَالُ الصُّحْبَةِ، وَهَكَذَا هِيَ صُحْبَةُ أَهْلِ النَّارِ لَهَا، وَبِهَذَا الْقَوْلِ يَنْفَكُّ الْخِلَافُ فِي تَسْمِيَةِ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ؛ لِأَنَّ مَرَاتِبَهُمْ مُتَبَايِنَةً، أَقَلُّهَا الِاقْتِرَانُ فِي الْإِسْلَامِ وَالزَّمَنُ، وَأَكْثَرُهَا الْخُلْطَةُ وَالْمُلَازَمَةُ،
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=25وَهُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ابْتِدَاءٌ وَخَبَرٌ فِي مَوْضِعِ الْحَالِ.