الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
قوله عز وجل:

ومن حيث خرجت فول وجهك شطر المسجد الحرام وحيث ما كنتم فولوا وجوهكم شطره لئلا يكون للناس عليكم حجة إلا الذين ظلموا منهم فلا تخشوهم واخشوني ولأتم نعمتي عليكم ولعلكم تهتدون كما أرسلنا فيكم رسولا منكم يتلو عليكم آياتنا ويزكيكم ويعلمكم الكتاب والحكمة ويعلمكم ما لم تكونوا تعلمون

قوله تعالى: فولوا وجوهكم شطره ، هو فرض استقبال القبلة على المصلين، وفرض المصلي ما دام يرى الكعبة أن يصادفها باستقباله، فإذا غابت عنه ففرضه الاجتهاد في مصادفتها، فإن اجتهد ثم كشف الغيب أنه أخطأ فلا شيء عليه عند كثير من العلماء، ورأى مالك رحمه الله أن يعيد في الوقت إحرازا لفضيلة القبلة.

وقوله تعالى: لئلا يكون للناس عليكم حجة الآية، قرأ نافع وحده بتسهيل [ ص: 382 ] الهمزة، وقرأ الباقون "لئلا" بالهمز. والمعنى: عرفتكم وجه الصواب في قبلتكم والحجة في ذلك "لئلا" وقوله: "للناس" عموم في اليهود والعرب وغيرهم، وقيل: المراد بالناس اليهود ، ثم استثنى كفار العرب ، وقوله: "منهم" يرد هذا التأويل.

وقالت طائفة: "إلا الذين" استثناء منقطع، وهذا مع كون الناس اليهود فقط، وقد ذكرنا ضعف هذا القول، والمعنى: لكن الذين ظلموا يعني كفار قريش في قولهم: رجع محمد إلى قبلتنا وسيرجع إلى ديننا كله، ويدخل في ذلك كل من تكلم في النازلة من غير اليهود .

وقرأ ابن عباس ، وزيد بن علي ، وابن زيد : "ألا" بفتح الهمزة وتخفيف اللام على معنى استفتاح لكلام، فيكون "الذين" ابتداء، أو على معنى الإغراء بهم فيكون "الذين" نصبا بفعل مقدر.

[ ص: 383 ] وقوله تعالى: فلا تخشوهم واخشوني الآية، تحقير لشأنهم، وأمر باطراح أمرهم ومراعاة أمره، وقوله: "ولأتم" عطف على قوله: "لئلا"، وقيل: هو مقطوع في موضع رفع بالابتداء، والخبر مضمر بعد ذلك، والتقدير: لأتم نعمتي عليكم عرفتكم قبلتي ونحوه. ولعلكم تهتدون ترج في حق البشر، والكاف في قوله "كما" رد على قوله: "لأتم" أي إتماما كما، وهذا أحسن الأقوال، أي لأتم نعمتي عليكم في بيان سنة إبراهيم عليه السلام كما أرسلنا فيكم رسولا منكم إجابة لدعوته في قوله: ربنا وابعث فيهم رسولا منهم الآية، وقيل: الكاف من "كما" رد على "تهتدون" أي اهتداء كما، وقيل هو في موضع نصب على الحال. وقيل: هو في معنى التأخير متعلق بقوله: "فاذكروني".

وهذه الآية خطاب لأمة محمد صلى الله عليه وسلم وهو المعني بقوله: رسولا منكم ، و"يتلوا" في موضع نصب على الصفة، والآيات: القرآن، و"يزكيكم": يطهركم من الكفر وينميكم بالطاعة، و"الكتاب" القرآن، و"الحكمة" ما يتلقى عنه عليه السلام من سنة وفقه في دين.

و ما لم تكونوا تعلمون قصص من سلف، وقصص ما يأتي من الغيوب.

التالي السابق


الخدمات العلمية