الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                          2398 حدثنا قتيبة حدثنا حماد بن زيد عن عاصم بن بهدلة عن مصعب بن سعد عن أبيه قال قلت يا رسول الله أي الناس أشد بلاء قال الأنبياء ثم الأمثل فالأمثل فيبتلى الرجل على حسب دينه فإن كان دينه صلبا اشتد بلاؤه وإن كان في دينه رقة ابتلي على حسب دينه فما يبرح البلاء بالعبد حتى يتركه يمشي على الأرض ما عليه خطيئة قال أبو عيسى هذا حديث حسن صحيح وفي الباب عن أبي هريرة وأخت حذيفة بن اليمان أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل أي الناس أشد بلاء قال الأنبياء ثم الأمثل فالأمثل

                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                          قوله : ( أي الناس أشد ) أي أكثر وأصعب ( بلاء ) أي محنة ومصيبة ( قال الأنبياء ) أي هم أشد في الابتلاء لأنهم يتلذذون بالبلاء كما يتلذذ غيرهم بالنعماء ، ولأنهم لو لم يبتلوا لتوهم فيهم الألوهية ، وليتوهن على الأمة الصبر على البلية . ولأن من كان أشد بلاء كان أشد تضرعا والتجاء إلى الله تعالى ( ثم الأمثل فالأمثل ) قال الحافظ : الأمثل أفعل من المثالة والجمع أماثل وهم الفضلاء . وقال ابن الملك : أي الأشرف فالأشرف والأعلى فالأعلى رتبة ومنزلة . يعني من هو [ ص: 67 ] أقرب إلى الله بلاؤه أشد ليكون ثوابه أكثر قال الطيبي : " ثم " فيه للتراخي في الرتبة والفاء للتعاقب على سبيل التوالي تنزلا من الأعلى إلى الأسفل واللام في الأنبياء للجنس . قال القاري : ويصح كونها للاستغراق إذ لا يخلو منهم من عظيم محنة وجسيم بلية بالنسبة لأهل زمنه ، ويدل عليه قوله : ( يبتلى الرجل على حسب دينه ) أي مقداره ضعفا وقوة ونقصا وكمالا . قال الطيبي : الجملة بيان للجملة الأولى واللام في الرجل للاستغراق في الأجناس المتوالية ( فإن كان ) تفصيل للابتلاء وقدره ( في دينه صلبا ) بضم الصاد المهملة أي قويا شديدا وهو خبر كان واسمه ضمير راجع إلى الرجل والجار متعلق بالخبر ( اشتد بلاؤه ) أي كمية وكيفية ( وإن كان في دينه رقة ) أي ذا رقة ويحتمل أن يكون رقة اسم كان أي ضعف ولين . قال الطيبي : جعل الصلابة صفة له والرقة صفة لدينه مبالغة وعلى الأصل . قال القاري : وكان الأصل في الصلب أن يستعمل في الجثث وفي الرقة أن تستعمل في المعاني ، ويمكن أن يحمل على التفنن في العبارة ، انتهى . ( ابتلي على قدر دينه ) أي ببلاء هين سهل ، والبلاء في مقابلة النعمة ، فمن كانت النعمة عليه أكثر فبلاؤه أغزر ( فما يبرح البلاء ) أي ما يفارق أو ما يزال ( بالعبد ) أي الإنسان ( حتى يتركه يمشي على الأرض وما عليه خطيئة ) كناية عن خلاصه من الذنوب ، فكأنه كان محبوسا ثم أطلق وخلي سبيله يمشي ما عليه بأس .

                                                                                                          قوله : ( هذا حديث حسن صحيح ) وأخرجه أحمد والدارمي والنسائي في الكبرى وابن ماجه وابن حبان والحاكم كذا في الفتح .




                                                                                                          الخدمات العلمية