الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
( و ) عمل بالعرف ( في ) أحوال ( السير والمنازل ) وقدر الإقامة بها ( والمعاليق ) جمع معلوق بضم الميم كعصفور وعصافير أي ما يحتاج له المسافر من نحو سمن وزيت وعسل ( والزاملة ) ما يحمل فيه المسافر حاجته من خرج ونحوه فإن لم يكن عرف وجب التعيين في السير والمنازل ، وإلا فسخ الكراء ، وأما في المعاليق والزاملة فلا يفسخ ، ولا يلزم المكري حملها ( و ) في ( وطائه ) أي فرشه ، وأولى غطائه ( بمحمل ) حملا أو إتيانا فإن لم يكن عرف لم يلزم المكري ( وبدل ) نقص ( الطعام المحمول ) بأكل أو بيع فإن لم يكن عرف فعليه وزن الحمل الأول ، وأما عكسه كما إذا استأجره على قنطار إلى بلد كذا فأصابه مطر حتى زاد فلا يلزمه إلا حمل الوزن الأول ( وتوفيره ) أي الطعام المحمول إذا أراد ربه أن يوفره من أكل أو بيع ، وأراد المكري تخفيفه عمل بالعرف ( كنزع الطيلسان ) بفتح اللام وقد تكسر وتضم ( قائلة ) أو ليلا أي إن من استأجره أو استأجر قميصا ليلبسه فإنه يجب عليه أن ينزعه في أوقات نزعه عادة فإن اختلف العرف في لبسه ونزعه لزمه بيان وقت نزعه أو دوام لبسه ( ، وهو ) أي من تولى المعقود عليه أو من تولى العين المؤجرة من مؤجر بالفتح كراع ، ومستأجر كمكتري الدابة ونحوها ( أمن فلا ضمان ) عليه إن ادعى الضياع أو التلف كان مما يغاب عليه أو لا ويحلف إن كان متهما لقد ضاع ، وما فرطت ، ولا يحلف غيره وقيل يحلف ما فرطت وبالغ على عدم الضمان بقوله ( ولو شرط ) عليه ( إثباته ) أي الضمان ( إن لم يأت بسمة الميت ) فلا ضمان ، وإن لم يأت بها لكن كلامه يوهم صحة عقد الإجارة مع الشرط المذكور مع أنه يفسده ; لأنه شرط مناقض لمقتضى العقد فله أجرة المثل ، سواء زادت على [ ص: 25 ] التسمية أو نقصت عند ابن القاسم إلا أن يسقط الشرط قبل الفوات ، وإلا صحت الإجارة ، والفوات هنا بانقضاء العمل فإسقاطه في أثنائه كإسقاطه قبله في إفادة الصحة ( أو عثر ) أجير حمل أو عثرت دابته ( بدهن أو طعام ) أو غيرهما ( أو ) عثر ( بآنية فانكسرت ، و ) الحال أنه ( لم يتعد ) في فعله ، ولا سوق دابته فلا ضمان إلا أن يتهم بأن لم يصدقه ربه ، ولم يصاحبه ، ولم تقم له بينة فيضمن ( أو انقطع الحبل ) فتلف المتاع المشدود به ( ولم يغر بفعل ) بأن لم يغر أصلا أو غر بقول فلا ضمان إذ لا أثر للغرر القولي كأن يأتي بشقة لخياط يقول له هل تكفي ثوبا فيقول نعم فيفصلها فلم تكف فلا ضمان على الخياط ، وإن علم عدم كفايتها ، نعم إن شرط عليه بأن قال له إن علمت أنها تكفي ففصلها ، وإلا فلا فقال تكفي ، وهو يعلم أنها لا تكفي فيضمن ، ومثال القولي أيضا أن يقول الصيرفي في دينار أو درهم إنه جيد ، وهو يعلم أنه رديء فلا ضمان ، ولو بأجرة وقيل بضمانه مطلقا وقيل إن كان بأجرة واستظهر ، فإن غر بفعل ضمن كربطه بحبل رث أو مشيه في موضع زلق أو تعثرت الدابة فيه ، وله الأجرة بحساب ما سار ككل متعد في المحمولات فإن لم يضمن فلا كراء له ( كحارس ) لدار أو بستان أو طعام أو ثياب أو غيرها لا ضمان عليه ; لأنه أمين [ ص: 26 ] إلا أن يتعدى أو يفرط ، ولا عبرة بما شرط أو كتب على الخفراء في الحارات والأسواق من الضمان ( ولو حماميا ) فلا ضمان عليه فيما ضاع من الثياب ما لم يفرط ، ومن التفريط ما لو قال رأيت رجلا يلبسها فظننت أنه صاحبها .

التالي السابق


( قوله : في أحوال السير ) أي من كونه بالهوينا أو حدرا أو متوسطا ثم إن قوله ، وفي السير عطف على قوله في الخيط ، وأعاد الجار لئلا يتوهم أنه عطف على الإكاف فيتسلط عليه العكس ( قوله : والمنازل ) أي مواضع النزول ( قوله : أي ما يحتاج له المسافر من نحو سمن ) أي من وعاء نحو سمن فإذا اكتريت جملا لتركبه في السفر فلا يلزم ربه حمل وعاء نحو السمن إلا بالعرف ( قوله : من خرج ونحوه ) أي فإذا اكتريت دابة لتركبها فيرجع في حمل الخرج والصندوق للعرف فإن لم يكن عرف فلا يلزم رب الدابة حمله .

( قوله : ووطائه بمحمل ) أي أن ما يوضع تحت المكتري في المحمل من فراش يرجع في الإتيان به ، وفي حمله للعرف فإن لم يكن عرف فلا يلزم الجمال الإتيان به ، ولا حمله ( قوله : وأولى غطائه ) أي لعدم الاستغناء عنه غالبا ( قوله : وبدل الطعام المحمول ) أي وبدل نقص الطعام المحمول ففي الكلام حذف مضاف ، وحاصله أنه إذانقص الطعام المحمول بأكل أو بيع أو نحوه ، وأراد صاحبه عوض بدله وامتنع المكري فإنه يرجع للعرف فإن جرى عرف بعدم بدله عمل به كما في طريق الحج فإن المكري يدخل مع المكتري على وزن معين مع علمهما نقصه بأكل وعلف كل يوم فإن لم يكن عرف فعلى رب الدابة حمل الوزن الأول المشترط لتمام المسافة المكتراة ( قوله : الطيلسان ) هو الشال الذي تغطى به الرأس ( قوله : أو استأجر قميصا إلخ ) أشار بذلك إلى أن الطيلسان لا مفهوم له بل الثوب كذلك ( قوله : في أوقات نزعه عادة ) أي كوقت القيلولة والليل .

( تنبيه ) مما يرجع فيه للعرف عند عدم الشرط ما إذا اكترى على حمل متاع دواب إلى موضع فاعترض نهر في الطريق كالنيل لا يجاز إلا بالمركب فتعدية كل من الدابة والحمل على ربه إلا أن لا يعلموا به ، وإلا فتعدية الجميع على رب الدابة ( قوله : من مؤجر ، ومستأجر ) أي ، وهذا الصنيع أولى من قصر تت له على الثاني حيث قال ، وهو أي المستأجر أمين فعلى هذا يضمن الراعي إذا ادعى الضياع أو التلف ، وهذا وإن قيل به في الراعي المشترك بين قوم كالصانع إلا لبينة تصدقه لكنه ضعيف ، وقد ألف صاحب المعيار رسالة في الرد على صاحب ذلك القول وكذلك أبو الحسن بن رحال ألف رسالة في الأجراء والصناع وتعرض فيها للرد عليه ( قوله : كان ) أي المعقود عليه مما يغاب عليه كالثوب أو لا كالدابة ( قوله : ولا يحلف غيره ) هذا قول ابن القاسم ( قوله : وقيل يحلف ما فرطت ) أي أنه يحلف على التفريط ، وأما الضياع فيصدق فيه من غير حلف عليه ; لأن الضياع ناشئ عن تفريطه غالبا فيكفي حلفه ما فرطت ، وفي المسألة قول ثالث أنه يحلف مطلقا أي على الضياع والتفريط ( قوله : ولو شرط إلخ ) يعني أن الضمان ساقط عنه ، ولو شرط [ ص: 25 ] عليه إن لم يأت بسمة ما مات منها كان ضامنا ولم يأت بها فهذا الشرط لا يلزم الوفاء به خلافا لمن قال بالضمان ( قوله : أو عثر إلخ ) عطف على شرط فهو داخل في حيز المبالغة وحاصله أنه إذا استأجره على حمل دهن أو طعام كسمن أو عسل أو على حمل آنية على رأسه أو على أكتافه أو على دابته فعثر أو عثرت الدابة فانكسر ذلك المحمول والحال أنه لم يتعد في فعله ، ولا بسوق الدابة فإنه لا ضمان على ذلك المستأجر بالفتح على المعتمد ، وما ذكره المصنف من عدم ضمان المستأجر بالفتح على الحمل إذا عثر أو عثرت دابته فتلف المحمول لا ينافي قولهم العمد والخطأ في أموال الناس سواء ; لأن قولهم مقيد بما إذا لم يكن المخطئ أمينا ، وهو هنا أمين ، ألا ترى أن من أذن له في تقليب شيء فسقط من يده فلا ضمان عليه ، وإن سقط على غيره فانكسر ضمن ما سقط عليه لا ما سقط ، وفي حاشية السيد على عبق يضمن السقاء كسر الزير ، ولا يضمن ما سقط من يده كغطاء ; لأنه مأذون في رفعه وقوله : أجير حمل أي أجير استؤجر على الحمل على رأسه أو على أكتافه ( قوله : فلا ضمان ) أي إن صدقه ربه في دعواه انكسارها من غير تعد أو كان كسرها بحضرته أو حضرة وكيله أو قامت بينة بتصديقه ، والمراد بحضرة ربه مصاحبته له ، ولو في بعض الطريق فإذا صاحبه في بعضها ثم فارقه فادعى تلفه بعد مفارقته فإنه يصدق كما في التوضيح وذلك ; لأن مصاحبته ببعض الطريق ومفارقته في بعضها دليل على أنه إنما فارقه لما علم من حفظه وتحرزه ( قوله : إلا أن يتهم بأن لم يصدقه ربه إلخ ) يؤخذ من هذا أن المستأجر بالفتح ليس بأمين في الطعام ولذا قال بن حق المصنف أن يأتي بصيغة الاستثناء من قوله ، وهو أمين فيقول إلا في حمل نحو طعام مما تتسارع إليه الأيدي ، وأما البز والعروض فالقول فيها قوله : إلا أن يأتي بما يدل على كذبه ، والسفينة كالدابة .

وحاصل فقه المسألة أن المستأجر بالكسر مصدق في دعواه التلف أو الضياع سواء استأجر لركوب أو حمل أو لبس أو غير ذلك ، وأما المستأجر بالفتح ففيه تفصيل فإن كان المستأجر عليه غير الطعام كالعروض وكالحيوان بالنسبة للراعي أو كان طعاما لا تسرع إليه الأيدي كالقمح فإنه يصدق في دعواه التلف أو الضياع ما لم يأت بما يدل على كذبه ، وإن كان طعاما ما تسرع إليه الأيدي كالسمن والعسل والزيت فلا يصدق ويحمل على الخيانة حتى يثبت صدقه ببينة أو يصدقه ربه أو يكون التلف بحضرته أو حضرة وكيله فإن ثبت صدقه بواحد مما ذكر فلا ضمان .

( قوله : فيضمن ) أي مثله بموضع غاية المسافة ، وله جميع الأجرة على أظهر القولين وعليه اقتصر ابن رشد في البيان ، وفي التوضيح له بحساب ما سار والقول الثاني هو الموافق لكلام الشارح الآتي في آخر العبارة ( قوله : ولم يغر بفعل ) أي والحال أنه لم يغر بفعل من ضعف حبل ، ومشيه في موضع تعثر أو تزلق فيه الدابة أو ازدحام ( قوله : إذ لا أثر للغرر القولي ) أي الغير المنضم لعقد أو لشرط كالذي مثل الشارح به أولا وأما الغرر القولي المنضم لعقد من الغار أو لشرط فإنه يوجب الضمان فالأول كأن يقول لزيد اشتر سلعة فلان فإنها سليمة والحال أنه يعلم أنها معيبة وتولى العقد عليها وكالصيرفي إذا أخذ أجرة ، وقال إنه جيد ، وهو يعلم أنه رديء فيضمن بهذا الغرور كالفعلي والقولي المنضم لشرط كما مثل به الشارح بقوله نعم إن شرط عليه بأن قال له إن علمت إلخ ويستثنى من الغرور القولي الغير المنضم لعقد أو شرط من دل لصا أو ظالما على مال فإنه يضمن على المذهب .

( قوله : فيفصلها ) أي فيذهب ربها يفصلها فلا تكفيه ( قوله : فيضمن ) أي ما نقصها بسبب التفصيل ( قوله : وقيل إن كان بأجرة ) أي وقيل يضمن إن كان بأجرة ، وإلا فلا ( قوله : واستظهر ) أي ; لأنه قد انضم للغرر عقد إجارة على نقده ، ولو بالمعاطاة ( قوله : أو تعثر الدابة فيه ) أي أو مشيه في موضع تعثر الدابة فيه ( قوله : ككل متعد في المحمولات ) أي ككل أجير تعدى في المحمولات وضمن فإنه يكون له بحساب ما سار وذلك كما لو كان المحمول [ ص: 26 ] طعاما تسرع له الأيدي وادعى تلفه أو ضياعه ولم يصدقه ربه ، ولم يكن التلف بحضرته أو حضرة وكيله ، ولم تشهد بينة بصدقه وقوله : فإن لم يضمن أي كما لو كان المحمول غير طعام أو كان طعاما لا تسرع إليه الأيدي أو تسرع له الأيدي وصدقه ربه في دعوى تلفه أو قامت بينة على تلفه أو كان التلف بحضرة ربه أو وكيله .

وحاصل كلامه أن المستأجر بالفتح على حمل إذا تعدى على المحمول وضمن فإن له من الأجرة بحساب ما سار ، وإن كان ذلك المستأجر لا ضمان عليه فلا كراء له قال بن : وهذا الكلام أصله للشيخ يوسف الفيشي ، وهو غير صحيح إذ لم يوافق قولا من الأقوال الأربعة التي ذكرها في المقدمات في مسألة تلف المحمول ، وهي له الكراء مطلقا ويلزمه حمل مثله من موضع الهلاك هلك بسبب حامله أو بسماوي ، وهذا هو المشهور عند ابن رشد الثاني له بحساب ما سار مطلقا ، والثالث إن هلك بسبب حامله فله بحساب ما سار ، وإن هلك بسماوي فله الكراء كله ويلزمه حمل مثله من محل الهلاك . والرابع مذهب المدونة إن هلك بسبب حامله فلا كراء له ، وإن هلك بسماوي فله الكراء ويلزمه حمل مثله ، وظاهره في جميع الأقوال ضمن أو لا كان طعاما أو غيره والمصنف فيما يأتي قد جرى على الأول لتشهير ابن رشد له ; لأنه قال ، وفسخت بتلف ما يستوفى منه لا به فمقتضاه أن الإجارة لا تنفسخ بتلف ما يستوفى به مطلقا سواء تلف بسماوي أو غيره ، وعلى هذا فللمستأجر أن يأتيه بمثل ما هلك بحمله وله جميع الأجرة انظربن ( قوله : إلا أن يتعدى ) أي بأن يقع منه خيانة وقوله : أو يفرط أي بأن نام اختيارا في وقت لا ينام فيه الحارس أو ترك العس في وقت يعس فيه الحارس وقوله : إلا أن يتعدى إلخ أي أو يجعل حارسا لا يعاشره ، وإلا ضمن ( قوله : ولا عبرة بما شرط أو كتب على الخفراء في الحارات والأسواق من الضمان ) أي ; لأنه من التزام ما لا يلزم ولا يرد على هذا قول مالك من التزم معروفا لزمه فإن مقتضى هذا أنه إذا شرط عليهم الضمان ورضوا به يضمنون لالتزامهم الضمان ، وهو معروف ; لأن هذا في غير الإجارة كما يدل عليه قوله : معروفا ، إذ من المعلوم أن الشرط متى كان في مقام عقد لم يكن معروفا ولأن ضمانهم حين إجارتهم ضمان بجعل فيكون فاسدا ; لأن الضمان لا يكون إلا لله . ا هـ .

واعلم أن الخفراء جمع خفير بالخاء المعجمة ، يقال خفره من باب ضرب حرسه وأخفره نقض عهده فالهمزة للسلب ( قوله : ولو حماميا ) أي هذا إذا كان الحارس غير حمامي بل ، ولو كان حماميا ورد بلو على ابن حبيب القائل بضمانه ، وأما صاحب الحمام فلا ضمان عليه اتفاقا ( قوله : ما لم يفرط ) أي أو يدفع له الشخص الثياب رهنا على الأجرة ، وإلا ضمنها الحارس ضمان الرهان .

واعلم أن أصل المذهب عدم تضمين الخفراء والحراس والرعاة واستحسن بعض المتأخرين تضمينهم نظرا لكونه من المصالح العامة .




الخدمات العلمية