الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                      صفحة جزء
                                                      مسألة [ حتى العاطفة هل تقتضي الترتيب ؟ ] اختلف في العاطفة هل تقتضي الترتيب ; فأثبته ابن الحاجب وابن معط حيث قالا : إنها كالفاء ، بل هذه العبارة توهم أنها للتعقيب ، وهو بعيد ، ولعلهم أرادوا أنها بمعنى الفاء للمناسبة الظاهرة بين التعقيب والغاية .

                                                      [ ص: 226 ] وقال صاحب البسيط " هي مثل " ثم " في الترتيب والمهلة إلا أنه يشترط كون معطوفها جزءا من المعطوف عليه ، ويصح جعله غاية له ، فعلم منهما مخالفته للأول فيما أوجب المهلة من ضعف أو قوة ، ك قدم الحجاج حتى المشاة . وقال الجمهور : إنها كالواو . وقال ابن مالك في شرح العمدة " هي في عدم الترتيب كالواو ، وزعم بعض المتأخرين أنها تقتضي الترتيب ، وليس بصحيح بل يجوز أن يقال : حفظت حتى سورة البقرة ، وإن كانت البقرة أول محفوظك أو متوسطه ، وفي الحديث : { كل شيء بقضاء وقدر حتى العجز والكيس } ولا فرق في تعلق القضاء بالمقضيات ، وإنما الترتيب في كونها أي : وجودها . وقال ابن مالك في شرح العمدة " هي في عدم الترتيب كالواو ، وقال ابن أياز : الترتيب الذي تقتضيه " حتى " ليس على ترتيب الفاء وثم ، وذلك أنهما يرتبان أحد الفعلين على الآخر في الوجود وهي ترتب ترتيب الغاية والنهاية ، ويشترط أن يكون ما بعدها من جنس ما قبلها ، ولا يحصل ذلك إلا بذكر الكل قبل الجزء .

                                                      قال الجرجاني : الذي أوجب ذلك أنها للغاية والدلالة على أحد طرفي الشيء . وطرف الشيء لا يكون من غيره . ولهذا كان فيه معنى التعظيم والتحقير ، وذلك أن الشيء إذ أخذته من أعلاه فأدناه غايته وهو المحقر ، وإن أخذته من أدناه فأعلاه غايته وهو المعظم ، ولهذا أيضا لم يكن ما بعد " حتى " وإن كان من جنس ما قبلها إلا بعضا وجزءا منه . تقول : جاء القوم حتى زيد ، ولا تقول حمار . وكذلك لا تقول : جاء زيد حتى القوم ، [ ص: 227 ] لاستحالة أن يكون بضعا لشيء وجزءا منه . ولا جاء زيد حتى عمرو كذلك أيضا ، وللمساواة ، وكل هذا لا يمتنع في الواو .

                                                      وهنا تنبيهات الأول أنهم ذكروا أن " حتى " للغاية إما في نقص أو زيادة ، نحو عليك الناس حتى النساء ، واختطفت الأشياء حتى مثاقيل الدر ، ثم قالوا : إنها لا تقتضي الترتيب بل تكون لمطلق الجمع كالواو ، والجمع بين الكلامين مشكل . فإن قلت : الغاية في نفس الأمر والواقع ليس هو هذا ، بل من الجائز أن يكون هو الأول ، وما بعده أو الأخير ، ومع هذا الاحتمال لا تكون للترتيب . قلت : لو لم تكن للترتيب لم يكن لاشتراط القوة أو الضعف فائدة ، ولو لم تقتض التأخير عقلا وعادة لم يحسن ذلك ، فإن قلت : فائدته إفادة العموم ، قلت : العموم مأخوذ من المفهوم ، وفيه نظر .

                                                      التنبيه الثاني " حتى " الداخلة على الأفعال قد تكون للغاية ولمجرد السببية والمجازاة وللعطف المحض أي : التشريك من غير اعتبار غايته وسببيته ، فالأول هو الأصل فيحمل عليه ما أمكن كقوله تعالى : { حتى يعطوا الجزية } فإن القتل يصلح للامتداد ، وقبول الجزية يصلح منتهى له . وكقوله تعالى : { حتى تستأنسوا } أي تستأذنوا ، فإن المنع من دخول بيت الغير يحتمل الامتداد ، والاستئذان يصلح منتهى له . وجعل حتى هذه داخلة على الفعل نظرا لظاهر اللفظ وإلا فالفعل [ ص: 228 ] منصوب بإضمار " أن " فهي في الحقيقة إنما دخلت على الاسم ، هذا إذا احتمل صدر الكلام الامتداد والآخر الانتهاء إليه ، فإن لم يحتمل ذلك . فإن صلح الصدر أن يكون سببا للثاني كانت بمعنى " كي " فتفيد السببية والمجازاة ، نحو أسلمت حتى أدخل الجنة ، وإن لم يصلح لذلك فهي للعطف المحض من غير دلالة على غاية أو مجازاة .

                                                      التالي السابق


                                                      الخدمات العلمية