(
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=29إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم ) هذا استثناء منقطع لوجهين : أحدهما : أن التجارة لم تندرج في الأموال المأكولة بالباطل فتستثنى منها ، سواء أفسرت قوله بالباطل بغير عوض كما قال
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس ، أم بغير طريق شرعي كما قاله غيره . والثاني : أن الاستثناء إنما وقع على الكون ، والكون معنى من المعاني ليس مالا من الأموال . ومن ذهب إلى أنه استثناء متصل فغير مصيب لما ذكرناه . وهذا الاستثناء المنقطع لا يدل على الحصر في أنه لا يجوز أكل المال إلا بالتجارة فقط ، بل ذكر نوع غالب من أكل المال به ، وهو التجارة ، إذ أسباب الرزق أكثرها متعلق بها .
وفي قوله : عن تراض دلالة على أن ما كان على طريق التجارة فشرطه التراضي ، وهو من اثنين : الباذل للثمن ، والبائع للعين . ولم يذكر في الآية غير التراضي ، فعلى هذا ظاهر الآية يدل على أنه لو باع ما يساوي مائة بدرهم جاز إذا تراضيا على ذلك ، وسواء أعلم مقدار ما يساوي أم لم يعلم . وقالت فرقة : إذا لم يعلم قدر الغبن وتجاوز الثلث ، رد البيع . وظاهرها يدل على أنه إذا تعاقد بالكلام أنه تراض منهما ولا خيار لهما ، وإن لم يتفرقا . وبه قال
أبو حنيفة ، و
مالك ، وروي نحوه عن
عمر . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=16004الثوري ، و
الليث ، و
عبيد الله بن الحسن ،
nindex.php?page=showalam&ids=13790والشافعي : إذا عقدا فهما على الخيار ما لم يتفرقا ، واستثنوا صورا لا يشترط فيها التفرق ، واختلفوا في التفرق . فقيل : بأن يتوارى كل منهما عن صاحبه . وقال
الليث : بقيام كل منهما من المجلس . وكل من أوجب الخيار يقول إذا خيره في المجلس فاختار ، فقد وجب البيع . وروي خيار المجلس عن
عمر أيضا . وأطال المفسرون بذكر الاحتجاج لكل من هذه المذاهب ، وموضوع ذلك كتب الفقه .
والتجارة اسم يقع على عقود المعاوضات ، المقصود منها طلب الأرباح . وأن تكون في موضع نصب أي : لكن كون تجارة عن تراض غير منهي عنه . وقرأ
الكوفيون : تجارة بالنصب ، على أن تكون ناقصة على تقدير مضمر فيها يعود على الأموال ، أو يفسره التجارة ، والتقدير : إلا أن تكون الأموال تجارة ، أو يكون التقدير : إلا أن تكون التجارة تجارة عن تراض منكم . كما قال : إذا كان يوما ذا كوكب أشنعا . أي إذا كان هواي اليوم يوما ذا كوكب . واختار قراءة
الكوفيين أبو عبيد ، وقرأ باقي السبعة : ( تجارة ) بالرفع ، على أن ( كان ) تامة . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=17141مكي بن أبي طالب : الأكثر في كلام العرب أن قولهم إلا أن تكون في الاستثناء بغير ضمير فيها على معنى يحدث أو يقع ، وهذا مخالف لاختيار
أبي عبيد . وقال
ابن عطية : تمام ( كان ) يترجح عند بعض ؛ لأنها صلة ، فهي محطوطة عن درجتها إذا كانت سليمة من صلة وغيرها ، وهذا ترجيح ليس بالقوي ، ولكنه حسن . انتهى ما ذكره . ويحتاج هذا الكلام إلى فكر ، ولعله نقص من النسخة شيء يتضح به هذا المعنى الذي أراده . و (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=29عن تراض ) صفة للتجارة ، أي : تجارة صادرة عن تراض .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=29إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ ) هَذَا اسْتِثْنَاءٌ مُنْقَطِعٌ لِوَجْهَيْنِ : أَحَدُهُمَا : أَنَّ التِّجَارَةَ لَمْ تَنْدَرِجْ فِي الْأَمْوَالِ الْمَأْكُولَةِ بِالْبَاطِلِ فَتُسْتَثْنَى مِنْهَا ، سَوَاءٌ أَفَسَّرْتَ قَوْلَهُ بِالْبَاطِلِ بِغَيْرِ عِوَضٍ كَمَا قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنُ عَبَّاسٍ ، أَمْ بِغَيْرِ طَرِيقٍ شَرْعِيٍّ كَمَا قَالَهُ غَيْرُهُ . وَالثَّانِي : أَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ إِنَّمَا وَقَعَ عَلَى الْكَوْنِ ، وَالْكَوْنُ مَعْنًى مِنَ الْمَعَانِي لَيْسَ مَالًا مِنَ الْأَمْوَالِ . وَمَنْ ذَهَبَ إِلَى أَنَّهُ اسْتِثْنَاءٌ مُتَّصِلٌ فَغَيْرُ مُصِيبٍ لِمَا ذَكَرْنَاهُ . وَهَذَا الِاسْتِثْنَاءُ الْمُنْقَطِعُ لَا يَدُلُّ عَلَى الْحَصْرِ فِي أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَكْلُ الْمَالِ إِلَّا بِالتِّجَارَةِ فَقَطْ ، بَلْ ذُكِرَ نَوْعٌ غَالِبٌ مِنْ أَكْلِ الْمَالِ بِهِ ، وَهُوَ التِّجَارَةُ ، إِذْ أَسْبَابُ الرِّزْقِ أَكْثَرُهَا مُتَعَلِّقٌ بِهَا .
وَفِي قَوْلِهِ : عَنْ تَرَاضٍ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّ مَا كَانَ عَلَى طَرِيقِ التِّجَارَةِ فَشَرْطُهُ التَّرَاضِي ، وَهُوَ مِنِ اثْنَيْنِ : الْبَاذِلِ لِلثَّمَنِ ، وَالْبَائِعِ لِلْعَيْنِ . وَلَمْ يُذْكَرْ فِي الْآيَةِ غَيْرُ التَّرَاضِي ، فَعَلَى هَذَا ظَاهِرُ الْآيَةِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَوْ بَاعَ مَا يُسَاوِي مِائَةً بِدِرْهَمٍ جَازَ إِذَا تَرَاضَيَا عَلَى ذَلِكَ ، وَسَوَاءٌ أَعَلِمَ مِقْدَارَ مَا يُسَاوِي أَمْ لَمْ يَعْلَمْ . وَقَالَتْ فِرْقَةٌ : إِذَا لَمْ يَعْلَمْ قَدْرَ الْغَبْنِ وَتَجَاوَزَ الثُّلُثَ ، رُدَّ الْبَيْعُ . وَظَاهِرُهَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ إِذَا تَعَاقَدَ بِالْكَلَامِ أَنَّهُ تَرَاضٍ مِنْهُمَا وَلَا خِيَارَ لَهُمَا ، وَإِنْ لَمْ يَتَفَرَّقَا . وَبِهِ قَالَ
أَبُو حَنِيفَةَ ، وَ
مَالِكٌ ، وَرُوِيَ نَحْوُهُ عَنْ
عُمَرَ . وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=16004الثَّوْرِيُّ ، وَ
اللَّيْثُ ، وَ
عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ الْحَسَنِ ،
nindex.php?page=showalam&ids=13790وَالشَّافِعِيُّ : إِذَا عَقَدَا فَهُمَا عَلَى الْخِيَارِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا ، وَاسْتَثْنَوْا صُوَرًا لَا يُشْتَرَطُ فِيهَا التَّفَرُّقُ ، وَاخْتَلَفُوا فِي التَّفَرُّقِ . فَقِيلَ : بِأَنْ يَتَوَارَى كُلٌّ مِنْهُمَا عَنْ صَاحِبِهِ . وَقَالَ
اللَّيْثُ : بِقِيَامِ كُلٍّ مِنْهُمَا مِنَ الْمَجْلِسِ . وَكُلُّ مَنْ أَوْجَبَ الْخِيَارَ يَقُولُ إِذَا خَيَّرَهُ فِي الْمَجْلِسِ فَاخْتَارَ ، فَقَدْ وَجَبَ الْبَيْعُ . وَرُوِيَ خِيَارُ الْمَجْلِسِ عَنْ
عُمَرَ أَيْضًا . وَأَطَالَ الْمُفَسِّرُونَ بِذِكْرِ الِاحْتِجَاجِ لِكُلٍّ مِنْ هَذِهِ الْمَذَاهِبِ ، وَمَوْضُوعُ ذَلِكَ كُتُبِ الْفِقْهِ .
وَالتِّجَارَةُ اسْمٌ يَقَعُ عَلَى عُقُودِ الْمُعَاوَضَاتِ ، الْمَقْصُودُ مِنْهَا طَلَبُ الْأَرْبَاحِ . وَأَنْ تَكُونَ فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ أَيْ : لَكِنَّ كَوْنَ تِجَارَةٍ عَنْ تَرَاضٍ غَيْرُ مَنْهِيٍّ عَنْهُ . وَقَرَأَ
الْكُوفِيُّونَ : تِجَارَةً بِالنَّصْبِ ، عَلَى أَنْ تَكُونَ نَاقِصَةً عَلَى تَقْدِيرِ مُضْمَرٍ فِيهَا يَعُودُ عَلَى الْأَمْوَالِ ، أَوْ يُفَسِّرُهُ التِّجَارَةُ ، وَالتَّقْدِيرُ : إِلَّا أَنْ تَكُونَ الْأَمْوَالُ تِجَارَةً ، أَوْ يَكُونَ التَّقْدِيرُ : إِلَّا أَنْ تَكُونَ التِّجَارَةُ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ . كَمَا قَالَ : إِذَا كَانَ يَوْمًا ذَا كَوْكَبٍ أَشْنَعَا . أَيْ إِذَا كَانَ هَوَايَ الْيَوْمَ يَوْمًا ذَا كَوْكَبٍ . وَاخْتَارَ قِرَاءَةَ
الْكُوفِيِّينَ أَبُو عُبَيْدٍ ، وَقَرَأَ بَاقِي السَّبْعَةِ : ( تِجَارَةٌ ) بِالرَّفْعِ ، عَلَى أَنَّ ( كَانَ ) تَامَّةٌ . وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=17141مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ : الْأَكْثَرُ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ أَنَّ قَوْلَهُمْ إِلَّا أَنْ تَكُونَ فِي الِاسْتِثْنَاءِ بِغَيْرِ ضَمِيرٍ فِيهَا عَلَى مَعْنَى يَحْدُثُ أَوْ يَقَعُ ، وَهَذَا مُخَالِفٌ لِاخْتِيَارِ
أَبِي عُبَيْدٍ . وَقَالَ
ابْنُ عَطِيَّةَ : تَمَامُ ( كَانَ ) يَتَرَجَّحُ عِنْدَ بَعْضٍ ؛ لِأَنَّهَا صِلَةٌ ، فَهِيَ مَحْطُوطَةٌ عَنْ دَرَجَتِهَا إِذَا كَانَتْ سَلِيمَةً مِنْ صِلَةٍ وَغَيْرِهَا ، وَهَذَا تَرْجِيحٌ لَيْسَ بِالْقَوِيِّ ، وَلَكِنَّهُ حَسَنٌ . انْتَهَى مَا ذَكَرَهُ . وَيَحْتَاجُ هَذَا الْكَلَامُ إِلَى فِكْرٍ ، وَلَعَلَّهُ نَقَصَ مِنَ النُّسْخَةِ شَيْءٌ يَتَّضِحُ بِهِ هَذَا الْمَعْنَى الَّذِي أَرَادَهُ . وَ (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=29عَنْ تَرَاضٍ ) صِفَةٌ لِلتِّجَارَةِ ، أَيْ : تِجَارَةٌ صَادِرَةٌ عَنْ تَرَاضٍ .