الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            الشرط الثاني ، أن يسمي عند إرسال الجارح ، فإن ترك التسمية عمدا أو سهوا ، لم يبح ، هذا تحقيق المذهب [ ص: 293 ] وهو قول الشعبي ، وأبي ثور وداود .

                                                                                                                                            ونقل حنبل ، عن أحمد ، إن نسي التسمية على الذبيحة والكلب ، أبيح . قال الخلال : سها حنبل في نقله ; فإن في أول مسألته ، إذا نسي وقتل ، لم يأكل . وممن أباح متروك التسمية في النسيان دون العمد أبو حنيفة ومالك ; لقول النبي صلى الله عليه وسلم : { عفي لأمتي عن الخطأ والنسيان } . ولأن إرسال الجارحة جرى مجرى التذكية ، فعفي عن النسيان فيه ، كالذكاة .

                                                                                                                                            وعن أحمد ، أن التسمية تشترط على إرسال الكلب في العمد والنسيان ، ولا يلزم ذلك في إرسال السهم ; إليه حقيقة ، وليس له اختيار ، فهو بمنزلة السكين ، بخلاف الحيوان ، فإنه يفعل باختياره . وقال الشافعي : يباح متروك التسمية عمدا أو سهوا ; لأن البراء روى ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { المسلم يذبح على اسم الله سمى أو لم يسم } . وعن أبي هريرة ، رضي الله عنه { أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل فقيل : أرأيت الرجل منا يذبح وينسى أن يسمي الله ؟ فقال : اسم الله في قلب كل مسلم } . وعن أحمد رواية أخرى مثل هذا .

                                                                                                                                            ولنا ، قوله تعالى : { ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه } . وقال { فكلوا مما أمسكن عليكم واذكروا اسم الله عليه } . وقال النبي { إذا أرسلت كلبك ، وسميت ، فكل . قلت أرسل كلبي فأجد معه كلبا آخر ؟ قال : لا تأكل ، فإنك إنما سميت على كلبك ، ولم تسم على الآخر } متفق عليه . وفي لفظ : " وإذا خالط كلابا لم يذكر اسم الله عليها ، فأمسكن وقتلن ، فلا تأكل " .

                                                                                                                                            وفي حديث أبي ثعلبة : { وما صدت بقوسك ، وذكرت اسم الله عليه ، فكل } . وهذه نصوص صحيحة لا يعرج على ما خالفها . وقوله : { عفي لأمتي عن الخطأ والنسيان } . يقتضي نفي الإثم ، لا جعل الشرط المعدوم كالموجود ، بدليل ما لو نسي شرط الصلاة .

                                                                                                                                            والفرق بين الصيد والذبيحة ، أن الذبح وقع في محله ، فجاز أن يتسامح فيه ، بخلاف الصيد . وأما أحاديث أصحاب الشافعي ، فلم يذكرها أصحاب السنن المشهورة ، وإن صحت فهي في الذبيحة ، ولا يصح قياس الصيد عليها ; لما ذكرنا ، مع ما في الصيد من النصوص الخاصة .

                                                                                                                                            إذا ثبت هذا ، فالتسمية المعتبرة قوله : " بسم الله " . لأن إطلاق التسمية ينصرف إلى ذلك ، وقد ثبت { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا ذبح قال : بسم الله ، والله أكبر } . وكان ابن عمر يقوله . ولا خلاف في أن قوله : " بسم الله " يجزئه . وإن قال : اللهم اغفر لي . لم يكف ; لأن ذلك طلب حاجة . وإن هلل ، أو سبح ، أو كبر ، أو حمد الله تعالى ، احتمل الإجزاء ; لأنه ذكر اسم الله تعالى على وجه التعظيم ، واحتمل المنع ; لأن إطلاق التسمية لا يتناوله .

                                                                                                                                            وإن ذكر اسم الله تعالى بغير العربية ، أجزأه وإن أحسن العربية ; لأن المقصود ذكر اسم الله ، وهو يحصل بجميع اللغات ، بخلاف التكبير في الصلاة ، فإن المقصود لفظه . وتعتبر التسمية عند الإرسال ; لأنه الفعل الموجود من المرسل ، فتعتبر التسمية عنده ، كما تعتبر عند الذبح من الذابح ، وعند إرسال السهم من الرامي . نص أحمد على هذا .

                                                                                                                                            ولا تشرع الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم مع التسمية في ذبح ولا صيد . وبه قال الليث . واختار أبو إسحاق بن شاقلا استحباب ذلك . وهو قول الشافعي ; لقوله صلى الله عليه وسلم : { من صلى علي مرة ، صلى الله عليه عشرا } .

                                                                                                                                            وجاء في تفسير قوله تعالى : { ورفعنا لك ذكرك } . لا أذكر إلا ذكرت معي . [ ص: 294 ] ولنا ، قوله عليه السلام " موطنان لا أذكر فيهما ; عند الذبيحة ، والعطاس " . رواه أبو محمد الخلال بإسناده ، ولأنه إذا ذكر غير الله تعالى أشبه المهل لغير الله .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية