الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                معلومات الكتاب

                                                                                                                                بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع

                                                                                                                                الكاساني - أبو بكر مسعود بن أحمد الكاساني

                                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                                ( وأما ) حكم الطلب فهو استقرار الحق فالشفيع إذا أتى بطلبين صحيحين استقر الحق على وجه لا يبطل بتأخير المطالبة بالأخذ بالشفعة أبدا حتى يسقطها بلسانه ، وهو قول أبي حنيفة وإحدى الروايتين عن أبي يوسف ، وفي رواية أخرى قال : إذا ترك المخاصمة إلى القاضي في زمان يقدر فيه على المخاصمة بطلت شفعته ، ولم يوقت فيه وقتا .

                                                                                                                                وروي عنه أنه قدره بما يراه القاضي ، وقال محمد وزفر رحمهما الله : إذا مضى شهر بعد الطلب ولم يطلب من غير عذر بطلت شفعته ، وهو رواية عن أبي يوسف أيضا .

                                                                                                                                ( وجه ) قول محمد وزفر أن حق الشفعة ثبت لدفع الضرر عن الشفيع ، ولا يجوز دفع الضرر عن الإنسان على وجه يتضمن الإضرار بغيره ، وفي إبقاء هذا الحق بعد تأخير الخصومة أبدا إضرار بالمشتري ; لأنه لا يبني ولا يغرس خوفا من النقض والقلع فيتضرر به فلا بد من التقدير بزمان لئلا يتضرر به ، فقدرنا بالشهر ; لأنه أدنى الآجال ، فإذا مضى شهر ولم يطلب من غير عذر فقد فرط في الطلب فتبطل شفعته .

                                                                                                                                ( وجه ) قول أبي حنيفة - عليه الرحمة - أن الحق للشفيع قد ثبت بالطلبين ، والأصل أن الحق متى ثبت لإنسان لا يبطل إلا بإبطال ولم يوجد ; لأن تأخير المطالبة منه لا يكون إبطالا كتأخير استيفاء القصاص وسائر الديون ، وقوله " يتضرر المشتري " ممنوع فإنه إذا علم أن للشفيع أن يأخذ بالشفعة فالظاهر أن يمتنع من البناء والغرس خوفا من النقض والقلع ، فلئن فعل فهو الذي أضر بنفسه فلا يضاف ذلك إلى الأخذ بالشفعة ; ولهذا لم يبطل حق الشفعة بغيبة الشفيع ولا يقال أن فيه ضررا بالمشتري بالامتناع من البناء والغرس لما قلنا ، كذا هذا .

                                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                                الخدمات العلمية