الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                                ولو قال : لله تعالى علي أن أنحر ولدي أو أذبح ولدي يصح نذره ويلزمه الهدي وهو نحر البدنة أو ذبح الشاة ، والأفضل هو الإبل ثم البقر ثم الشاة ، وإنما ينحر أو يذبح في أيام النحر سواء كان في الحرم أو لا ، وهذا استحسان وهو قول أبي حنيفة ومحمد رحمهما الله والقياس أن لا يصح نذره وهو قول أبي يوسف وزفر والشافعي رحمهم الله .

                                                                                                                                ( وجه ) القياس : أنه نذر بما هو معصية ، والنذر بالمعاصي غير صحيح ، ولهذا لم يصح بلفظ القتل .

                                                                                                                                ( وجه ) الاستحسان : قول النبي عليه الصلاة والسلام : { من نذر أن يطيع الله فليطعه ، } وقوله عليه الصلاة والسلام { من نذر وسمى فعليه الوفاء بما سمى } ، والمراد من الحديثين النذر بما هو طاعة مقصودة وقربة مقصودة ، وقد نذر بما هو طاعة مقصودة وقربة مقصودة ; لأنه نذر بذبح الولد تقديرا بما هو خلف عنه وهو ذبح الشاة ، فيصح النذر بذبح الولد على وجه يظهر أثر الوجوب في الشاة التي هي خلف عنه ، كالشيخ الفاني إذا نذر أن يصوم رجب أنه يصح نذره وتلزمه الفدية خلفا عن الصوم ، ودليل ما قلنا الحديث وضرب من المعقول .

                                                                                                                                ( أما ) الحديث فقول النبي عليه الصلاة والسلام : { أنا ابن الذبيحين } أراد أول آبائه من العرب وهو سيدنا إسماعيل عليه الصلاة والسلام وآخر آبائه حقيقة وهو عبد الله بن عبد المطلب ، سماهما عليه الصلاة والسلام ذبيحين ومعلوم أنهما ما كانا ذبيحين حقيقة فكانا ذبيحين تقديرا بطريق الخلافة لقيام الخلف مقام الأصل .

                                                                                                                                ( وأما ) المعقول فلأن المسلم إنما يقصد بنذره التقرب إلى الله تعالى ، إلا أنه عجز عن التقرب بذبح الولد تحقيقا ، فلم يكن ذلك مرادا من النذر ، وهو قادر على ذبحه تقديرا بذبح الخلف وهو ذبح الشاة فكان هذا نذرا بذبح الولد تقديرا بذبح ما هو خلف عنه حقيقة ، كالشيخ الفاني إذا نذر بالصوم وإنما لا يصح بلفظ القتل ; لأن التعيين بالنذر وقع للواجب على سيدنا إبراهيم عليه الصلاة والسلام والواجب هناك بالإيجاب المضاف إلى ذبح الولد بقوله - تعالى عز شأنه - : { إني أرى في المنام أني أذبحك } على أن هذا حكم ثبت استحسانا بالشرع ، والشرع إنما ورد بلفظ الذبح لا بلفظ القتل ، ولا يستقيم القياس ; لأن لفظ القتل لا يستعمل في تفويت الحياة على سبيل القربة ، والذبح يستعمل في ذلك .

                                                                                                                                ألا ترى أنه لو نذر بقتل شاة لا يلزمه ، ولو نذر بذبحها لزمه .

                                                                                                                                ولو نذر بنحر نفسه لم يذكر في ظاهر الروايات ، وذكر في نوادر هشام أنه على الاختلاف الذي ذكرنا ، ولو نذر بنحر ولد ولده ذكر في شرح الآثار أنه على الاختلاف .

                                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                                الخدمات العلمية