الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                معلومات الكتاب

                                                                                                                                بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع

                                                                                                                                الكاساني - أبو بكر مسعود بن أحمد الكاساني

                                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                                والثانية أن الكفارات كلها واجبة على التراخي هو الصحيح من مذهب أصحابنا في الأمر المطلق عن الوقت حتى لا يأثم بالتأخير عن أول أوقات الإمكان ويكون مؤديا لا قاضيا .

                                                                                                                                ومعنى الوجوب على التراخي هو أن يجب في جزء من عمره غير عين ، وإنما يتعين بتعيينه فعلا ، أو في آخر عمره ; بأن أخره إلى وقت يغلب على ظنه أنه لو لم يؤد فيه لفات ، فإذا أدى فقد أدى الواجب ، وإن لم يؤد حتى مات أثم لتضييق الوجوب عليه في آخر العمر ، وهل يؤخذ من تركته ؟ ينظر إن كان لم يوص لا يؤخذ ويسقط في حق أحكام الدنيا عندنا كالزكاة والنذر ، ولو تبرع عنه ورثته جاز عنه في الإطعام والكسوة ، وأطعموا في كفارة اليمين عشرة مساكين أو كسوتهم ، وفي كفارة الظهار والإفطار أطعموا ستين مسكينا ولا يجبرون عليه ، ولا يجوز أن يعتقوا عنه لأن التبرع بالإعتاق عن الغير لا يصح ، ولا أن يصوموا عنه لأنه عبادة بدنية محضة فلا تجري فيه النيابة .

                                                                                                                                وقد روي عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه قال { لا يصوم أحد عن أحد ، ولا يصلي أحد عن أحد } ، وإن كان أوصى بذلك يؤخذ من ثلث ماله فيطعم الوصي في كفارة اليمين عشرة مساكين أو كسوتهم أو تحرير رقبة لأنه لما أوصى فقد بقي ملكه في ثلث ماله ، وفي كفارة القتل والظهار والإفطار تحرير رقبة إن بلغ ثلث ماله قيمة الرقبة ، وإن لم يبلغ أطعم ستين مسكينا في كفارة الظهار والإفطار ، ولا يجب الصوم فيها وإن أوصى لأن الصوم نفسه لا يحتمل النيابة ، [ ص: 97 ] ولا يجوز الفداء عنه بالطعام لأنه في نفسه بدل والبدل لا يكون له بدل ، ولو أوصى أن يطعم عنه عشرة مساكين عن كفارة يمينه ثم مات فغدى الوصي عشرة ثم ماتوا يستأنف فيغدي ويعشي غيرهم لأنه لا سبيل إلى تفريق الغداء والعشاء على شخصين لما نذكر ، ولا يضمن الوصي شيئا لأنه غير متعد إذ لا صنع له في الموت ، ولو قال أطعموا عني عشرة مساكين غداء وعشاء ولم يسم كفارة فغدوا عشرة ثم ماتوا يعشوا عشرة غيرهم لأنه لم يأمر بذلك على وجه الكفارة ، ألا ترى أنه لم يسم كفارة فكان سببه النذر فجاز التفريق والله - تعالى عز شأنه - أعلم .

                                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                                الخدمات العلمية