الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 50 ] ( ولزم ) ( الكراء بالتمكن ) من التصرف في العين التي اكتراها من دابة أو دار أو أرض أو غير ذلك ، وإن لم يستعمل ، ثم محل لزومه بالتمكن ما لم يكن عدم استعماله خوفا على زرعه من أكل فأر ونحوه إبان الزرع لو زرع فلا يلزمه الكراء إن امتنع لذلك ، وبالغ على لزوم الكراء بالتمكن بقوله ( وإن فسد ) الزرع ( لجائحة ) لا دخل للأرض فيها كجراد وجليد وبرد وجيش وغاصب وعدم نبات حب بخلاف نحو الدود والعطش كما سيأتي بيانه ( أو غرق ) للأرض ( بعد ) فوات ( وقت الحرث ) واستمر حتى فات إبان ما يزرع فيها مطلقا لا ما حرثت له فقط فيلزم الكراء فأولى لو انكشفت قبل الإبان ، وأما لو غرقت قبله وانكشفت بعده فلا كراء ، وهو مفهوم قوله ، ولزم الكراء بالتمكن ( أو ) تعطل الزرع ( ل ) أجل ( عدمه ) أي المكتري ( بذرا ) لتمكنه من إيجارها لغيره ولذا لو عدم أهل المحل البذر لسقط عنه الكراء ، فقوله : أو عدمه معطوف على جائحة بتضمين فسد معنى تعطل ( أو سجنه ) بفتح السين ; لأن المراد به الفعل ، وأما بالكسر فالمكان الذي يسجن فيه فيلزمه الكراء سجن ظلما أو لا للعلة المتقدمة ، وهذا ما لم يقصد من سجنه تفويته الزرع ، وإلا فالكراء على من سجنه كما لو أكرهه على عدم زرعه ( أو انهدمت شرفات البيت ) فيلزم الكراء إلا أن ينقص ذلك من الكراء بدليل قوله لا إن نقص من قيمة الكراء ، وشرفات بضم الشين المعجمة مع ضم الراء أو فتحها [ ص: 51 ] أو سكونها جمع شرفة بضم فسكون فلو عمر بلا إذن كان متبرعا لا شيء له .

( أو سكن أجنبي بعضه ) فالكراء جميعه على المكترى ويرجع على الأجنبي بكراء المثل فيما سكنه ( لا إن نقص ) المنهدم كالشرفات ونحوها شيئا ( من قيمة الكراء ) فيحط عنه بقدره ( وإن قل ) كذهاب تبليطها أو تجصيصها ويلزم المكتري السكنى ، ولا خيار له ، ومحله ما لم يحصل بذلك ضرر بدليل قوله الآتي وخير في مضر إلخ ( أو ) ( انهدم بيت منها ) أي الدار ، وليس على المكتري فيه ضرر كثير فيحط عنه بقيمة ذلك ، وهذا من عطف الخاص على العام لشمول ما قبله له لكنه يمتنع بأو وأجيب بحمل ما قبله على ما لا يشمله ( أو سكنه ) أي البيت منها ( مكريه ) أو شغله بمتاعه أو لم يمكنه منه ( أو لم يأت ) مكريه ( بسلم للأعلى ) المحتاج للسلم ( أو عطش بعض الأرض ) في الإبان أو بعده ( أو غرق ) في الإبان واستمر حتى فات أي ، وليس وجه الصفقة ، وإلا انفسخ الكراء وغرق وعطش كفرح وقوله : ( فبحصته ) قيمة لا مساحة راجع للمسائل الست المخرجة بلا ، وهذا إذا أقام وخاصم ، وإلا لزمه الكراء ( وخير ) بين الفسخ والإبقاء ( في ) حدوث ( مضر ) ، ولو مع نقص منافع قل أو كثر ( كهطل ) أي تتابع مطر والمراد نزوله من السقف لخفته وكهدم أو خراب باذهنج ، وهدم ساتر أو بيت منها [ ص: 52 ] ( فإن بقي فالكراء ) جميعه لازم له .

التالي السابق


( قوله : ولزم الكراء ) أي لمن اكترى أرضا أو دابة أو دارا أو نحو ذلك فهذا أعم من قوله سابقا ويجب في مأمونة النيل إذا رويت وقوله : بالتمكن أي من المنفعة سواء استعمل أو عطل كما إذا بور الأرض ، والتمكن من منفعة أرض النيل بريها وانكشافها ، ومن منفعة أرض المطر باستغناء الزرع عن الماء ، هذا هو الظاهر في تقرير المصنف ، وليس مراده التمكن من التصرف كما في الشارح وعبق وخش ; لأنه قد كان متمكنا منه حين العقد ، قاله المسناوي . ا هـ . بن ( قوله : وإن لم يستعمل ) أي بأن عطل كما لو بور الأرض أو أغلق الدار ( قوله : ما لم يكن عدم استعماله خوفا على زرعه ) أي أو كان عدم استعماله لفتنة أو لخوف من لا تناله الأحكام ( قوله : فلا يلزمه الكراء ) أي لعدم تمكنه من المنفعة ( قوله : إن امتنع لذلك ) أي إذا ثبت وجود القرينة الدالة على أن امتناعه لذلك كما لو ثبت أنه ظهر في الأرض بعد انكشافها هو أو غيره مما هو دليل على كثرة الدود أو الفأر وامتنع من زرعها وادعى أنه إنما بورها خوفا من ذلك .

واعلم أنهما إذا تنازعا في التمكن وعدمه كان القول قول المكتري بيمين أنه لم يتمكن ، فإن أقر المكتري بالتمكن لكن ادعى أنه منعه مانع من التمكن فالقول للمكري وعلى المكتري إثبات المانع ; لأن الأصل عدمه ( قوله : وغاصب ) أي غصب الزرع أو غصب الأرض أو البهائم قبل زرعها وكان ممن تناله الأحكام ، وإلا فلا يلزم المكتري كراء ويكون ذلك مصيبة نزلت برب الأرض كما ذكره بن في باب الغصب ( قوله : بخلاف نحو الدود والعطش ) أي بخلاف الجائحة التي تنشأ من الأرض كالدود ونحوه مثل الفأر والعطش فإن هذه تارة تسقط الكراء وتارة تسقط بعضه كما سيأتي بيانه . واعلم أن محل لزوم الكراء مع فساد الزرع بالجائحة ما لم يحصل بعد الجائحة ما يسقط الكراء ، وإلا فلا كراء كما لو حصلت الجائحة السماوية مثلا ثم حصل دود أو فأر أو عطش بحيث لو كان الزرع باقيا لسقط الكراء قاله ابن رشد واللخمي .

( قوله : بعد فوات وقت الحرث ) سواء حصل الغرق بعد حرثها أو قبله وقوله : واستمر أي الغرق حتى فات إبان ما يزرع فيها أي بحيث صارت لا يمكن الانتفاع بها إذا انكشفت ، وإنما لزمه الكراء في هذه الحالة ; لأن ذلك الغرق بمنزلة الجراد .

( قوله : لو انكشفت قبل الإبان ) أي لو غرقت قبله وانكشفت قبله لأنه متمكن من التصرف فيها والانتفاع بها وكذا يقال فيما لو غرقت قبل الإبان وانكشفت فيه أو غرقت فيه وانكشفت فيه فيلزمه الكراء فيهما بالأولى مما ذكره المصنف لتمكنه من الانتفاع فيهما فتحصل أن الكراء يلزمه في هذه الصور الأربع صورة المصنف والثلاثة التي هي بالأولى منها ( قوله : أو لعدمه بذرا ) أي يبذره في الأرض ( قوله : لو عدم أهل المحل إلخ ) أي عدموه ملكا وتسلفا حتى من بلد مجاورة لهم حيث عرف تسلفهم منهم ، كذا يظهر . ا هـ عبق ( قوله : بتضمين ) أي ; لأنه لا يعقل فساد الزرع المقتضي لوجوده عند انعدام البذر ( قوله : لأن المراد به الفعل ) أي ، وهو وضعه في السجن وقوله : فالمكان أي ، وهو غير مراد هنا لعدم صحة المعنى ( قوله : للعلة المتقدمة ) أي ، وهي تمكنه من إيجارها لغيره ، وهذا ظاهر إذا كان الناس يدخلون له في السجن فإن لم يتمكن أحد من الدخول له فالظاهر سقوط الكراء لعدم تمكنه من المنفعة حينئذ ( قوله : ما لم يقصد إلخ ) أي ويعلم قصده بقرينة أو بقوله .

( قوله : أو انهدمت شرفات البيت ) : حاصل فقه [ ص: 51 ] المسألة أن الهدم في الدار المكتراة إما يسير ، وهو ثلاثة أقسام الأول ما لا مضرة فيه ، ولا ينقص شيئا من الكراء كالشرفات فهو كالعدم يلزمه السكنى من غير حط الثاني ما لا مضرة فيه لكن ينقص من الكراء كقلع البلاط وسقوط البياض ويلزم السكنى ويحط بقدره الثالث ما هو مضر كالهطل فيخير المكتري بين السكنى بجميع الكراء وبين الخروج ، وإما كثير ، وهو ثلاثة أقسام أيضا الأول أن يعيب السكنى ، ولا يبطل شيئا من منافع الدار كذهاب تحصينها فيخير المكتري كما تقدم الثاني أن يبطل بعض المنافع كانهدام بيت من ذات بيوت فيسكن ويحط عنه بقدره الثالث أن يبطل منافع أكثر الدار فيخير كما تقدم وقد استوفى المصنف هذه الأقسام الستة .

( قوله : جمع شرفة بضم فسكون ) أي كغرفة ، وفي الألفية :

والساكن العين الثلاثي اسما أنل إتباع عين فائه بما شكل وسكن التالي غير الفتح أو
خففه بالفتح فكلا قد رووا

( قوله : فلو عمر بلا إذن إلخ ) أي فلو عمر المكتري الشرفات بغير إذن المالك الذي هو المكري كان متبرعا بما أنفقه فلا شيء له قال ابن يونس ، وله أخذ نقصها إن كان ينتفع به .

( قوله : أو سكن أجنبي بعضه ) قال ابن عاشر يعني بإذن المكتري ، ولو ضمنا بأن سكت أو غصبا وكانت تناله الأحكام ، وإلا فلا يلزم المكتري جميع الكراء بل يحط عنه بقدر ما سكن الغاصب ، ولا منافاة بين قوله سابقا وبغصب الدار وغصب منفعتها من أنه لا يلزمه البقاء ، وله الخيار بين البقاء والفسخ وبين ما هنا من أنه ليس له الفسخ ويلزمه البقاء ; لأنه فيما تقدم غصب جميع الدار ، وهنا غصب بعضها فقط ( قوله : ولا خيار له ) أي في الفسخ والإبقاء وقوله : ومحله أي محل اللزوم وعدم الخيار ما لم يحصل بذلك ضرر إلخ قد يقال يحتمل جعل الواو في قوله ، وإن قل للحال ويكون معنى القليل ما لا ضرر فيه على المكتري وحينئذ فلا يكون هذا قيدا زائدا ( قوله : أو لم يأت بسلم للأعلى ) أي بخلاف البيع فلا يلزم البائع السلم قال في المنتخب عن ابن القاسم لو أبى صاحب المنزل فلم يجعل للعلو سلما ، ولم ينتفع به المكتري حتى انقضت السنة فإنه ينظر لما يصيب ذلك العلو من الكراء ويطرح عن المكتري ; لأنه باع منه جميع منافع الدار فعليه أن يسلمها وتسليمه للعلو هو بأن يجعل له سلما يرقى عليه إليه بخلاف ما لو باع له الدار وفيها علو لا يرقى إليه إلا بسلم فلا يكون عليه أن يجعل له سلما يرتقي عليه كما لا يلزمه أن يجعل له دلوا وحبلا يصل بهما لماء البئر لأن ما باعه إليه قد أسلمه إليه فهو إن شاء سكنه ، وإن شاء هدمه ، وإن شاء باعه ، ولا يمنعه من التصرف فيه بما شاء كونه بلا سلم . ا هـ . بن .

( قوله : في الإبان ) المراد بالإبان وقت الحرث الغالب في تلك البلدة لا نفس الأرض بانفرادها . وقوله : أو بعده أي بعد فوات الإبان ( قوله : أو غرق في الإبان ) أي لا بعده ، وإلا فعليه جميع الكراء كما تقدم والفرق بين الغرق والعطش أنه في العطش لم يتمكن من الانتفاع بالأرض إذ على المكري سقي أرضه بخلاف الغرق فإنه قد تمكن من حصول الانتفاع بها والغرق بعده مصيبة نزلت به .

( قوله : فبحصته ) أي فيحط عنه من الكراء بحصة ذلك وقوله : قيمة إلخ أي بحسب القيمة لا بحسب المساحة ( قوله : وإلا لزمه الكراء ) أي ما سمى من الأجرة بتمامه ( قوله : ولو مع نقص منافع ) أي هذا إذا كان ذلك المضر غير مصاحب لنقص شيء من المنافع كالهطل ، وما بعده ، ولو كان مصاحبا لنقص شيء من المنافع كهدم بيت من بيوت الدار خلافا لعبق حيث ذكر أن المضر المصاحب لإسقاط المنافع لا يوجب الخيار ويحط بقدره .

( قوله : قل أو كثر ) أي سواء كان ذلك المضر قليلا أو كثيرا ( قوله : باذهنج ) أي ، وهو ملقف الهواء ( قوله : وهدم ساتر ) أي ، وهدم ساتر الدار المحصن لها ( قوله : أو بيت منها ) أي أو هدم بيت منها والحال أن فيه ضررا كثيرا على الساكن ، وما مر من أن هدم البيت [ ص: 52 ] من الدار لا يوجب الخيار بل يوجب السكنى ويحط بقدره فمقيد كما قال الشارح بما إذا كان ليس فيه ضرر كثير على المكتري ( قوله : فإن بقي ) أي فإن اختار البقاء ، ولم يفسخ .

( قوله : فالكراء جميعه ) أي ، وليس له البقاء مع إسقاط حصة المضر من الكراء .




الخدمات العلمية