الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
( قال ) ولو قال لها اختاري اختاري اختاري فاختارت نفسها فقال الزوج نويت بالأولى الطلاق وبالأخريين أن أفهمها لم يصدق في القضاء وبانت بثلاث ; لأن الكلام الثاني والثالث إيجاب صحيح من حيث الظاهر والقاضي مأمور باتباع الظاهر ولكنه يدين فيما بينه وبين الله تعالى ; لأن الكلام الواحد قد يكرر للتأكد وتفهيم المخاطب ولو قال لها اختاري فقالت قد اخترت فلما قامت عن المجلس قالت عنيت نفسي لم تصدق في ذلك ; لأن الأمر خرج من يدها بالقيام عن المجلس فإنما أخبرت بما لا تملك إنشاءه وهذا يدل على أنها لو قالت قبل أن تقوم أردت نفسي أن ذلك يصح منها لبقائها في المجلس كما لو سكتت حتى الآن ثم قالت اخترت نفسي ولكنه قال في التعليل قد خرج الأمر من يدها حين تكلمت بذلك فهذا إشارة إلى أنها وإن قالت في المجلس أردت [ ص: 215 ] نفسي لا يقبل قولها وهذا هو الصحيح ; لأن اشتغالها بكلام مبهم دليل الإعراض والتهاون وإن قال لها اختاري نفسك فقالت قد اخترت فهذا جواب وهي طالق ; لأن جوابها بناء على خطاب الزوج فما تقدم في الخطاب يصير كالمعاد في الجواب فكأنها قالت اخترت نفسي وإذا خيرها بعد ذكر الطلاق فاختارت نفسها ثم قال لم أنو به الطلاق لم يصدق في القضاء وكذلك إن قال هذا في غضب وقد بينا هذا في فصول الكنايات وكما لا يصدقه القاضي فكذلك لا يسع المرأة أن تقيم معه إلا بنكاح مستقبل .

وإذا قال لها اختاري ثم طلقها واحدة بائنة بطل الخيار ; لأنها صارت مالكة أمر نفسها بما أوقع عليها وإنما كانت تختار أمر نفسها لهذا المقصود فلا يتحقق ذلك بعد ما ملكت أمر نفسها وكذلك لو قال أنت طالق واحدة بائنة إن شئت فقالت قد شئت سقط الخيار ; لأنها ملكت أمر نفسها ولو كان الطلاق رجعيا كان الخيار على حاله ; لأنها بهذا الطلاق لا تصير مالكة أمر نفسها وكذلك هذا في الأمر باليد وذكر في الأمالي أنه إذا قال لها اختاري إذا شئت أو أمرك بيدك إذا شئت ثم طلقها واحدة بائنة ثم تزوجها فاختارت نفسها أنها لا تطلق في قول أبي يوسف رحمه الله ; لأن الزوج أوقع بنفسه ما فوض إليها فيكون ذلك إخراجا للأمر من يدها وفي قول أبي حنيفة رحمه الله تطلق تطليقة بائنة ; لأن التفويض قد صح فلا يبطل بزوال الملك إلا أنها بعد زوال الملك كانت لا تتمكن من الاختيار لكونها مالكة أمر نفسها فإذا زال ذلك بالعقد فهي على خيارها وما قاله أبو يوسف رحمه الله ضعيف ; لأن الطلاق متعدد فلا يتعين ما أوقعه الزوج لما فوضه إليها كما لو قال لغيره بع قفيزا من هذه الصبرة ثم باع بنفسه قفيزا لا ينعزل الوكيل .

التالي السابق


الخدمات العلمية