الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                              ( ولو اختلط إناء منهما ) أي النقدين بأن أذيبا وصيغ منهما ( وجهل أكثرهما ) كأن كان وزنه ألفا وأحدهما ستمائة والآخر أربعمائة وجهل عينه ( زكى الأكثر ذهبا وفضة ) احتياطا إن كان لغير محجور وإلا تعين التمييز الآتي فيزكي ستمائة ذهبا وستمائة فضة وحينئذ يبرأ يقينا ولا يكفي تزكية كله ذهبا ؛ لأنه لا يجزئ عن الفضة كعكسه ( أو ميز ) بينهما بالنار ويحصل عند تساوي أجزائه بسبك أدنى جزء أو بالماء بأن يضع فيه ألفا ذهبا ويعلم ارتفاعه ثم ألفا فضة ويعلمه وهو أزيد ارتفاعا من الأول ثم يضع المختلط فإلى أيهما كان ارتفاعه أقرب فهو الأكثر ويأتي هذا في مختلط جهل وزنه بالكلية ؛ لأن علامته بين علامتي الخالص فإن استوت نسبته إليهما كأن يكون ارتفاع الفضة أصبعا والذهب ثلثي أصبع والمختلط خمسة أسداس أصبع فهو نصفان وإن زاد على علامة الذهب بشعيرتين ونقص عن علامة الفضة بشعيرة فثلثاه فضة وثلثه ذهب وبأن يضع فيه ستمائة فضة وأربعمائة ذهبا ويعلم ارتفاعهما [ ص: 270 ] ثم يعكس ثم يضع المشتبه ويلحق بما وصل إليه وإنما لم يجعلوا الماء معيارا في الربا ؛ لأنه أضيق ولذا جعلوه معيارا في السلم وليس له الاعتماد على غلبة ظنه من غير تمييز لتعلق حق الغير به فلم يقبل ظنه فيه ومؤنة السبك على المالك ولو فقد آلة السبك أو احتاج فيه لزمن طويل أجبر على تزكية الأكثر من كل منهما ولا يعذر في التأخير إلى التمكن ؛ لأن الزكاة ` فورية كذا نقله الرافعي عن الإمام وتوقف فيه فقال ولا يبعد أن يجعل السبك أو ما في معناه من شروط الإمكان

                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                              حاشية ابن قاسم

                                                                                                                              ( قوله ويحصل عند تساوي أجزائه ) المراد كما هو ظاهر بتساوي أجزائه أن يكون ما في جزء كل منه من كل منهما مساو في القدر لما في الجزء الآخر منه .

                                                                                                                              ( قوله جهل وزنه بالكلية ) إن كان المراد بجهل وزنه بالكلية أنه لم يعلم أن ما فيه من الذهب والفضة متساويان أو متفاوتان مع العلم بأن الجملة ألف فواضح وإن كان المراد الجهل بالجملة أيضا فهو مشكل إذ لا يتجه حينئذ كون الموضوع من خالص كل ألفا إذ لم تعلم مناسبة ذلك لقدر الإناء ولا يتجه أيضا الجزم بأن علامة المخلوط بين العلامتين إذ قد يكون فيه من الفضة ما يوجب زيادة علامته على العلامتين أو نقصها عنهما ( قوله فهو نصفان ) لم يبين أنه نصفان باعتبار الوزن أو باعتبار الحجم فليحرر من شرح البهجة وما بهامش نسختنا منه ( قوله وإن نقص عن علامة الذهب بشعيرتين إلخ ) في هذا التعبير نظر ؛ لأن المفهوم من النقص عن علامة الذهب أنه لم يصل إليها وذلك متعذر ؛ لأن بعضه فضة فيلزم أن يجاوزها ؛ لأن الفضة أكبر جرما من الذهب فالمختلط منها ومن الذهب أكبر جرما من خالص الذهب قطعا ولذلك قال ؛ لأن علامته بين علامتي الخالص وعبارة شرح الروض وغيره وإن كان بينه وبين علامة الذهب شعيرتان إلخ ولا غبار عليها .

                                                                                                                              ( قوله فثلثاه فضة وثلثه ذهب ) [ ص: 270 ] قال في شرح الروض أو بالعكس فبالعكس ا هـ .

                                                                                                                              ( قوله ثم يعكس ) قد يقال لا حاجة إلى العكس بل لو اقتصر على وضع ستمائة فضة وأربعمائة ذهبا وعلم ثم وضع المشتبه فإن وصل إلى علامة ذلك علم أن الأكثر الفضة وإلا علم أن الأكثر الذهب ويجاب بأن الإجزاء تنضمر مع الصوغ وينمزج بعضها مع بعض بخلاف الدراهم بدون الصوغ فقد يزيد محلها فإذا لم يعكس ولم يصل المختلط لعلامة ما وضع لا يلزم أن يكون الأكثر من الإجزاء لجواز أن لا يصل لواحدة من العلامتين وحينئذ فالاعتبار بما علامته أقرب إلى علامته فيكون أكثره هو الأكثر مما قرب لعلامته وأيضا فقد يكون ما أخذه الموضوع أولا من الماء سببا لعدم وصوله لعلامة الآخر فلا بد حينئذ من النظر لما هو أقرب إليه .

                                                                                                                              فمجرد عدم وصوله لعلامة الأول لا يقتضي أنه يصل لعلامة الآخر وإن أكثره من جنس أكثر الآخر فليتأمل ( قوله وإنما لم يجعل الماء معيارا في الربا ) أي كأن يكتفوا في المماثلة بأن يغوص الموضوع فيه أحد العوضين في الماء قدر ما يغوص الموضوع فيه الآخر ويكون هذا قائما مقام الوزن ( قوله فقال ولا يبعد إلخ ) قال في شرح العباب وأجيب بأن السبك يمكن تقديمه على وقت [ ص: 271 ] الوجوب فلم يحسب زمنه من شروط الإمكان كما أن وضوء الرفاهية لما أمكن تقديمه على الوقت لم يجعل زمن فعله شرطا في اللزوم بل اعتبر فيه مضي زمن يسع فعل تلك الصلاة فقط ا هـ



                                                                                                                              حاشية الشرواني

                                                                                                                              ( قوله أي النقدين ) إلى قول المتن ويزكي في المغني إلا قوله وإنما لم يجعلوا إلى وليس وكذا في النهاية إلا قوله ومؤنة السبك على المالك ( قوله وجهل عينه ) أي عين الأكثر وهو الستمائة قول المتن ( زكى الأكثر ) ( فرع )

                                                                                                                              لو ملك نصابا نصفه بيده وباقيه مغصوب أو دين مؤجل زكى الذي بيده في الحال ؛ لأن الإمكان أي إمكان الأداء شرط للضمان لا الوجوب أي وجوب الأداء ولأن الميسور لا يسقط بالمعسور إيعاب وأسنى ونهاية ومغني قال ع ش أي وأما المغصوب والدين فإن سهل استخلاصه لكونه حالا على مليء باذل وجب زكاته فورا أيضا وإلا فعند رجوعه إلى يده ولو بعد مدة طويلة كما يأتي ا هـ .

                                                                                                                              ( قوله ذهبا وفضة ) أي مقدار كون الأكثر ذهبا وكونه فضة عبارة المغني وشرحي المنهج والروض والنهاية زكى كلا منهما بفرضه الأكثر ا هـ .

                                                                                                                              ( قوله فيزكي إلخ ) تفريع على ما في المتن ( قوله ويحصل ) أي التمييز بالنار .

                                                                                                                              ( قوله عند تساوي أجزائه ) أي بأن يكون ما في كل جزء منهما قدر ما في غيره من ذلك سم و ع ش ( قوله أو بالماء ) عطف على بالنار ( قوله بأن يضع إلخ ) أي بأن يضع ماء في قصعة مثلا ثم يضع فيه ألفا إلخ مغني ( قوله ثم ألفا فضة إلخ ) أي ثم يخرج الألف ذهبا ثم يضع فيه ألفا إلخ مغني ( قوله وهو أزيد ارتفاعا إلخ ) أي ؛ لأن الفضة أكثر حجما من الذهب نهاية ومغني وأسنى ( قوله ثم يضع المختلط إلخ ) ولا شك أنه يكتفي بوضع المخلوط أولا ووسطا أيضا أسنى ونهاية ومغني ( قوله ويأتي هذا في مختلط إلخ ) وكذا يأتي في مغشوشة بنحو نحاس لم يعلم هل خالصها مائتان وغشها مائة أو بالعكس شيخنا .

                                                                                                                              ( قوله جهل وزنه بالكلية ) إن كان المراد بذلك أنه لم يعلم أن ما فيه من الذهب والفضة متساويان ومتفاوتان مع العلم بأن الجملة ألف فواضح وإن كان المراد الجهل بالجملة أيضا فهو مشكل سم ( قوله كأن يكون ارتفاع الفضة أصبعا إلخ ) أي فالفضة الموازنة للذهب يكون حجمها مقدار حجمه مرة ونصفا رشيدي ( قوله فهو نصفان ) باعتبار الوزن أو باعتبار الحجم فليحرر من شرح البهجة وما بهامش نسختنا منه سم ويأتي آنفا ما يتبين به أن المراد الثاني ( قوله فثلثاه فضة إلخ ) أي أو بالعكس فبالعكس أسنى ونهاية ومغني .

                                                                                                                              ( قوله وبأن يضع إلخ ) أي بأن يضع في الماء قدر المخلوط منهما معا مرتين في أحدهما الأكثر ذهبا والأقل فضة وفي الثانية بالعكس ويعلم في كل منهما علامة ثم يضع المخلوط فيلحق بما وصل إليه قال الإسنوي ونقل في الكفاية عن الإمام وغيره طريقا آخر يأتي أيضا مع الجهل بمقدار كل منهما وهو أن يضع المختلط وهو ألف مثلا في ماء ويعلم كما مر ثم يخرجه ثم يضع فيه من الذهب شيئا بعد شيء حتى يرتفع لتلك العلامة ثم يخرجه ثم يضع فيه من الفضة كذلك حتى يرتفع لتلك العلامة ويعتبر وزن كل منهما فإن كان الذهب ألفا ومائتين والفضة ثمانمائة علمنا أن نصف المختلط ذهب ونصفه فضة بهذه النسبة ا هـ .

                                                                                                                              والمراد أنهما نصفان في الحجم لا في الوزن فيكون زنة الذهب ستمائة وزنة الفضة أربعمائة ؛ لأن المختلط من الذهب والفضة إنما يكون ألفا بالنسبة المذكورة إذا كان كذلك وبيانه بها أنك إذا جعلت كلا [ ص: 270 ] منهما أربعمائة وزدت على الذهب منه بقدر نصف الفضة وهو مائتان كان المجموع ألفا نهاية وعباب قال ع ش قوله م ر فيكون زنة الذهب ستمائة إلخ إيضاح ذلك أنه قد علم بالنسبة المذكورة أن حجم الواحد من الفضة كحجم واحد ونصف من الذهب فحجم جملة الفضة كحجم قدرها ونصف قدرها من الذهب فإذا كان الإناء ألفا وجب أن يكون فيه من الذهب مقدار الفضة ومقدار نصفها ولا يتصور ذلك مع كون الجملة ألفا إلا إذا كان فيه ستمائة ذهبا وأربعمائة فضة سم على البهجة وقوله م ر وبيانه بها إلخ وهذه الطرق كلها إذا وجد الإناء أما إذا فقد فيقوي اعتبار ظنه ويعضده التخمين في مسألة المذي والودي ا هـ دميري

                                                                                                                              . وسيأتي في كلام الشارح م ر ما يخالفه أي من أنه إذا علم إصابتهما لثوبه وجهل محله وجب غسل الجميع ع ش عبارة الرشيدي قوله م ر فإن كان الذهب ألفا ومائتين والفضة ثمانمائة علمنا إلخ يعلم منه أن الفضة الموازنة للذهب يكون حجمها مقدار حجمه مرة ونصفا وسيأتي التصريح به لكن في كلام ابن الهائم أن جوهر الذهب كجوهر الفضة وثلاثة أسباعها ومن ثم كان المثقال درهما وثلاثة أسباع درهم والدرهم سبعة أعشار المثقال ا هـ .

                                                                                                                              ( قوله ويلحق بما وصل إليه ) أي وإذا لم يصل لواحدة من العلامتين فإن الأجزاء تنضمر مع الصوغ وينمزج بعضها مع بعض فالاعتبار بما علامته أقرب إلى علامته فيكون أكثره هو الأكثر مما قرب لعلامته سم .

                                                                                                                              ( قوله وإنما لم يجعلوا الماء معيارا في الربا ) أي كأن يكتفوا في المماثلة بأن يغوص الموضوع فيه أحد العوضين في الماء قدر ما يغوص الموضوع فيه الآخر فيه ويكون هذا قائما مقام الوزن سم ( قوله : لأنه أضيق ) أي ؛ لأن المدار ثم على حقيقة المماثلة والوزن بالماء لا يفيدها إذ غاية ما يفيده الظن وهنا على ظن الأكثر بدليل والوزن بالماء على الكيفية المذكورة يفيده إيعاب ( قوله في السلم ) عبارته في الإيعاب في قضاء الديون كالخرص في المكيلات ا هـ .

                                                                                                                              ( قوله وليس له إلخ ) أي ولا يعتمد المالك في معرفة الأكثر غلبة الظن ولو تولى إخراجها بنفسه ويصدق فيه إن أخبر عن علم نهاية ومغني وشرح الروض .

                                                                                                                              ( قوله فلم يقبل ظنه فيه ) محل ذلك حيث كان المختلط باقيا فإن فقد عمل بغلبة الظن على ما مر عن الدميري ع ش ( قوله ولو فقد إلخ ) عبارة النهاية والمغني وإذا تعذر الامتحان وعسر التمييز بأن يفقد آلة السبك إلخ ا هـ .

                                                                                                                              ( قوله ولو فقد آلة السبك إلخ ) أي أو لم يجد سباكا لا بأكثر من أجرة المثل كما هو ظاهر أخذا من نظائره إيعاب ( قوله أو احتاج فيه لزمن طويل ) أي عرفا ويحتمل أنه ما زاد على ثلاثة أيام إيعاب ( قوله كذا نقله إلخ ) أي قوله ولو فقد إلخ نهاية ( قوله وتوقف إلخ ) أي الرافعي ( قوله ولا يبعد أن يجعل السبك إلخ ) معتمد ع ش




                                                                                                                              الخدمات العلمية