الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      وإذا قيل لهم تعالوا يستغفر لكم رسول الله لووا رءوسهم ورأيتهم يصدون وهم مستكبرون

                                                                                                                                                                                                                                      5 - وإذا قيل لهم تعالوا يستغفر لكم رسول الله لووا رءوسهم ؛ عطفوها؛ وأمالوها؛ إعراضا عن ذلك؛ واستكبارا؛ "لووا"؛ بالتخفيف؛ نافع؛ ورأيتهم يصدون وهم مستكبرون ؛ عن الاعتذار؛ والاستغفار؛ روي أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حين لقي بني المصطلق؛ على المريسيع؛ وهو ماء لهم؛ وهزمهم؛ ازدحم على الماء جهجاه بن سعيد؛ أجير لعمر؛ وسنان الجهني؛ حليف لابن أبي؛ واقتتلا؛ فصرخ جهجاه : "يا للمهاجرين"؛ وسنان: "يا للأنصار"؛ فأعان جهجاها جعال؛ من فقراء المهاجرين؛ ولطم سنان؛ فقال عبد الله لجعال : وأنت هناك! وقال: ما صحبنا محمدا إلا لنلطم؛ والله ما مثلنا ومثلهم إلا كما قال: "سمن كلبك يأكلك"؛ وأما والله لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل؛ عنى بالأعز نفسه؛ وبالأذل رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؛ ثم قال لقومه: والله لو أمسكتم عن جعال وذويه فضل الطعام؛ لم يركبوا رقابكم؛ فلا تنفقوا عليهم حتى ينفضوا من حول محمد؛ فسمع بذلك زيد بن أرقم؛ وهو حدث؛ فقال: أنت والله الذليل؛ القليل؛ المبغض في قومك؛ ومحمد على رأسه تاج المعراج في عز من الرحمن؛ وقوة من المسلمين؛ فقال عبد الله : اسكت؛ فإنما كنت ألعب؛ فأخبر زيد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؛ فقال عمر - رضي الله عنه -: دعني أضرب عنق هذا المنافق يا رسول الله؛ فقال: "إذن ترعد آنف كثيرة بيثرب"؛ قال: فإن كرهت أن يقتله مهاجري فأمر به أنصاريا؛ قال: "فكيف إذا تحدث الناس أن محمدا يقتل أصحابه"؛ وقال - صلى الله عليه وسلم - لعبد الله: "أنت صاحب الكلام الذي بلغني؟"؛ قال: والله الذي أنزل عليك الكتاب ما قلت شيئا من ذلك؛ وإن زيدا لكاذب؛ فهو قوله: اتخذوا أيمانهم جنة فقال الحاضرون: يا رسول الله؛ شيخنا وكبيرنا؛ لا تصدق عليه كلام غلام؛ عسى أن يكون قد وهم؛ فلما نزلت قال [ ص: 487 ] رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لزيد: "يا غلام إن الله قد صدقك وكذب المنافقين"؛ فلما بان كذب عبد الله قيل له: نزلت فيك آي شداد؛ فاذهب إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يستغفر لك؛ فلوى رأسه؛ فقال: أمرتموني أن أؤمن فآمنت؛ وأمرتموني أن أزكي مالي فزكيت؛ وما بقي لي إلا أن أسجد لمحمد؛ فنزل: " وإذا قيل لهم تعالوا يستغفر لكم رسول الله "؛ ولم يلبث إلا أياما حتى اشتكى ومات .

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية