الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
( ثم يقول : سبحانك اللهم وبحمدك إلى آخره ) وعن أبي يوسف رحمه الله أنه يضم إليه قوله : إني وجهت وجهي إلى آخره ، لرواية علي رضي الله عنه أن النبي عليه الصلاة والسلام كان يقول ذلك .

[ ص: 289 ] ولهما رواية أنس رضي الله عنه { أن النبي عليه الصلاة والسلام كان إذا افتتح الصلاة كبر وقرأ : سبحانك اللهم وبحمدك إلى آخره } ولم يزد على هذا ، وما رواه محمول [ ص: 290 ] على التهجد .

وقوله وجل ثناؤك لم يذكر في المشاهير فلا يأتي به في الفرائض .

والأولى أن لا يأتي بالتوجه قبل التكبير لتتصل به النية هو الصحيح

التالي السابق


( قوله أنه يضم إليه { وجهت وجهي } ) وهو مخير في البداءة بأيهما شاء ( قوله لرواية علي أنه عليه الصلاة والسلام كان يقول ذلك ) إذا كان المراد أنه كان يجمع بينهما تم الاستدلال وإن كان المراد أنه كان يقول التوجيه لم يتم لأنه أعم من إفراده وضمه فيجوز كونه كان يفتتح أحيانا بهذه وأحيانا بذاك فلا يفيد سنية الجمع .

والثابت في حديث طويل في مسلم ما ظاهره الإفراد نسوقه تشريفا لهذا التأليف ، وإعانة على حفظ ألفاظ السنة ليتبرك بها في النوافل من القيام وغيره { أنه عليه الصلاة والسلام كان إذا قام إلى الصلاة قال : وجهت وجهي للذي فطر السماوات والأرض حنيفا وما أنا من المشركين ، إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين ، لا شريك له وبذلك أمرت وأنا من المسلمين ، اللهم أنت الملك لا إله إلا أنت ، أنت ربي وأنا عبدك ، ظلمت نفسي واعترفت بذنبي فاغفر لي ذنوبي جميعا لا يغفر الذنوب إلا أنت ، واهدني لأحسن الأخلاق لا يهدي لأحسنها إلا أنت ، واصرف عني سيئها لا يصرف عني سيئها إلا أنت ، لبيك وسعديك والخير كله في يديك والشر ليس إليك ، أنا بك وإليك ، تباركت وتعاليت ، أستغفرك وأتوب إليك ، وإذا ركع قال : اللهم لك ركعت وبك آمنت ولك أسلمت ، خشع لك سمعي وبصري ومخي وعظمي وعصبي . وإذا رفع قال [ ص: 289 ] اللهم ربنا لك الحمد ملء السماوات والأرض وما بينهما ، وملء ما شئت من شيء بعد . وإذا سجد قال : اللهم لك سجدت وبك آمنت ولك أسلمت ، سجد وجهي للذي خلقه وصوره وشق سمعه وبصره تبارك الله أحسن الخالقين } .

ثم يكون آخر ما يقول بين التشهد والتسليم : { اللهم اغفر لي ما قدمت وما أخرت ، وما أسررت وما أعلنت وما أسرفت ، وما أنت أعلم به مني } .

فكان الأولى أن يقول لرواية جابر عنه صلى الله عليه وسلم { إنه كان إذا استفتح الصلاة قال : سبحانك اللهم وبحمدك ، وتبارك اسمك وتعالى جدك ولا إله غيرك . وجهت وجهي إلى الله رب العالمين } أخرجه البيهقي كذلك ( قوله ولهما رواية أنس ) روى البيهقي عن أنس وعائشة وأبي سعيد الخدري وجابر وعمر وابن مسعود رضي الله عنهم الاستفتاح : سبحانك اللهم وبحمدك إلى آخره ، مرفوعا إلا عمر وابن مسعود فإنه وقفه على عمر ، ورفعه الدارقطني عن عمر ثم قال : المحفوظ عن عمر من قوله ، وفي صحيح مسلم عن عبدة وهو ابن أبي لبابة أن عمر بن الخطاب كان يجهر بهؤلاء الكلمات . ورواه أبو داود والترمذي عن عائشة رضي الله عنها وضعفاه . ورواه الدارقطني عن عثمان رضي الله عنه من قوله . ورواه سعيد بن منصور عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه من قوله .

وفي أبي داود عن أبي سعيد { كان صلى الله عليه وسلم إذا قام من الليل كبر ثم يقول : سبحانك اللهم وبحمدك ثلاثا ، تبارك اسمك وتعالى جدك ولا إله غيرك ، ثم يقول لا إله إلا الله ثلاثا ، ثم يقول الله أكبر كبيرا ثلاثا ، أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم من همزه ونفخه ونفثه ، ثم يقرأ } وأخرجه الترمذي والنسائي وابن ماجه . قال الترمذي : وحديث أبي سعيد أشهر حديث في هذا الباب ، وقال أيضا : وقد تكلم في إسناد حديث أبي سعيد : كان يحيى بن سعيد يتكلم في علي بن علي . وقال أحمد : لا يصح هذا الحديث ا هـ . وعلي بن علي بن نجد بن رفاعة وثقه وكيع وابن معين وأبو زرعة وكفى بهم ، ولما ثبت من فعل الصحابة كعمر رضي الله عنه وغيره { الافتتاح بعده عليه الصلاة والسلام بسبحانك اللهم } مع الجهر به لقصد تعليم الناس ليقتدوا ويأنسوا كان دليلا على أنه الذي كان عليه صلى الله عليه وسلم آخر الأمر أو أنه كان الأكثر من فعله وإن كان رفع غيره أقوى على طريق المحدثين ، ألا يرى أنه روي في الصحيحين من حديث أبي هريرة { أنه صلى الله عليه وسلم كان يسكت هنيهة قبل القراءة بعد التكبير فقلت : بأبي أنت وأمي يا رسول الله ، رأيت سكوتك بين التكبير والقراءة ما تقول ؟ قال أقول : اللهم باعد بيني وبين خطاياي كما باعدت بين المشرق والمغرب . اللهم نقني من خطاياي كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس ، اللهم اغسلني من خطاياي بالثلج والماء والبرد } وهو أصح من الكل لأنه متفق عليه ، ومع هذا لم يقل بسنيته عينا أحد من الأربعة .

والحاصل أن غير المرفوع أو المرفوع المرجوح في الثبوت عن مرفوع آخر قد يقدم على عديله إذا اقترن بقرائن تفيد أنه صحيح عنه عليه الصلاة والسلام مستمر عليه ( قوله وما رواه محمول ) يؤيد الحمل المذكور ما ثبت في صحيح أبي عوانة والنسائي { أنه عليه الصلاة والسلام كان إذا قام يصلي تطوعا قال : الله أكبر ، وجهت وجهي } إلى آخره ، فيكون مفسرا لما [ ص: 290 ] في غيره ، بخلاف سبحانك اللهم فإن ما ذكرناه يبين أنه المستقر عليه في الفرائض ( قوله على التهجد ) المراد النوافل تهجدا وغيره بدليل ما ذكرناه آنفا ، ثم إذا قاله يقول وأنا من المسلمين ، ولو قال أول المسلمين قيل تفسد للكذب ، وقيل لا وهو الأولى لأنه تال لا مخبر ( قوله لم يذكر من المشاهير ) وإن كان روي في الجملة عن ابن عباس في حديث طويل من قوله ذكره ابن أبي شيبة وابن مردويه في كتاب الدعاء له ، ورواه الحافظ أبو شجاع في كتاب الفردوس عن ابن مسعود رضي الله عنه " إن من أحب الكلام إلى الله عز وجل أن يقول العبد : سبحانك اللهم وبحمدك ، وتبارك اسمك وتعالى جدك ، وجل ثناؤك ولا إله غيرك ، وأبغض الكلام إلى الله أن يقول الرجل للرجل : اتق الله فيقول عليك نفسك " ( قوله هو الصحيح ) احتراز عما قيل يأتي به لأنه أبلغ في النية وعمل بالإخبار ، وقيل لا كما قال المصنف ليتصل به : أي بالتكبير النية ، إذ الأولى في النية قرانها بالتكبير وقراءته توجب فصلها ، إلا أن هذا ينتفي في حق من استصحبها في قراءة ذلك




الخدمات العلمية