الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
قال ( يخرج ذلك عن نفسه ) لحديث ابن عمر رضي الله عنهما قال { فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر على الذكر والأنثى } الحديث ( و ) يخرج عن ( أولاده الصغار ) لأن السبب رأس يمونه ويلي عليه لأنها تضاف إليه يقال زكاة الرأس ، وهي أمارة السببية ، [ ص: 285 ] والإضافة إلى الفطر باعتبار أنه وقته ، ولهذا تتعدد بتعدد الرأس مع اتحاد اليوم ، والأصل في الوجوب رأسه وهو يمونه ويلي عليه فيلحق به ما هو في معناه كأولاده الصغار لأنه يمونهم ويلي عليهم ( ومماليكه ) لقيام الولاية والمؤنة ، وهذا إذا كانوا للخدمة ولا مال للصغار ، فإن كان لهم مال يؤدي من مالهم عند أبي حنيفة وأبي يوسف رحمهما الله تعالى خلافا لمحمد رحمه الله لأن الشرع أجراه مجرى المؤنة فأشبه النفقة .

التالي السابق


( قوله والسبب رأس يمونه ويلي عليه ) المفيد لسببية الرأس المذكور لفظ " عن " في قوله { عن كل حر وعبد صغير أو كبير ذكر أو أنثى } وكذا لفظ " على " بعد ما قامت الدلالة على أن المراد به معنى عن استفدنا منه أن هذه الصدقة تجب على الإنسان بسبب هؤلاء ، والقطع من جهة الشرع أنه لا يجب عمن لم يكن من هؤلاء في مؤنته وولايته ، فإنه لا يجب على الإنسان بسبب عبد غيره وولده ، وفي رواية الدارقطني حديث ابن عمر قال في آخره { ممن تمونون } ولو مان صغيرا لله تعالى لا لولاية شرعية له عليه لم يجب أن يخرج عنه إجماعا فلزم أنهم السبب إذا كانوا بذلك الوصف ، والمصنف استدل عليه بالإضافة في قولهم زكاة الرأس وتمامه موقوف على كون هذا التركيب مسموعا من صاحب الشرع ; لأن السببية لا تثبت إلا بوضعه أو من أهل الإجماع ، وبما ذكر في ضمن تأويل الإضافة في قولهم : زكاة الرأس أو صدقة الفطر بأنها إلى الشرط لما أوجبه من تعدد الواجب عند اتحاد اليوم وتعدد الرأس ، فإنه يقتضي اعتبار الشارع السببية للرأس ، وأورد عليه أنه معارض بتعدد الواجب مع اتحاد الرأس وتعدد الوقت باعتبار تكرر السنين ، فلو كان السبب الرأس لم يتكرر عند تكررها ، كالحج لما اتحد سببه وهو البيت لم يتكرر بتكرر السنين . وأجيب بمنعه وإسناده بتكرر الواجب مع اتحاد السبب وتكرر الوقت في الزكاة ، فإن السبب فيها المال .

والجواب : أن المال لم يعتبر سببا إلا باعتبار النماء ولو تقديرا ، والنماء متكرر نظرا إلى [ ص: 285 ] دليله وهو الحول ، فكان السبب وهو المال النامي متكررا لأنه بنماء هذا الحول غيره بالنماء الآخر في الحول الآخر ، بل الحق في الجواب أن المدعي أن تضاعف الواجب في وقت واحد عند تعدد شيء دليل سببية المتعدد ، وأين هو من التكرر في أوقات متكررة فالثابت هناك واجب واحد في الوقت الواحد مع الشيء الواحد ، فأنى يكون هذا نقضا محوجا للجواب ؟ ثم بعد ذلك إثبات سببية شيء لهذا مثل الاستدلال بالدوران على علية شيء بلا فرق ، وهو غير مرضي عندنا في مسالك العلة .

فكذا يجب أن يكون هنا إذ لا فرق ، فالمعول عليه في إثبات السببية حينئذ ما سلكناه من إفادة السمع ، ثم إعطاء الضابط بأنه رأس يمونه ويلي عليه ، يلزم عليه تخلف الحكم عن السبب في الجد إذا كانت نوافله صغارا في عياله ، فإنه لا يجب عليه الإخراج عنهم في ظاهر الرواية ، ودفعه بادعاء انتفاء جزء السبب بسبب أن ولاية الجد منتقلة من الأب إليه ، فكانت كولاية الوصي غير قوي إذ الوصي لا يمونه إلا من ماله إذا كان له مال ، بخلاف الجد إذا لم يكن للصبي مال فكان كالأب فلم يبق إلا مجرد انتقال الولاية ولا أثر له كمشتري العبد ، ولا مخلص إلا بترجيح رواية الحسن ، أن على الجد صدقة فطرهم .

وهذه مسائل يخالف فيها الجد الأب في ظاهر الرواية ولا يخالفه في رواية الحسن هذه والتبعية في الإسلام وجر الولاء والوصية لقرابة فلان ( قوله فيلحق به ) هذا بيان حكمه المنصوص يعني إنما أمر الشارع بالإخراج عن هؤلاء لأنهم في معناه بما قلنا لا أنه إلحاق لإفادة حكمهم ، إذ حكمهم ذلك منصوص عليه ( قوله يؤدي من مالهم ) الأب كالوصي ، وكذا يؤدي عن مماليك ابنه الصغير من ماله وعند محمد لا يؤدي عن مماليكه أصلا ، والمجنون كالصغير ( قوله لأن الشرع أجراه مجرى المؤنة فأشبه النفقة ) هذا دليل قولهما ونفقة الصغير إذا كان له [ ص: 286 ] مال في ماله فكذا هذا ، والأولى كون المراد نفقة الأقارب لأن وجه قول محمد أنها عبادة والصبي ليس من أهلها كالزكاة ، وقد وجب إخراج الأب عنه فيكون في ماله ، فيقولان في جوابه ، هي عبادة فيها معنى المؤنة لقوله عليه الصلاة والسلام { أدوا عمن تمونون } إذ قد قبلنا هذا الحديث ، أو ما قدمناه من قوله عليه الصلاة والسلام { ممن تمونون } في حديث ابن عمر فألحقها بالمؤنة فكانت كنفقة الأقارب تجب في مال الصغير إذا كان غنيا لما فيها من معنى المؤنة وإن كانت عبادة .




الخدمات العلمية