الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
قال ( وعرفات كلها موقف إلا بطن عرنة ) لقوله عليه الصلاة والسلام { عرفات كلها موقف وارتفعوا عن بطن عرنة ، والمزدلفة كلها موقف وارتفعوا عن وادي محسر } . قال ( وينبغي [ ص: 474 ] للإمام أن يقف بعرفة على راحلته ) لأن النبي عليه الصلاة والسلام وقف على ناقته ( وإن وقف على قدميه جاز ) والأول أفضل لما بينا ( وينبغي أن يقف مستقبل القبلة ) لأن النبي عليه الصلاة والسلام وقف كذلك ، وقال النبي عليه الصلاة والسلام { خير المواقف ما استقبلت به القبلة } ( ويدعو ويعلم الناس المناسك ) لما روي { أن النبي عليه الصلاة والسلام كان يدعو يوم عرفة مادا يديه كالمستطعم المسكين ويدعو بما شاء } وإن ورد الآثار ببعض الدعوات ، وقد أوردنا تفصيلها في كتابنا المترجم ب ( عدة الناسك في عدة من المناسك ) بتوفيق الله تعالى .

التالي السابق


( قوله لقوله عليه الصلاة والسلام { عرفة كلها موقف } ) روي من طرق عديدة من حديث جابر عند ابن ماجه قال عليه الصلاة والسلام { كل عرفة موقف وارتفعوا عن بطن عرنة ، وكل المزدلفة موقف وارتفعوا عن بطن محسر ، وكل منى منحر إلا ما وراء العقبة } وفيه القاسم بن عبد الله بن عمر العمري متروك . ومن حديث جبير بن مطعم ، وفيه { وكل فجاج منى منحر ولم يستثن ، وكل أيام التشريق ذبح } رواه أحمد عن سليمان بن موسى الأشدق عن جبير بن مطعم وهو منقطع ، فإن ابن الأشدق لم يدرك جبيرا .

ورواه ابن حبان في صحيحه وأدخل فيه بين سليمان وجبير عبد الرحمن بن أبي حسين ، وكذا رواه الترمذي ، لكن قال البزار : ابن أبي حسين لم يلق جبير بن مطعم ، قال : وإنما ذكرنا هذا الحديث ، لأنا لا نحفظ عنه عليه الصلاة والسلام في كل أيام التشريق ذبح إلا فيه فذكرناه ، وبينا العلة فيه ا هـ .

وروي أيضا من حديث ابن عباس رضي الله عنهما فرواه الطبراني والحاكم وقال على شرط مسلم عنه مرفوعا { عرفة كلها موقف وارتفعوا عن بطن عرنة ، والمزدلفة كلها موقف وارتفعوا عن بطن محسر } ا هـ . ومن حديث ابن عمر أخرجه ابن عدي في الكامل بلفظ حديث ابن عباس ، وفي سنده عبد الرحمن بن عبد الله العمري المضعف .

ومن حديث أبي هريرة رضي الله عنه أخرجه ابن عدي أيضا نحوه سواء [ ص: 474 ] وأعله بيزيد بن عبد الملك فثبت بهذا كله ثبوت هذا الحديث وعدم ثبوت تلك الزيادة : أعني " كل أيام التشريق ذبح " للانفراد بها مع الانقطاع والاتفاق على ما سواها سوى ذلك الاستثناء ( قوله لأن النبي صلى الله عليه وسلم وقف على ناقته ) هو في حديث جابر الطويل فارجع إليه ( قوله وقال عليه الصلاة والسلام إلخ ) روى الحافظ أبو نعيم في تاريخ أصبهان من حديث محمد بن الصلت عن ابن شهاب عن نافع عن ابن عمر مرفوعا { خير المجالس ما استقبل به القبلة وأما خير المواقف فالله سبحانه أعلم به } .

وروى الحاكم في الأدب حديثا طويلا وسكت عنه أوله عنه عليه الصلاة والسلام { إن لكل شيء شرفا ، وإن شرف المجالس ما استقبل به القبلة } وأعل بهشام بن زياد . وعن ابن عمر يرفعه { أكرم المجالس ما استقبل به القبلة } وهو معلول بحمزة النصيبي ونسب للوضع ( قوله ويدعو ) عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال { كان أكثر دعاء رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم عرفة : لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، له الملك وله الحمد يحيي ويميت بيده الخير وهو على كل شيء قدير } رواه أحمد والترمذي عنه أنه عليه الصلاة والسلام قال { خير الدعاء دعاء يوم عرفة ، وخير ما قلت أنا والنبيون من قبلي لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير } وقيل لابن عيينة : هذا ثناء فلم سماه رسول الله صلى الله عليه وسلم دعاء ؟ فقال : الثناء على الكريم دعاء لأنه يعرف حاجته .

وعن جابر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم { ما من مسلم يقف عشية عرفة بالموقف مستقبلا بوجهه ثم يقول لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير مائة مرة ، ثم يقرأ { قل هو الله أحد } مائة مرة ، ثم يقول : اللهم صل على محمد كما صليت على إبراهيم وآل إبراهيم إنك حميد مجيد وعلينا معهم مائة مرة ، إلا قال الله تعالى : يا ملائكتي إني قد غفرت له وشفعته في نفسه ، ولو سألني عبدي هذا لشفعته في أهل الموقف } رواه البيهقي وهو متن غريب في إسناده من اتهم بالوضع .

وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال { جاء رجل من الأنصار إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله كلمات أسأل عنهن ، فقال عليه الصلاة والسلام : اجلس ، وجاء رجل من ثقيف فقال : يا رسول الله كلمات أسأل عنهن ، فقال عليه الصلاة والسلام : سبقك الأنصاري ، فقال الأنصاري : إنه رجل غريب وإن للغريب حقا فابدأ به ، فأقبل على الثقفي وساق الحديث ، إلى أن قال ثم أقبل على الأنصاري فقال : إن شئت [ ص: 475 ] أخبرتك عما جئت تسألني ، وإن شئت تسألني فأخبرك ، فقال : لا يا نبي الله أخبرني عما جئت أسألك ، فقال : جئت تسأل عن الحاج ما له وساق الحديث ، إلى أن قال فإذا وقف بعرفة فإن الله عز وجل ينزل إلى سماء الدنيا فيقول : انظروا إلى عبادي شعثا غبرا ، اشهدوا أني قد غفرت لهم ذنوبهم وإن كانت عدد قطر السماء ورمل عالج ، وإذا رمى الجمار لا يدري أحد ما له حتى يتوفاه الله تعالى ، وإذا قضى آخر طوافه بالبيت خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه } رواه البزار وابن حبان في صحيحه واللفظ له . وروى أحمد بإسناد صحيح عن ابن عباس رضي الله عنهما { كان فلان ردف النبي صلى الله عليه وسلم يوم عرفة ، فجعل الفتى يلاحظ النساء وينظر إليهن ، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : ابن أخي إن هذا يوم من ملك فيه سمعه وبصره ولسانه غفر له } .

ومن مأثورات الأدعية : اللهم اجعل لي في قلبي نورا وفي سمعي نورا وفي بصري نورا . اللهم اشرح لي صدري ويسر لي أمري . اللهم إني أعوذ بك من وساوس الصدر وشتات الأمر وعذاب القبر . اللهم إني أعوذ بك من شر ما يلج في الليل وشر ما يلج في النهار وشر ما تهب به الرياح وشر بوائق الدهر .

اللهم إني أعوذ بك من تحول عافيتك وفجأة نقمتك وجميع سخطك ، وأعطني في هذه العشية أفضل ما تؤتي أحدا من خلقك ، وكل حاجة في نفسه يسألها فإنه يوم إفاضة الخيرات من الجواد العظيم . وحديث { كان عليه الصلاة والسلام يدعو مادا يديه كالمستطعم } رواه البزار بسنده عن ابن عباس عن الفضل قال { رأيت رسول الله عليه الصلاة والسلام واقفا بعرفة مادا يديه كالمستطعم ، أو كلمة نحوها } وأعل بحسين بن عبد الله ضعفه النسائي وابن معين .

قال ابن عدي : هو حسين بن عبد الله بن عبيد الله بن العباس بن عبد المطلب الهاشمي وهو ممن يكتب حديثه فإني لم أر له حديثا منكرا جاوز المقدار .

وأخرجه البيهقي عن ابن عباس رضي الله عنهما { رأيته عليه الصلاة والسلام يدعو بعرفة يداه إلى صدره كالمستطعم المسكين }




الخدمات العلمية