الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                  2205 11 - حدثنا علي بن عبد الله قال : حدثنا سفيان قال عمرو : قلت لطاوس : لو تركت المخابرة ، فإنهم يزعمون أن النبي - صلى الله عليه وسلم - نهى عنه ، قال - أي عمرو - : إني أعطيهم وأعينهم ، وإن أعلمهم أخبرني ، يعني : ابن عباس - رضي الله عنهما - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم ينه عنه ، ولكن قال : أن يمنح أحدكم أخاه خير له من أن يأخذ عليه خرجا معلوما .

                                                                                                                                                                                  التالي السابق


                                                                                                                                                                                  وجه دخوله في الباب السابق من حيث إن للعامل فيه جزءا معلوما ، وهنا لو ترك رب الأرض هذا الجزء للعامل كان خيرا له من أن يأخذه منه .

                                                                                                                                                                                  وفيه : جواز أخذ الأجرة ; لأن الأولوية في الترك لا تنافي الجواز ، فافهم .

                                                                                                                                                                                  ورجاله أربعة قد ذكروا غير مرة ، وعلي بن عبد الله هو المعروف بابن المديني ، وهو من أفراده ، وسفيان هو ابن عيينة ، وعمرو هو ابن دينار .

                                                                                                                                                                                  والحديث أخرجه البخاري أيضا في المزارعة ، عن قبيصة بن عقبة ، عن سفيان الثوري ، وفي الهبة : عن محمد بن بشار ، وأخرجه مسلم في البيوع ، عن محمد بن يحيى بن أبي عمر ، عن سفيان بن عيينة به ، وعن ابن أبي عمر ، عن الثقفي به ، وعن أبي بكر بن أبي شيبة ، وإسحاق بن إبراهيم ، وعن يحيى بن يحيى ، وعن محمد بن رمح ، وعن علي بن حجر ، وأخرجه أبو داود فيه ، عن محمد بن كثير عن الثوري به ، وأخرجه الترمذي في الأحكام ، عن محمود بن غيلان ، وأخرجه النسائي في المزارعة ، عن محمد بن عبد الله المخرمي ، وأخرجه ابن ماجه في الأحكام عن محمد بن رمح ، وعن محمد بن الصباح عن سفيان بن عيينة به ، وعن أبي بكر بن خلاد الباهلي ، ومحمد بن إسماعيل .

                                                                                                                                                                                  ( ذكر معناه ) :

                                                                                                                                                                                  قوله : " قال عمرو " . وفي رواية الإسماعيلي من طريق عثمان بن أبي شيبة وغيره عن سفيان : حدثنا عمرو . قوله : " لو تركت المخابرة " جواب لو محذوف تقديره : لو تركت المخابرة لكان خيرا ، أو يكون " لو " للتمني ، فلا يحتاج إلى جواب ، وفسر الكرماني المخابرة من جهة مأخذ هذا اللفظ ، فقال : المخابرة من الخبير ، وهو الأكار أو من الخبرة بضم الخاء وهي النصيب أو من خيبر ; لأن أول هذه المعاملة وقعت فيها ، انتهى .

                                                                                                                                                                                  والمخابرة هي العمل في الأرض ببعض ما يخرج منها ، وهي المزارعة ، لكن الفرق بينهما من وجه ، وهو أن البذر من العامل في المخابرة ، وفي المزارعة من المالك ، والدليل على أن المخابرة هي المزارعة رواية الترمذي من حديث عمرو بن دينار ، بلفظ : لو تركت المزارعة يخاطب ابن عباس بذلك . قوله : " فإنهم " الفاء فيه للتعليل ; لأن عمرا يعلل كلامه في خطابه لطاوس بترك المخابرة بقوله " فإنهم " ، أي : فإن الناس ، ومراده منهم رافع بن خديج وعمومته والثابت بن الضحاك وجابر بن عبد الله ومن روى منهم . قوله : " يزعمون " ، أي : يقولون أن النبي - صلى الله عليه وسلم - نهى عنه ، أي : عن الزرع على طريق المخابرة . قوله : " قال أي عمرو " ، أي : قال طاوس : يا عمرو . قوله : " إني أعطيهم " من الإعطاء . قوله : " وأعينهم " ، بضم الهمزة وكسر العين المهملة من الإعانة ، وهذا هكذا في رواية الأكثرين .

                                                                                                                                                                                  وفي رواية الكشميهني ، وأغنيهم بالغين المعجمة الساكنة من الإغناء ، والأول أوجه ، وكذا في رواية ابن ماجه وغيره . قوله : " وإن أعلمهم " ، أي : وإن أعلم هؤلاء الذين يزعمون أنه - صلى الله عليه وسلم - نهى عنه . قوله : " أخبرني " خبر إن ، وبين المراد من هذا الأعلم بقوله " يعني ابن عباس " . قوله : " أي لم ينه عنه " ، أي : عن الزرع على طريق المخابرة ، ولا معارضة بين هذا وبين قوله " نهى عنه " ; لأن النهي كان فيما يشترطون شرطا فاسدا ، وعدمه فيما لم يكن كذلك . وقيل : المراد بالإثبات نهي التنزيه ، وبالنفي نهي التحريم . قوله : " أن يمنح " بفتح الهمزة وسكون النون ، قال بعضهم : أن يمنح بفتح الهمزة والحاء على أنها تعليلية ، وبكسر الهمزة وسكون الحاء على أنها شرطية ، والأول أشهر ، انتهى .

                                                                                                                                                                                  ( قلت ) : ليس كذلك بل أن بفتح الهمزة مصدرية ، ولام [ ص: 170 ] الابتداء مقدرة قبلها ، تقديره : لأن يمنح ، أي : لمنح أحدكم أخاه خير لكم ، والمصدر مضاف إلى أحدكم مبتدأ ، وخبره هو قوله " خير لكم " ويؤيد ما ذكرناه أنه وقع في رواية الطحاوي بلام الابتداء ظاهرة ، فإنه روى هذا الحديث وفيه : لأن يمنح أحدكم أخاه أرضه ، خير له من أن يأخذ عليها خراجا معلوما . ووقع في رواية مسلم : يمنح أحدكم بدون أن واللام ، وقد جاء أن بالفتح بمعنى إن بالكسر الشرطية ، فحينئذ يكون يمنح مجزوما به ، وجواب الشرط خير ، ولكن فيه حذف تقديره : هو خير لكم . قوله : " من أن يأخذ " أن هنا أيضا مصدرية ، أي : من أخذه عليه ، والضمير فيه يرجع إلى قوله " أخاه " . قوله : " خرجا " ، أي : أجرة ، والغرض أنه يجعلها له منحة ، أي : عطية عارية ; لأنهم كانوا يتنازعون في كراء الأرض حتى أفضى بهم إلى التقاتل ، وقد بين الطحاوي علة النهي في حديث رافع ، فقال : حدثنا علي بن شيبة قال : حدثنا يحيى بن يحيى قال : حدثنا بشر بن المفضل ، عن عبد الرحمن بن إسحاق ، عن أبي عبيدة بن محمد بن عمار بن ياسر عن الوليد بن أبي الوليد ، عن عروة بن الزبير ، عن زيد بن ثابت ، رضي الله تعالى عنه أنه قال : يغفر الله لرافع بن خديج ، أنا والله كنت أعلم منه بالحديث ، إنما جاء رجلان من الأنصار إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد اقتتلا ، فقال : " إن كان هذا شأنكم ، فلا تكروا المزارع " فسمع قوله " لا تكروا المزارع " قال الطحاوي : فهذا زيد بن ثابت يخبر أن قول النبي - صلى الله عليه وسلم - لا تكروا المزارع النهي الذي قد سمعه رافع لم يكن من النبي - صلى الله عليه وسلم - على وجه التحريم ، وإنما كان لكراهيته وقوع الشر بينهم ، وأخرجه أبو داود والنسائي وابن ماجه أيضا . وقال الطحاوي : وقد روي عن ابن عباس من المعنى الذي ذكره زيد بن ثابت من حديث رافع بن خديج شيء ، ثم روى حديث الباب نحوه .




                                                                                                                                                                                  الخدمات العلمية