الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.
اختيار هذا الخط
الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.
باب القسامة وقال nindex.php?page=showalam&ids=185الأشعث بن قيس قال النبي صلى الله عليه وسلم شاهداك أو يمينه وقال ابن أبي مليكة لم يقد بها معاوية وكتب عمر بن عبد العزيز إلى عدي بن أرطاة وكان أمره على البصرة في قتيل وجد عند بيت من بيوت السمانين إن وجد أصحابه بينة وإلا فلا تظلم الناس فإن هذا لا يقضى فيه إلى يوم القيامة
6502 حدثنا nindex.php?page=showalam&ids=12180أبو نعيم حدثنا سعيد بن عبيد عن nindex.php?page=showalam&ids=15547بشير بن يسار زعم أن رجلا من الأنصار يقال له سهل بن أبي حثمة أخبره nindex.php?page=hadith&LINKID=656389أن نفرا من قومه انطلقوا إلى خيبر فتفرقوا فيها ووجدوا أحدهم قتيلا وقالوا للذي وجد فيهم قد قتلتم صاحبنا قالوا ما قتلنا ولا علمنا قاتلا فانطلقوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا يا رسول الله انطلقنا إلى خيبر فوجدنا أحدنا قتيلا فقال nindex.php?page=treesubj&link=33497_9338الكبر الكبر فقال لهم تأتون بالبينة على من قتله قالوا ما لنا بينة قال فيحلفون قالوا لا نرضى بأيمان اليهود فكره رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يبطل دمه فوداه مائة من إبل الصدقة
[ ص: 240 ]
[ ص: 240 ] قوله : ( باب القسامة ) بفتح القاف وتخفيف المهملة هي مصدر أقسم قسما وقسامة ، وهي الأيمان تقسم على أولياء القتيل إذا ادعوا الدم أو على المدعى عليهم الدم ، وخص القسم على الدم بلفظ القسامة ، وقال إمام الحرمين : nindex.php?page=treesubj&link=9458القسامة عند أهل اللغة اسم للقوم الذين يقسمون ، وعند الفقهاء اسم للأيمان .
وقال في المحكم : القسامة الجماعة يقسمون على الشيء أو يشهدون به . ويمين القسامة منسوب إليهم ثم أطلقت على الأيمان نفسها .
قوله : ( وقال الأشعث بن قيس : قال النبي - صلى الله عليه وسلم - : شاهداك أو يمينه ) هو طرف من حديث تقدم موصولا تاما في كتاب الشهادات ثم في كتاب الأيمان والنذور مع شرحه ، وأشار المصنف بذكره هنا إلى ترجيح رواية سعيد بن عبيد في حديث الباب أن nindex.php?page=treesubj&link=9490الذي يبدأ في يمين القسامة المدعى عليهم كما سيأتي البحث فيه .
قوله : ( وقال nindex.php?page=showalam&ids=12531ابن أبي مليكة : لم يقد ) بضم أوله والقاف من أقاد إذا اقتص ، وقد وصله حماد بن سلمة في مصنفه ، ومن طريقه ابن المنذر ، قال حماد عن nindex.php?page=showalam&ids=12531ابن أبي مليكة : " سألني عمر بن عبد العزيز عن القسامة فأخبرته أن عبد الله بن الزبير أقاد بها وأن nindex.php?page=showalam&ids=33معاوية يعني ابن أبي سفيان لم يقد بها " وهذا سند صحيح ، وقد توقف ابن بطال في ثبوته فقال : قد صح عن معاوية أنه أقاد بها ، ذكر ذلك عنه أبو الزناد في احتجاجه على أهل العراق .
قلت : هو في صحيفة nindex.php?page=showalam&ids=12458عبد الرحمن بن أبي الزناد عن أبيه ، ومن طريقه أخرجه nindex.php?page=showalam&ids=13933البيهقي قال : " حدثني خارجة بن [ ص: 241 ] زيد بن ثابت قال : قتل رجل من الأنصار رجلا من بني العجلان ولم يكن على ذلك بينة ولا لطخ ، فأجمع رأي الناس على أن يحلف ولاة المقتول ثم يسلم إليهم فيقتلوه ، فركبت إلى معاوية في ذلك فكتب إلى سعيد بن العاص : إن كان ما ذكره حقا فافعل ما ذكروه ، فدفعت الكتاب إلى سعيد فأحلفنا خمسين يمينا ثم أسلمه إلينا " .
قلت : ويمكن الجمع بأن معاوية لم يقد بها لما وقعت له وكان الحكم في ذلك ، ولما وقعت لغيره وكل الأمر في ذلك إليه ونسب إليه أنه أقاد بها لكونه أذن في ذلك . وقد تمسك مالك بقول خارجة المذكور فأطلق أن القود بها إجماع ، ويحتمل أن يكون معاوية كان يرى القود بها ثم رجع عن ذلك أو بالعكس .
وقد أخرج الكرابيسي في " أدب القضاء " بسند صحيح عن الزهري عن nindex.php?page=showalam&ids=15990سعيد بن المسيب قصة أخرى قضى فيها معاوية بالقسامة لكن لم يصرح فيها بالقتل ، وقصة أخرى لمروان قضى فيها بالقتل ، وقضى nindex.php?page=showalam&ids=16491عبد الملك بن مروان بمثل قضاء أبيه .
قوله : ( وكتب عمر بن عبد العزيز إلخ ) وصله nindex.php?page=showalam&ids=16000سعيد بن منصور حدثنا هشيم ، حدثنا حميد الطويل قال : " كتب عدي بن أرطاة إلى عمر بن عبد العزيز في قتيل وجد في سوق البصرة ، فكتب إليه عمر - رحمه الله - أن من القضايا ما لا يقضى فيه إلى يوم القيامة وأن هذه القضية لمنهن " .
وأخرج ابن المنذر من وجه آخر عن حميد قال : وجد قتيل بين قشير وعائش فكتب فيه عدي بن أرطاة إلى عمر بن عبد العزيز فذكر نحوه ، وهذا أثر صحيح ، nindex.php?page=showalam&ids=16556وعدي بن أرطاة بفتح الهمزة وسكون الراء بعدها مهملة وهو فزاري من أهل دمشق .
قوله في الأثر المعلق ( وكان أمره ) بالتشديد ( على البصرة ) .
قلت : كانت ولاية عمر بن عبد العزيز لعدي على إمرة البصرة سنة تسع وتسعين ، وذكر خليفة أنه قتل سنة ثنتين ومائة . وقوله : " من بيوت السمانين " بتشديد الميم أي الذين يبيعون السمن ، وقد اختلف على عمر بن عبد العزيز في القود بالقسامة كما اختلف على معاوية ، فذكر ابن بطال أن في " مصنف حماد بن سلمة " عن nindex.php?page=showalam&ids=12531ابن أبي مليكة أن عمر بن عبد العزيز أقاد بالقسامة في إمرته على المدينة .
قلت : ويجمع بأنه كان يرى بذلك لما كان أميرا على المدينة ثم رجع لما ولي الخلافة ، ولعل سبب ذلك ما سيأتي في آخر الباب من قصة أبي قلابة حيث احتج على عدم القود بها ، فكأنه وافقه على ذلك .
وأخرج ابن المنذر من طريق الزهري قال : " قال لي عمر بن عبد العزيز : إني أريد أن أدع القسامة ، يأتي رجل من أرض كذا وآخر من أرض كذا فيحلفون على ما لا يرون ، فقلت : إنك إن تتركها يوشك أن الرجل يقتل عند بابك فيبطل دمه ، وإن للناس في القسامة لحياة " ، وسبق عمر بن عبد العزيز إلى إنكار القسامة nindex.php?page=showalam&ids=15959سالم بن عبد الله بن عمر فأخرج ابن المنذر عنه أنه كان يقول " بالقوم يحلفون على أمر لم يروه ولم يحضروه ، ولو كان لي أمر لعاقبتهم ولجعلتهم نكالا ولم أقبل لهم شهادة " وهذا يقدح في نقل إجماع أهل المدينة على nindex.php?page=treesubj&link=9493القود بالقسامة فإن سالما من أجل فقهاء المدينة .
وأخرج ابن المنذر أيضا عن ابن عباس أن القسامة لا يقاد بها ، وأخرج ابن أبي شيبة من طريق nindex.php?page=showalam&ids=12354إبراهيم النخعي قال : القود بالقسامة جور ، ومن طريق nindex.php?page=showalam&ids=14152الحكم بن عتيبة أنه كان لا يرى القسامة شيئا .
ومحصل الاختلاف في القسامة هل يعمل بها أو لا؟ وعلى الأول فهل توجب القود أو الدية ، وهل يبدأ بالمدعين أو المدعى عليهم؟ واختلفوا أيضا في شرطها .
قوله : ( سعيد بن عبيد ) هو الطائي الكوفي يكنى أبا هذيل ، روى عنه الثوري وغيره من الأكابر ، وأبو نعيم الراوي عنه هنا هو آخر من روى عنه ، وثقه أحمد nindex.php?page=showalam&ids=17336وابن معين وآخرون ، وقال الآجري عن أبي داود : كان شعبة [ ص: 242 ] يتمنى لقاءه ، وفي طبقته سعيد بن عبيد الهنائي بضم الهاء وتخفيف النون وهمز ومد بصري صدوق أخرج له الترمذي nindex.php?page=showalam&ids=15397والنسائي .
قوله : ( عن nindex.php?page=showalam&ids=15547بشير ) بالموحدة والمعجمة مصغر ابن يسار بتحتانية ثم مهملة خفيفة لا أعرف اسم جده ، وفي رواية مسلم من طريق ابن نمير عن سعيد بن عبيد " حدثنا nindex.php?page=showalam&ids=15547بشير بن يسار الأنصاري " .
قلت : وهو من موالي بني حارثة من الأنصار ، قال ابن إسحاق : كان شيخا كبيرا فقيها أدرك عامة الصحابة ووثقه nindex.php?page=showalam&ids=17336يحيى بن معين nindex.php?page=showalam&ids=15397والنسائي وكناه محمد بن إسحاق في روايته أبا كيسان .
قوله : ( زعم أن رجلا من الأنصار يقال له سهل بن أبي حثمة ) بفتح المهملة وسكون المثلثة ، ولم يقع في رواية ابن نمير زعم بل عنده عن سهل بن أبي حثمة الأنصاري أنه أخبره ، وكذا لأبي نعيم في المستخرج من وجه آخر عن أبي نعيم شيخ nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري ، واسم أبي حثمة عامر بن ساعدة بن عامر ويقال اسم أبيه عبد الله فاشتهر هو بالنسبة إلى جده وهو من بني حارثة بطن من الأوس .
قوله : ( أن نفرا من قومه ) سمى يحيى بن سعيد الأنصاري في روايته عن بشير بن يسار منهم اثنين ، فتقدم في الجزية من طريق بشر بن المفضل عن يحيى بهذا السند : " انطلق عبد الله بن سهل ومحيصة بن مسعود بن زيد " .
وفي الأدب من رواية حماد بن زيد عن يحيى عن بشير " عن سهل بن أبي حثمة nindex.php?page=showalam&ids=46ورافع بن خديج أنهما حدثا أن عبد الله بن سهل ومحيصة بن مسعود انطلقا " ، وعند مسلم من رواية الليث عن يحيى عن بشير عن سهل " قال يحيى وحسبت أنه قال : nindex.php?page=showalam&ids=46ورافع بن خديج أنهما قالا خرج عبد الله بن سهل بن زيد ومحيصة بن مسعود بن زيد " ، ونحوه عنده من رواية هشيم عن يحيى لكن لم يذكر رافعا .
ولفظه عن بشير بن يسار " أن رجلا من الأنصار من بني حارثة يقال له عبد الله بن سهل بن زيد انطلق هو وابن عم له يقال له محيصة بن مسعود بن زيد " ، وأسنده في آخره عن سهل بن أبي حثمة به ، وثبت ذكر رافع بن خديج في هذا الحديث غير مسمى عند أبي داود من طريق أبي ليلى بن عبد الله بن عبد الرحمن بن سهل " عن سهل بن أبي حثمة أنه أخبره هو ورجل من كبراء قومه " .
وعند ابن أبي عاصم من طريق إسماعيل بن عياش عن يحيى عن بشير : " عن سهل ورافع وسويد بن النعمان أن القسامة كانت فيهم في بني حارثة فذكر بشير عنهم أن عبد الله بن سهل خرج " فذكر الحديث ، ومحيصة بضم الميم وفتح المهملة وتشديد التحتانية مكسورة بعدها صاد مهملة وكذا ضبط أخيه حويصة وحكي التخفيف في الاسمين معا ورجحه طائفة .
قوله : ( انطلقوا إلى خيبر فتفرقوا فيها ) في رواية يحيى بن سعيد " nindex.php?page=hadith&LINKID=891295انطلقا إلى خيبر فتفرقا " ، وتحمل رواية الباب على أنه كان معهما تابع لهما ، وقد وقع في رواية عبد بن إسحاق عن بشير بن يسار عن ابن أبي عاصم " nindex.php?page=hadith&LINKID=891296خرج عبد الله بن سهل في أصحاب له يمتارون تمرا " ، زاد nindex.php?page=showalam&ids=16036سليمان بن بلال عند مسلم في روايته عن يحيى بن سعيد " nindex.php?page=hadith&LINKID=891297في زمن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهي يومئذ صلح وأهلها يهود ، وقد تقدم بيان ذلك في المغازي ، والمراد أن ذلك وقع بعد فتحها ، فإنها لما فتحت أقر النبي - صلى الله عليه وسلم - أهلها فيها على أن يعملوا في المزارع بالشطر مما يخرج منها كما تقدم بيانه . وفي رواية أبي ليلى بن عبد الله " خرج إلى خيبر " .
قوله : ( فوجدوا أحدهم قتيلا ) في رواية بشر بن المفضل " nindex.php?page=hadith&LINKID=891298فأتى محيصة إلى عبد الله بن سهل وهو يتشحط في دمه قتيلا " أي يضطرب فيتمرغ في دمه فدفنه ، وفي رواية الليث " nindex.php?page=hadith&LINKID=891299فإذا محيصة يجد عبد الله بن [ ص: 243 ] سهل قتيلا فدفنه " ، وفي رواية nindex.php?page=showalam&ids=16036سليمان بن بلال " nindex.php?page=hadith&LINKID=891300فوجد عبد الله بن سهل مقتولا في سربه فدفنه صاحبه " ، وفي رواية أبي ليلى " nindex.php?page=hadith&LINKID=891301فأخبر محيصة أن عبد الله قتل وطرح في فقير " بفاء مفتوحة ثم قاف مكسورة أي حفيرة .
قوله : ( فقالوا للذين وجد فيهم قد قتلتم صاحبنا ، قالوا ما قتلنا ولا علمنا قاتلا ) في رواية أبي ليلى " nindex.php?page=hadith&LINKID=891302فأتى محيصة يهود فقال : أنتم والله قتلتموه ، قالوا والله ما قتلناه " .
قوله : ( فانطلقوا إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم ) في رواية حماد بن زيد " nindex.php?page=hadith&LINKID=891303فجاء عبد الرحمن بن سهل وحويصة ومحيصة ابنا مسعود إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فتكلموا في أمر صاحبهم " .
وفي رواية nindex.php?page=showalam&ids=16036سليمان بن بلال " nindex.php?page=hadith&LINKID=891304فأتى أخو المقتول عبد الرحمن ومحيصة وحويصة فذكروا لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - شأن عبد الله حيث قتل " ، وفي رواية الليث " nindex.php?page=hadith&LINKID=891305ثم أقبل محيصة إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - هو وحويصة وعبد الرحمن بن سهل " ، زاد أبو ليلى في روايته " وهو - أي حويصة - أكبر منه ، أي من محيصة .
قوله : ( فقال : الكبر الكبر ) بضم الكاف وسكون الموحدة وبالنصب فيهما على الإغراء ، زاد في رواية يحيى بن سعيد " nindex.php?page=hadith&LINKID=891306فبدأ عبد الرحمن يتكلم وكان أصغر القوم " ، زاد حماد بن زيد عن يحيى عند مسلم " في أمر أخيه " ، وفي رواية بشر " وهو أحدث القوم " ، وفي رواية الليث " nindex.php?page=hadith&LINKID=891307فذهب عبد الرحمن يتكلم فقال كبر الكبر " . الأولى أمر والأخرى كالأول .
ومثله في رواية حماد بن زيد وزاد " أو قال يبدأ الأكبر " ، وفي رواية بشر بن المفضل " كبر كبر " بتكرار الأمر ، وكذا في رواية أبي ليلى وزاد " يريد السن " ، وفي رواية الليث " فسكت وتكلم صاحباه " ، وفي رواية بشر " وتكلما " .
قوله : ( تأتون بالبينة على من قتله ، قالوا : ما لنا بينة ) كذا في رواية سعيد بن عبيد ، ولم يقع في رواية يحيى بن سعيد الأنصاري ولا في رواية أبي قلابة الآتية في الحديث الذي بعده للبينة ذكر وإنما قال يحيى في رواية " nindex.php?page=hadith&LINKID=891308أتحلفون وتستحقون قاتلكم أو صاحبكم " هذه رواية بشر بن المفضل عنه ، وفي رواية حماد عنه " nindex.php?page=hadith&LINKID=891309أتستحقون قاتلكم أو صاحبكم بأيمان خمسين منكم " ، وفي رواية عند مسلم " nindex.php?page=hadith&LINKID=891310يقسم خمسون منكم على رجل منهم فيدفع برمته " ، وفي رواية nindex.php?page=showalam&ids=16036سليمان بن بلال " nindex.php?page=hadith&LINKID=891311تحلفون خمسين يمينا وتستحقون " .
وفي رواية ابن عيينة عن يحيى عند أبي داود " nindex.php?page=hadith&LINKID=891312تبرئكم يهود بخمسين يمينا تحلفون ، فبدأ بالمدعى عليهم لكن قال أبو داود إنه وهم ، كذا جزم بذلك ، وقد قال nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي : كان ابن عيينة لا يثبت أقدم النبي - صلى الله عليه وسلم - الأنصار في الأيمان أو اليهود ، فيقال له إن في هذا الحديث أنه قدم الأنصار فيقول هو ذاك وربما حدث به كذلك ولم يشك ، وفي رواية أبي ليلى " nindex.php?page=hadith&LINKID=891313فقال لحويصة ومحيصة وعبد الرحمن أتحلفون وتستحقون دم صاحبكم؟ فقالوا لا " ، وفي رواية أبي قلابة " nindex.php?page=hadith&LINKID=891314فأرسل إلى اليهود فدعاهم فقال أنتم قتلتم هذا؟ فقالوا : لا . فقال أترضون نفل خمسين من اليهود ما قتلوه " و نفل بفتح النون وسكون الفاء يأتي شرحه ، وزاد يحيى بن سعيد " كيف نحلف ولم نشهد ولم نر " ، وفي رواية حماد عنه " أمر لم نره " ، وفي رواية سليمان " ما شهدنا ولا حضرنا " .
قوله : ( قال فيحلفون ، قالوا لا نرضى بأيمان اليهود ) وفي رواية أبي ليلى " فقالوا ليسوا بمسلمين " ، وفي رواية يحيى بن سعيد " nindex.php?page=hadith&LINKID=891315فتبرئكم يهود بخمسين يمينا " أي يخلصونكم من الأيمان بأن يحلفوهم فإذا حلفوا انتهت الخصومة فلم يجب عليهم شيء وخلصتم أنتم من الأيمان ، " nindex.php?page=hadith&LINKID=891316قالوا كيف نأخذ بأيمان قوم كفار " ، وفي رواية الليث " نقبل " بدل " نأخذ " ، وفي رواية أبي قلابة " ما يبالون أن يقتلونا أجمعين ثم يحلفون " كذا في رواية [ ص: 244 ] سعيد بن عبيد لم يذكر عرض الأيمان على المدعين كما لم يقع في رواية يحيى بن سعيد طلب البينة أولا ، وطريق الجمع أن يقال حفظ أحدهم ما لم يحفظ الآخر ، فيحمل على أنه طلب البينة أولا فلم تكن لهم بينة ، فعرض عليهم الأيمان فامتنعوا ، فعرض عليهم تحليف المدعى عليهم فأبوا .
وأما قول بعضهم إن ذكر البينة وهم لأنه - صلى الله عليه وسلم - قد علم أن خيبر حينئذ لم يكن بها أحد من المسلمين فدعوى نفي العلم مردودة فإنه وإن سلم أنه لم يسكن مع اليهود فيها أحد من المسلمين لكن في نفس القصة أن جماعة من المسلمين خرجوا يمتارون تمرا ، فيجوز أن تكون طائفة أخرى خرجوا لمثل ذلك وإن لم يكن في نفس الأمر كذلك ، وقد وجدنا لطلب البينة في هذه القصة شاهدا من وجه آخر أخرجه nindex.php?page=showalam&ids=15397النسائي من طريق عبد الله بن الأخنس عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده " nindex.php?page=hadith&LINKID=891317أن ابن محيصة الأصغر أصبح قتيلا على أبواب خيبر فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أقم شاهدين على من قتله أدفعه إليك برمته ، قال : يا رسول الله أنى أصيب شاهدين وإنما أصبح قتيلا على أبوابهم؟ قال فتحلف خمسين قسامة ، قال فكيف أحلف على ما لا أعلم ، قال تستحلف خمسين منهم ، قال كيف وهم يهود " وهذا السند صحيح حسن وهو نص في الحمل الذي ذكرته فتعين المصير إليه .
وقد أخرج أبو داود أيضا من طريق عباية بن رفاعة عن جده رافع بن خديج قال : " nindex.php?page=hadith&LINKID=891318أصبح رجل من الأنصار بخيبر مقتولا ، فانطلق أولياؤه إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال : شاهدان يشهدان على قتل صاحبكم ، قال : لم يكن ثم أحد من المسلمين وإنما هم اليهود وقد يجترئون على أعظم من هذا " .
قوله : ( فكره رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يطل ) بضم أوله وفتح الطاء وتشديد اللام أي يهدر .
قوله : ( فوداه مائة ) في رواية الكشميهني " بمائة " ، ووقع في رواية أبي ليلى " فوداه من عنده " ، وفي رواية يحيى بن سعيد " nindex.php?page=hadith&LINKID=891319فعقله النبي - صلى الله عليه وسلم - من عنده " أي أعطى ديته ، وفي رواية حماد بن زيد " من قبله " بكسر القاف وفتح الموحدة أي من جهته ، وفي رواية الليث عنه " nindex.php?page=hadith&LINKID=891320فلما رأى ذلك النبي - صلى الله عليه وسلم - أعطى عقله " .
قوله : ( من إبل الصدقة ) زعم بعضهم أنه غلط من سعيد بن عبيد لتصريح يحيى بن سعيد بقوله : " من عنده " وجمع بعضهم بين الروايتين باحتمال أن يكون اشتراها من إبل الصدقة بمال دفعه من عنده ، أو المراد بقوله : " من عنده " أي بيت المال المرصد للمصالح ، وأطلق عليه صدقة باعتبار الانتفاع به مجانا لما في ذلك من قطع المنازعة وإصلاح ذات البين ، وقد حمله بعضهم على ظاهره فحكى القاضي عياض عن بعض العلماء جواز nindex.php?page=treesubj&link=3131_3242صرف الزكاة في المصالح العامة واستدل بهذا الحديث وغيره .
قلت : وتقدم شيء من ذلك في كتاب الزكاة في الكلام على حديث أبي لاس قال : nindex.php?page=hadith&LINKID=891321حملنا النبي - صلى الله عليه وسلم - على إبل من إبل الصدقة في الحج وعلى هذا فالمراد بالعندية كونها تحت أمره وحكمه ، وللاحتراز من جعل ديته على اليهود أو غيرهم .
قال القرطبي في " المفهم " فعل - صلى الله عليه وسلم - ذلك على مقتضى كرمه وحسن سياسته وجلبا للمصلحة ودرءا للمفسدة على سبيل التأليف ، ولا سيما عند تعذر الوصول إلى استيفاء الحق ، ورواية من قال " من عنده " أصح من رواية من قال " nindex.php?page=hadith&LINKID=891322من إبل الصدقة " وقد قيل إنها غلط والأولى أن لا يغلط الراوي ما أمكن ، فيحتمل أوجها منها فذكر ما تقدم وزاد : أن يكون تسلف ذلك من إبل الصدقة ليدفعه من مال الفيء ، أو أن أولياء القتيل كانوا مستحقين للصدقة فأعطاهم ، أو أعطاهم ذلك من سهم المؤلفة استئلافا لهم واستجلابا لليهود ، انتهى .
وزاد أبو ليلى في روايته " قال سهل فركضتني ناقة " ، وفي رواية حماد بن زيد عن يحيى " أدركته ناقة من تلك الإبل [ ص: 245 ] فدخلت مربدا لهم فركضتني برجلها " .
وفي رواية شيبان بن بلال " لقد ركضتني ناقة من تلك الفرائض بالمربد " ، وفي رواية محمد بن إسحاق " فوالله ما أنسى ناقة بكرة منها حمراء ضربتني وأنا أحوزها " ، وفي حديث الباب من الفوائد nindex.php?page=treesubj&link=9459مشروعية القسامة .
قال القاضي عياض : هذا الحديث أصل من أصول الشرع وقاعدة من قواعد الأحكام وركن من أركان مصالح العباد ، وبه أخذ كافة الأئمة والسلف من الصحابة والتابعين وعلماء الأمة وفقهاء الأنصار من الحجازيين والشاميين والكوفيين وإن اختلفوا في صورة الأخذ به ، وروي التوقف عن الأخذ به عن طائفة فلم يروا القسامة ولا أثبتوا بها في الشرع حكما ، وهذا مذهب nindex.php?page=showalam&ids=14152الحكم بن عتيبة وأبي قلابة nindex.php?page=showalam&ids=15959وسالم بن عبد الله nindex.php?page=showalam&ids=16049وسليمان بن يسار وقتادة nindex.php?page=showalam&ids=14429ومسلم بن خالد وإبراهيم بن علية وإليه ينحو nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري ، وروي عن عمر بن عبد العزيز باختلاف عنه .
قلت : وهذا ينافي ما صدر به كلامه أن كافة الأئمة أخذوا بها ، وقد تقدم النقل عمن لم يقل بمشروعيتها في أول الباب ، وفيهم من لم يذكره القاضي ، قال : واختلف قول مالك في nindex.php?page=treesubj&link=9462_9459مشروعية القسامة في قتل الخطإ ، واختلف القائلون بها في العمد هل يجب بها القود أو الدية؟ فمذهب معظم الحجازيين إيجاب القود إذا كملت شروطها ، وهو قول الزهري وربيعة nindex.php?page=showalam&ids=11863وأبي الزناد nindex.php?page=showalam&ids=16867ومالك nindex.php?page=showalam&ids=15124والليث nindex.php?page=showalam&ids=13760والأوزاعي nindex.php?page=showalam&ids=13790والشافعي في أحد قوليه وأحمد وإسحاق nindex.php?page=showalam&ids=11956وأبي ثور وداود ، وروي ذلك عن بعض الصحابة كابن الزبير ، واختلف عن عمر بن عبد العزيز .
وقال أبو الزناد : قتلنا بالقسامة والصحابة متوافرون ، إني لأرى أنهم ألف رجل فما اختلف منهم اثنان .
قلت : إنما نقل ذلك أبو الزناد عن nindex.php?page=showalam&ids=15786خارجة بن زيد بن ثابت كما أخرجه nindex.php?page=showalam&ids=16000سعيد بن منصور nindex.php?page=showalam&ids=13933والبيهقي من رواية nindex.php?page=showalam&ids=12458عبد الرحمن بن أبي الزناد عن أبيه ، وإلا nindex.php?page=showalam&ids=11863فأبو الزناد لا يثبت أنه رأى عشرين من الصحابة فضلا عن ألف .
ثم قال القاضي : وحجتهم حديث الباب : يعني من رواية يحيى بن سعيد التي أشرت إليها ، قال : فإن مجيئه من طرق صحاح لا يدفع ، وفيه تبرئة المدعين ثم ردها حين أبوا على المدعى عليهم واحتجوا بحديث nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة " nindex.php?page=hadith&LINKID=891323البينة على المدعي واليمين على المدعى عليه إلا القسامة " ، ويقول مالك : أجمعت الأئمة في القديم والحديث على أن المدعين يبدءون في القسامة ، ولأن جنبة المدعي إذا قويت بشهادة أو شبهة صارت اليمين له .
وهاهنا الشبهة قوية ، وقالوا هذه سنة بحيالها وأصل قائم برأسه لحياة الناس وردع المعتدين ، وخالفت الدعاوى في الأموال فهي على ما ورد فيها ، وكل أصل يتبع ويستعمل ولا تطرح سنة لسنة ، وأجابوا عن رواية سعيد بن عبيد - يعني المذكورة في حديث هذا الباب بقول أهل الحديث إنه وهم من رواية أسقط من السياق تبرئة المدعين باليمين لكونه لم يذكر فيه رد اليمين ، واشتملت رواية يحيى بن سعيد على زيادة من ثقة حافظ فوجب قبولها وهي تقضي على من لم يعرفها .
قلت : وسيأتي مزيد بيان لذلك .
قال القرطبي : الأصل في الدعاوى أن اليمين على المدعى عليه ، وحكم القسامة أصل بنفسه لتعذر إقامة البينة على القتل فيها غالبا ، فإن القاصد للقتل يقصد الخلوة ويترصد الغفلة ، وتأيدت بذلك الرواية الصحيحة المتفق عليها وبقي ما عدا القسامة على الأصل ، ثم ليس ذلك خروجا عن الأصل بالكلية بل لأن المدعى عليه إنما كان القول قوله لقوة جانبه بشهادة الأصل له بالبراءة مما ادعي عليه ، وهو موجود في القسامة في جانب المدعي لقوة جانبه باللوث الذي يقوي دعواه .
قال عياض : وذهب من قال بالدية إلى تقديم المدعى عليهم في اليمين ، إلا nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي وأحمد فقالا بقول الجمهور : يبدأ بأيمان المدعين وردها إن أبوا على المدعى عليهم ، وقال بعكسه أهل الكوفة وكثير من أهل البصرة وبعض أهل المدينة nindex.php?page=showalam&ids=13760والأوزاعي فقال يستحلف من أهل القرية خمسين رجلا خمسين يمينا ما قتلناه ولا علمنا من قتله . فإن حلفوا برئوا وإن نقصت قسامتهم عن عدد أو نكلوا حلف المدعون على رجل واحد واستحقوا ، فإن نقصت قسامتهم قاده دية ، وقال nindex.php?page=showalam&ids=16542عثمان البتي من فقهاء البصرة : ثم يبدأ بالمدعى عليهم [ ص: 246 ] بالأيمان فإن حلفوا فلا شيء عليهم .
وقال الكوفيون : إذا حلفوا وجبت عليهم الدية ، وجاء ذلك عن عمر ، قال واتفقوا كلهم على أنها لا تجب بمجرد دعوى الأولياء حتى يقترن بها شبهة يغلب على الظن الحكم بها ، واختلفوا في تصوير الشبهة على سبعة أوجه فذكرها ، وملخصها : الأول أن يقول المريض دمي عند فلان أو ما أشبه ذلك ، ولو لم يكن به أثر أو جرح فإن ذلك يوجب القسامة عند مالك nindex.php?page=showalam&ids=15124والليث لم يقل به غيرهما .
واشترط بعض المالكية الأثر أو الجرح ، واحتج لمالك بقصة بقرة بني إسرائيل ، قال : ووجه الدلالة منها أن الرجل حي فأخبر بقاتله ، وتعقب بخفاء الدلالة منها ، وقد بالغ nindex.php?page=showalam&ids=13064ابن حزم في رد ذلك ، واحتجوا بأن القاتل يتطلب حالة غفلة الناس فتتعذر البينة ، فلو لم يعمل بقول المضروب لأدى ذلك إلى إهدار دمه لأنها حالة يتحرى فيها اجتناب الكذب ويتزود فيها من البر والتقوى ، وهذا إنما يأتي في حالة المحتضر .
الثانية : أن يشهد من لا يكمل النصاب بشهادته كالواحد أو جماعة غير عدول قال بها المذكوران ووافقهما nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي ومن تبعه .
الثالثة : أن يشهد عدلان بالضرب ثم يعيش بعده أياما ثم يموت منه من غير تخلل إفاقة ، فقال المذكوران : تجب فيه القسامة . وقال nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي : بل يجب القصاص بتلك الشهادة .
الرابعة : أن يوجد مقتول وعنده أو بالقرب منه من بيده آلة القتل وعليه أثر الدم مثلا ولا يوجد غيره فتشرع فيه القسامة عند مالك nindex.php?page=showalam&ids=13790والشافعي ، ويلتحق به أن تفترق جماعة عن قتيل .
الخامسة : أن يقتتل طائفتان فيوجد بينهما قتيل ففيه القسامة عند الجمهور ، وفي رواية عن مالك تختص القسامة بالطائفة التي ليس هو منها إلا إن كان من غيرهما فعلى الطائفتين .
السادسة : المقتول في الزحمة ، وقد تقدم بيان الاختلاف فيه في باب مفرد .
السابعة : أن يوجد قتيل في محلة أو قبيلة ، فهذا يوجب القسامة عند الثوري nindex.php?page=showalam&ids=13760والأوزاعي nindex.php?page=showalam&ids=11990وأبي حنيفة وأتباعهم ، ولا يوجب القسامة عندهم سوى هذه الصورة ، وشرطها عندهم إلا الحنفية أن يوجد بالقتيل أثر ، وقال داود : لا تجرى القسامة إلا في العمد على أهل مدينة أو قرية كبيرة وهم أعداء للمقتول .
وذهب الجمهور إلى أنه لا قسامة فيه بل هو هدر لأنه قد يقتل ويلقى في المحلة ليتهموا ، وبه قال nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي ، وهو رواية عن أحمد ، إلا أن يكون في مثل القصة التي في حديث الباب فيتجه فيها القسامة لوجود العداوة .
ولم تر الحنفية ومن وافقهم لوثا يوجب القسامة إلا هذه الصورة ، وحجة الجمهور القياس على هذه الواقعة ، والجامع أن يقترن بالدعوى شيء يدل على صدق المدعى فيقسم معه ويستحق .
وقال ابن قدامة : ذهب الحنفية إلى أن nindex.php?page=treesubj&link=9490_9492القتيل إذا وجد في محل فادعى وليه على خمسين نفسا من موضع قتله فحلفوا خمسين يمينا ما قتلناه ولا علمنا له قاتلا فإن لم يجد خمسين كرر الأيمان على من وجد وتجب الدية على بقية أهل الخطة ، ومن لم يحلف من المدعى عليهم حبس حتى يحلف أو يقر ، واستدلوا بأثر عمر أنه أحلف خمسين نفسا خمسين يمينا وقضى بالدية عليهم ، وتعقب باحتمال أن يكونوا أقروا بالخطإ وأنكروا العمد وبأن الحنفية لا يعملون بخبر الواحد إذا خالف الأصول ولو كان مرفوعا فكيف احتجوا بما خالف الأصول بخبر واحد موقوف وأوجبوا اليمين على غير المدعى عليه ، واستدل به على القود في القسامة لقوله : " فتستحقون قاتلكم " ، وفي الرواية الأخرى " دم صاحبكم " .
قال ابن دقيق العيد : الاستدلال بالرواية التي فيها " فيدفع برمته " أقوى من الاستدلال بقوله : " دم صاحبكم " لأن قوله : " يدفع برمته " لفظ مستعمل في دفع القاتل للأولياء للقتل ، ولو أن الواجب الدية لبعد استعمال هذا اللفظ وهو في استعماله في تسليم القاتل أظهر ، والاستدلال بقوله : " دم صاحبكم " أظهر من الاستدلال بقوله : " قاتلكم " أو " صاحبكم " لأن هذا اللفظ لا بد فيه من إضمار ، فيحتمل أن يضمر دية صاحبكم احتمالا ظاهرا ، وأما بعد التصريح بالدية فيحتاج إلى تأويل اللفظ بإضمار بدل دم صاحبكم والإضمار على خلاف الأصل ولو احتيج إلى إضمار لكان حمله على ما يقتضي إراقة الدم أقرب .
[ ص: 247 ] وأما من قال يحتمل أن يكون قوله : " دم صاحبكم " هو القتيل لا القاتل فيرده قوله : " دم صاحبكم أو قاتلكم " ، وتعقب بأن القصة واحدة اختلفت ألفاظ الرواة فيها على ما تقدم بيانه فلا يستقيم الاستدلال بلفظ منها لعدم تحقق أنه اللفظ الصادر من النبي صلى الله عليه وسلم .
واستدل من قال بالقود أيضا بما أخرجه مسلم nindex.php?page=showalam&ids=15397والنسائي من طريق الزهري عن سليمان بن يسار nindex.php?page=showalam&ids=12031وأبي سلمة بن عبد الرحمن عن أناس من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - nindex.php?page=hadith&LINKID=891324أن القسامة كانت في الجاهلية وأقرها النبي - صلى الله عليه وسلم - على ما كانت عليه من الجاهلية وقضى بها بين ناس من الأنصار في قتيل ادعوه على يهود خيبر ، وهذا يتوقف على ثبوت أنهم كانوا في الجاهلية يقتلون في القسامة ، وعند أبي داود من طريق عبد الرحمن بن بجيد بموحدة وجيم مصغر قال : إن سهلا يعني ابن أبي حثمة وهم في الحديث أن رسول الله كتب إلى يهود " nindex.php?page=hadith&LINKID=891325إنه قد وجد بين أظهركم قتيل فدوه " فكتبوا يحلفون ما قتلناه ولا علمنا قاتلا ، قال فوداه من عنده ، وهذا رده nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي بأنه مرسل ، ويعارض ذلك ما أخرجه ابن منده في " الصحابة " من طريق مكحول : حدثني عمرو بن أبي خزاعة nindex.php?page=hadith&LINKID=891326أنه قتل فيهم قتيل على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فجعل القسامة على خزاعة بالله ما قتلنا ولا علمنا قاتلا فحلف كل منهم عن نفسه وغرم الدية ، وعمرو مختلف في صحبته .
وأخرج ابن أبي شيبة بسند جيد إلى nindex.php?page=showalam&ids=12354إبراهيم النخعي قال : كانت nindex.php?page=treesubj&link=9458_9459_30578القسامة في الجاهلية إذا وجد القتيل بين ظهري قوم أقسم منهم خمسين يمينا ، ما قتلنا ولا علمنا ، فإن عجزت الأيمان ردت عليهم ثم عقلوا ، وتمسك من قال لا يجب فيها إلا الدية بما أخرجه الثوري في جامعه nindex.php?page=showalam&ids=12508وابن أبي شيبة nindex.php?page=showalam&ids=16000وسعيد بن منصور بسند صحيح إلى الشعبي قال : وجد قتيل بين حيين من العرب فقال عمر : قيسوا ما بينهما فأيهما وجدتموه إليه أقرب فأحلفوهم خمسين يمينا وأغرموهم الدية ، وأخرجه nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي عن سفيان بن عيينة عن منصور عن الشعبي أن عمر كتب في قتيل وجد بين خيران ووادعة أن يقاس ما بين القريتين فإلى أيهما كان أقرب أخرج إليه منهم خمسون رجلا حتى يوافوه مكة فأدخلهم الحجر فأحلفهم ثم قضى عليهم الدية فقال : حقنت أيمانكم دماءكم ولا يطل دم رجل مسلم ، قال nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي : إنما أخذه الشعبي عن nindex.php?page=showalam&ids=14057الحارث الأعور والحارث غير مقبول ، انتهى .
وله شاهد مرفوع من حديث أبي سعيد عند أحمد nindex.php?page=hadith&LINKID=891327أن قتيلا وجد بين حيين فأمر النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يقاس إلى أيهما أقرب ، فألقى ديته على الأقرب ، ولكن سنده ضعيف ، وقال عبد الرزاق في مصنفه : قلت nindex.php?page=showalam&ids=16524لعبيد الله بن عمر العمري : أعلمت أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أقاد بالقسامة؟ قال : لا ، قلت : فأبو بكر؟ قال : لا ، قلت فعمر؟ قال : لا ، قلت فلم تجترئون عليها؟ فسكت .
وأخرج nindex.php?page=showalam&ids=13933البيهقي من طريق القاسم بن عبد الرحمن أن عمر قال : القسامة توجب العقل ولا تسقط الدم ، واستدل به الحنفية على جواز nindex.php?page=treesubj&link=15294_15283_9476سماع الدعوى في القتل على غير معين لأن الأنصار ادعوا على اليهود أنهم قتلوا صاحبهم وسمع النبي - صلى الله عليه وسلم - دعواهم ، ورد بأن الذي ذكره الأنصار أولا ليس على صورة الدعوى بين الخصمين لأن من شرطها إذا لم يحضر المدعى عليه أن يتعذر حضوره ، سلمنا ، ولكن النبي - صلى الله عليه وسلم - قد بين لهم أن الدعوى إنما تكون على واحد لقوله : " nindex.php?page=hadith&LINKID=891328تقسمون على رجل منهم فيدفع إليكم برمته " ، واستدل بقوله : " على رجل منهم " على أن nindex.php?page=treesubj&link=9476القسامة إنما تكون على رجل واحد وهو قول أحمد ومشهور قول مالك .
وقال الجمهور : يشترط أن تكون على معين سواء كان واحدا أو أكثر واختلفوا هل يختص القتل بواحد أو يقتل الكل؟ وقد تقدم البحث فيه ، وقال أشهب : لهم أن يحلفوا على جماعة ويختاروا واحدا للقتل ويسجن الباقون عاما ويضربون مائة مائة ، وهو قول لم يسبق إليه .
وفيه أن nindex.php?page=treesubj&link=9476الحلف في القسامة لا يكون إلا مع الجزم بالقاتل ، والطريق إلى ذلك المشاهدة وإخبار من يوثق به مع القرينة الدالة على ذلك ، وفيه أن من [ ص: 248 ] توجهت عليه اليمين فنكل عنها لا يقضى عليه حتى يرد اليمين على الآخر وهو المشهور عند الجمهور ، وعند أحمد والحنفية يقضى عليه دون رد اليمين .
وفيه أن nindex.php?page=treesubj&link=9507أيمان القسامة خمسون يمينا واختلف في عدد الحالفين فقال nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي : لا يجب الحق حتى يحلف الورثة خمسين يمينا سواء قلوا أم كثروا فلو كان بعدد الأيمان حلف كل واحد منهم يمينا وإن كانوا أقل أو نكل بعضهم ردت الأيمان على الباقين فإن لم يمكن إلا واحد حلف خمسين يمينا واستحق حتى لو كان من يرث بالفرض والتعصيب أو بالنسب والولاء حلف واستحق .
وقال مالك : إن كان ولي الدم واحدا ضم إليه آخر من العصبة ولا يستعان بغيرهم وإن كان الأولياء أكثر حلف منهم خمسون ، وقال الليث : لم أسمع أحدا يقول إنها تنزل عن ثلاثة أنفس ، وقال الزهري عن nindex.php?page=showalam&ids=15990سعيد بن المسيب : أول من نقص القسامة عن خمسين معاوية . قال الزهري : وقضى به عبد الملك ثم رده عمر بن عبد العزيز إلى الأمر الأول .
واستدل به على nindex.php?page=treesubj&link=18076تقديم الأسن في الأمر المهم إذا كانت فيه أهلية ذلك لا ما إذا كان عريا عن ذلك ، وعلى ذلك يحمل الأمر بتقديم الأكبر في حديث الباب إما لأن ولي الدم لم يكن متأهلا فأقام الحاكم قريبه مقامه في الدعوى وإما لغير ذلك .
وفيه التأنيس والتسلية لأولياء المقتول لا أنه حكم على الغائبين لأنه لم يتقدم صورة دعوى على غائب وإنما وقع الإخبار بما وقع فذكر لهم قصة الحكم على التقديرين ومن ثم كتب إلى اليهود بعد أن دار بينهم الكلام المذكور ، ويؤخذ منه أن nindex.php?page=treesubj&link=15293_15301مجرد الدعوى لا توجب إحضار المدعى عليه ، لأن في إحضاره مشغلة عن أشغاله وتضييعا لماله من غير موجب ثابت لذلك ، أما لو ظهر ما يقوي الدعوى من شبهة ظاهرة فهل يسوغ استحضار الخصم أو لا؟ محل نظر ، والراجح أن ذلك يختلف بالقرب والبعد وشدة الضرر وخفته .
وفيه الاكتفاء بالمكاتبة وبخبر الواحد مع إمكان المشافهة .
وفيه أن اليمين قبل توجيهها من الحاكم لا أثر لها لقول اليهود في جوابهم : والله ما قتلنا ، وفي قولهم : لا نرضى بأيمان اليهود استبعادا لصدقهم لما عرفوه من إقدامهم على الكذب وجراءتهم على الأيمان الفاجرة ، واستدل به على أن nindex.php?page=treesubj&link=9468_9463الدعوى في القسامة لا بد فيها من عداوة أو لوث ، واختلف في سماع هذه الدعوى ولو لم توجب القسامة ، فعن أحمد روايتان ، وبسماعها قال nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي لعموم حديث " nindex.php?page=hadith&LINKID=891329اليمين على المدعى عليه " بعد قوله : " nindex.php?page=hadith&LINKID=891330لو يعطى الناس بدعواهم لادعى قوم دماء رجال وأموالهم " ولأنها دعوى في حق آدمي فتسمع ويستحلف وقد يقر فيثبت الحق في قتله ولا يقبل رجوعه عنه ، فلو نكل ردت على المدعي واستحق القود في العمد والدية في الخطإ .
وعن الحنفية لا ترد اليمين ، وهي رواية عن أحمد ، واستدل به على أن nindex.php?page=treesubj&link=9514المدعين والمدعى عليهم إذا نكلوا عن اليمين وجبت الدية في بيت المال وقد تقدم ما فيه قريبا ، واستدل به على أن nindex.php?page=treesubj&link=9499_9500من يحلف في القسامة لا يشترط أن يكون رجلا ولا بالغا لإطلاق قوله : " خمسين منكم وبه قال ربيعة nindex.php?page=showalam&ids=16004والثوري nindex.php?page=showalam&ids=15124والليث nindex.php?page=showalam&ids=13760والأوزاعي وأحمد ، وقال مالك : nindex.php?page=treesubj&link=9501لا مدخل للنساء في القسامة لأن المطلوب في القسامة القتل ولا يسمع من النساء .
وقال nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي : لا يحلف في القسامة إلا الوارث البالغ لأنها يمين في دعوى حكمية فكانت كسائر الأيمان ولا فرق في ذلك بين الرجل والمرأة ، واختلف في القسامة هل هي معقولة المعنى فيقاس عليها أو لا والتحقيق أنها معقولة المعنى لكنه خفي ومع ذلك فلا يقاس عليها لأنها لا نظير لها في الأحكام ، وإذا قلنا إن المبدأ فيها يمين المدعي فقد خرجت عن سنن القياس ، وشرط القياس أن لا يكون معدولا به عن سنن القياس كشهادة خزيمة .
( تنبيه ) :
نبه ابن المنير في الحاشية على النكتة في كون nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري لم يورد في هذا الباب الطريق الدالة على تحليف المدعي ، وهي مما خالفت فيه القسامة بقية الحقوق فقال : مذهب nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري تضعيف القسامة ، فلهذا [ ص: 249 ] صدر الباب بالأحاديث الدالة على أن اليمين في جانب المدعى عليه ، وأورد طريق سعيد بن عبيد وهو جار على القواعد ، وإلزام المدعي البينة ليس من خصوصية القسامة في شيء ، ثم ذكر حديث القسامة الدال على خروجها عن القواعد بطريق العرض في كتاب الموادعة والجزية فرارا من أن يذكرها هنا فيغلط المستدل بها على اعتقاد nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري ، قال : وهذا الإخفاء مع صحة القصد ليس من قبيل كتمان العلم .
قلت : الذي يظهر لي أن nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري لا يضعف القسامة من حيث هي ، بل يوافق nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي في أنه لا قود فيها ، ويخالفه في أن الذي يحلف فيها هو المدعي ، بل يرى أن الروايات اختلفت في ذلك في قصة الأنصار ويهود خيبر فيرد المختلف إلى المتفق عليه من أن اليمين على المدعى عليه فمن ثم أورد رواية سعيد بن عبيد في " باب القسامة " وطريق يحيى بن سعيد في باب آخر ، وليس في شيء من ذلك تضعيف أصل القسامة ، والله أعلم .
وادعى بعضهم أن قوله : " nindex.php?page=hadith&LINKID=891331تحلفون وتستحقون " استفهام إنكار واستعظام للجمع بين الأمرين ، وتعقب بأنهم لم يبدءوا بطلب اليمين حتى يصح الإنكار عليهم ، وإنما هو استفهام تقرير وتشريع .
[ ص: 240 ] قوله : ( باب القسامة ) بفتح القاف وتخفيف المهملة هي مصدر أقسم قسما وقسامة ، وهي الأيمان تقسم على أولياء القتيل إذا ادعوا الدم أو على المدعى عليهم الدم ، وخص القسم على الدم بلفظ القسامة ، وقال إمام الحرمين : nindex.php?page=treesubj&link=9458القسامة عند أهل اللغة اسم للقوم الذين يقسمون ، وعند الفقهاء اسم للأيمان .
وقال في المحكم : القسامة الجماعة يقسمون على الشيء أو يشهدون به . ويمين القسامة منسوب إليهم ثم أطلقت على الأيمان نفسها .
قوله : ( وقال الأشعث بن قيس : قال النبي - صلى الله عليه وسلم - : شاهداك أو يمينه ) هو طرف من حديث تقدم موصولا تاما في كتاب الشهادات ثم في كتاب الأيمان والنذور مع شرحه ، وأشار المصنف بذكره هنا إلى ترجيح رواية سعيد بن عبيد في حديث الباب أن nindex.php?page=treesubj&link=9490الذي يبدأ في يمين القسامة المدعى عليهم كما سيأتي البحث فيه .
قوله : ( وقال nindex.php?page=showalam&ids=12531ابن أبي مليكة : لم يقد ) بضم أوله والقاف من أقاد إذا اقتص ، وقد وصله حماد بن سلمة في مصنفه ، ومن طريقه ابن المنذر ، قال حماد عن nindex.php?page=showalam&ids=12531ابن أبي مليكة : " سألني عمر بن عبد العزيز عن القسامة فأخبرته أن عبد الله بن الزبير أقاد بها وأن nindex.php?page=showalam&ids=33معاوية يعني ابن أبي سفيان لم يقد بها " وهذا سند صحيح ، وقد توقف ابن بطال في ثبوته فقال : قد صح عن معاوية أنه أقاد بها ، ذكر ذلك عنه أبو الزناد في احتجاجه على أهل العراق .
قلت : هو في صحيفة nindex.php?page=showalam&ids=12458عبد الرحمن بن أبي الزناد عن أبيه ، ومن طريقه أخرجه nindex.php?page=showalam&ids=13933البيهقي قال : " حدثني خارجة بن [ ص: 241 ] زيد بن ثابت قال : قتل رجل من الأنصار رجلا من بني العجلان ولم يكن على ذلك بينة ولا لطخ ، فأجمع رأي الناس على أن يحلف ولاة المقتول ثم يسلم إليهم فيقتلوه ، فركبت إلى معاوية في ذلك فكتب إلى سعيد بن العاص : إن كان ما ذكره حقا فافعل ما ذكروه ، فدفعت الكتاب إلى سعيد فأحلفنا خمسين يمينا ثم أسلمه إلينا " .
قلت : ويمكن الجمع بأن معاوية لم يقد بها لما وقعت له وكان الحكم في ذلك ، ولما وقعت لغيره وكل الأمر في ذلك إليه ونسب إليه أنه أقاد بها لكونه أذن في ذلك . وقد تمسك مالك بقول خارجة المذكور فأطلق أن القود بها إجماع ، ويحتمل أن يكون معاوية كان يرى القود بها ثم رجع عن ذلك أو بالعكس .
وقد أخرج الكرابيسي في " أدب القضاء " بسند صحيح عن الزهري عن nindex.php?page=showalam&ids=15990سعيد بن المسيب قصة أخرى قضى فيها معاوية بالقسامة لكن لم يصرح فيها بالقتل ، وقصة أخرى لمروان قضى فيها بالقتل ، وقضى nindex.php?page=showalam&ids=16491عبد الملك بن مروان بمثل قضاء أبيه .
قوله : ( وكتب عمر بن عبد العزيز إلخ ) وصله nindex.php?page=showalam&ids=16000سعيد بن منصور حدثنا هشيم ، حدثنا حميد الطويل قال : " كتب عدي بن أرطاة إلى عمر بن عبد العزيز في قتيل وجد في سوق البصرة ، فكتب إليه عمر - رحمه الله - أن من القضايا ما لا يقضى فيه إلى يوم القيامة وأن هذه القضية لمنهن " .
وأخرج ابن المنذر من وجه آخر عن حميد قال : وجد قتيل بين قشير وعائش فكتب فيه عدي بن أرطاة إلى عمر بن عبد العزيز فذكر نحوه ، وهذا أثر صحيح ، nindex.php?page=showalam&ids=16556وعدي بن أرطاة بفتح الهمزة وسكون الراء بعدها مهملة وهو فزاري من أهل دمشق .
قوله في الأثر المعلق ( وكان أمره ) بالتشديد ( على البصرة ) .
قلت : كانت ولاية عمر بن عبد العزيز لعدي على إمرة البصرة سنة تسع وتسعين ، وذكر خليفة أنه قتل سنة ثنتين ومائة . وقوله : " من بيوت السمانين " بتشديد الميم أي الذين يبيعون السمن ، وقد اختلف على عمر بن عبد العزيز في القود بالقسامة كما اختلف على معاوية ، فذكر ابن بطال أن في " مصنف حماد بن سلمة " عن nindex.php?page=showalam&ids=12531ابن أبي مليكة أن عمر بن عبد العزيز أقاد بالقسامة في إمرته على المدينة .
قلت : ويجمع بأنه كان يرى بذلك لما كان أميرا على المدينة ثم رجع لما ولي الخلافة ، ولعل سبب ذلك ما سيأتي في آخر الباب من قصة أبي قلابة حيث احتج على عدم القود بها ، فكأنه وافقه على ذلك .
وأخرج ابن المنذر من طريق الزهري قال : " قال لي عمر بن عبد العزيز : إني أريد أن أدع القسامة ، يأتي رجل من أرض كذا وآخر من أرض كذا فيحلفون على ما لا يرون ، فقلت : إنك إن تتركها يوشك أن الرجل يقتل عند بابك فيبطل دمه ، وإن للناس في القسامة لحياة " ، وسبق عمر بن عبد العزيز إلى إنكار القسامة nindex.php?page=showalam&ids=15959سالم بن عبد الله بن عمر فأخرج ابن المنذر عنه أنه كان يقول " بالقوم يحلفون على أمر لم يروه ولم يحضروه ، ولو كان لي أمر لعاقبتهم ولجعلتهم نكالا ولم أقبل لهم شهادة " وهذا يقدح في نقل إجماع أهل المدينة على nindex.php?page=treesubj&link=9493القود بالقسامة فإن سالما من أجل فقهاء المدينة .
وأخرج ابن المنذر أيضا عن ابن عباس أن القسامة لا يقاد بها ، وأخرج ابن أبي شيبة من طريق nindex.php?page=showalam&ids=12354إبراهيم النخعي قال : القود بالقسامة جور ، ومن طريق nindex.php?page=showalam&ids=14152الحكم بن عتيبة أنه كان لا يرى القسامة شيئا .
ومحصل الاختلاف في القسامة هل يعمل بها أو لا؟ وعلى الأول فهل توجب القود أو الدية ، وهل يبدأ بالمدعين أو المدعى عليهم؟ واختلفوا أيضا في شرطها .
قوله : ( سعيد بن عبيد ) هو الطائي الكوفي يكنى أبا هذيل ، روى عنه الثوري وغيره من الأكابر ، وأبو نعيم الراوي عنه هنا هو آخر من روى عنه ، وثقه أحمد nindex.php?page=showalam&ids=17336وابن معين وآخرون ، وقال الآجري عن أبي داود : كان شعبة [ ص: 242 ] يتمنى لقاءه ، وفي طبقته سعيد بن عبيد الهنائي بضم الهاء وتخفيف النون وهمز ومد بصري صدوق أخرج له الترمذي nindex.php?page=showalam&ids=15397والنسائي .
قوله : ( عن nindex.php?page=showalam&ids=15547بشير ) بالموحدة والمعجمة مصغر ابن يسار بتحتانية ثم مهملة خفيفة لا أعرف اسم جده ، وفي رواية مسلم من طريق ابن نمير عن سعيد بن عبيد " حدثنا nindex.php?page=showalam&ids=15547بشير بن يسار الأنصاري " .
قلت : وهو من موالي بني حارثة من الأنصار ، قال ابن إسحاق : كان شيخا كبيرا فقيها أدرك عامة الصحابة ووثقه nindex.php?page=showalam&ids=17336يحيى بن معين nindex.php?page=showalam&ids=15397والنسائي وكناه محمد بن إسحاق في روايته أبا كيسان .
قوله : ( زعم أن رجلا من الأنصار يقال له سهل بن أبي حثمة ) بفتح المهملة وسكون المثلثة ، ولم يقع في رواية ابن نمير زعم بل عنده عن سهل بن أبي حثمة الأنصاري أنه أخبره ، وكذا لأبي نعيم في المستخرج من وجه آخر عن أبي نعيم شيخ nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري ، واسم أبي حثمة عامر بن ساعدة بن عامر ويقال اسم أبيه عبد الله فاشتهر هو بالنسبة إلى جده وهو من بني حارثة بطن من الأوس .
قوله : ( أن نفرا من قومه ) سمى يحيى بن سعيد الأنصاري في روايته عن بشير بن يسار منهم اثنين ، فتقدم في الجزية من طريق بشر بن المفضل عن يحيى بهذا السند : " انطلق عبد الله بن سهل ومحيصة بن مسعود بن زيد " .
وفي الأدب من رواية حماد بن زيد عن يحيى عن بشير " عن سهل بن أبي حثمة nindex.php?page=showalam&ids=46ورافع بن خديج أنهما حدثا أن عبد الله بن سهل ومحيصة بن مسعود انطلقا " ، وعند مسلم من رواية الليث عن يحيى عن بشير عن سهل " قال يحيى وحسبت أنه قال : nindex.php?page=showalam&ids=46ورافع بن خديج أنهما قالا خرج عبد الله بن سهل بن زيد ومحيصة بن مسعود بن زيد " ، ونحوه عنده من رواية هشيم عن يحيى لكن لم يذكر رافعا .
ولفظه عن بشير بن يسار " أن رجلا من الأنصار من بني حارثة يقال له عبد الله بن سهل بن زيد انطلق هو وابن عم له يقال له محيصة بن مسعود بن زيد " ، وأسنده في آخره عن سهل بن أبي حثمة به ، وثبت ذكر رافع بن خديج في هذا الحديث غير مسمى عند أبي داود من طريق أبي ليلى بن عبد الله بن عبد الرحمن بن سهل " عن سهل بن أبي حثمة أنه أخبره هو ورجل من كبراء قومه " .
وعند ابن أبي عاصم من طريق إسماعيل بن عياش عن يحيى عن بشير : " عن سهل ورافع وسويد بن النعمان أن القسامة كانت فيهم في بني حارثة فذكر بشير عنهم أن عبد الله بن سهل خرج " فذكر الحديث ، ومحيصة بضم الميم وفتح المهملة وتشديد التحتانية مكسورة بعدها صاد مهملة وكذا ضبط أخيه حويصة وحكي التخفيف في الاسمين معا ورجحه طائفة .
قوله : ( انطلقوا إلى خيبر فتفرقوا فيها ) في رواية يحيى بن سعيد " nindex.php?page=hadith&LINKID=891295انطلقا إلى خيبر فتفرقا " ، وتحمل رواية الباب على أنه كان معهما تابع لهما ، وقد وقع في رواية عبد بن إسحاق عن بشير بن يسار عن ابن أبي عاصم " nindex.php?page=hadith&LINKID=891296خرج عبد الله بن سهل في أصحاب له يمتارون تمرا " ، زاد nindex.php?page=showalam&ids=16036سليمان بن بلال عند مسلم في روايته عن يحيى بن سعيد " nindex.php?page=hadith&LINKID=891297في زمن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهي يومئذ صلح وأهلها يهود ، وقد تقدم بيان ذلك في المغازي ، والمراد أن ذلك وقع بعد فتحها ، فإنها لما فتحت أقر النبي - صلى الله عليه وسلم - أهلها فيها على أن يعملوا في المزارع بالشطر مما يخرج منها كما تقدم بيانه . وفي رواية أبي ليلى بن عبد الله " خرج إلى خيبر " .
قوله : ( فوجدوا أحدهم قتيلا ) في رواية بشر بن المفضل " nindex.php?page=hadith&LINKID=891298فأتى محيصة إلى عبد الله بن سهل وهو يتشحط في دمه قتيلا " أي يضطرب فيتمرغ في دمه فدفنه ، وفي رواية الليث " nindex.php?page=hadith&LINKID=891299فإذا محيصة يجد عبد الله بن [ ص: 243 ] سهل قتيلا فدفنه " ، وفي رواية nindex.php?page=showalam&ids=16036سليمان بن بلال " nindex.php?page=hadith&LINKID=891300فوجد عبد الله بن سهل مقتولا في سربه فدفنه صاحبه " ، وفي رواية أبي ليلى " nindex.php?page=hadith&LINKID=891301فأخبر محيصة أن عبد الله قتل وطرح في فقير " بفاء مفتوحة ثم قاف مكسورة أي حفيرة .
قوله : ( فقالوا للذين وجد فيهم قد قتلتم صاحبنا ، قالوا ما قتلنا ولا علمنا قاتلا ) في رواية أبي ليلى " nindex.php?page=hadith&LINKID=891302فأتى محيصة يهود فقال : أنتم والله قتلتموه ، قالوا والله ما قتلناه " .
قوله : ( فانطلقوا إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم ) في رواية حماد بن زيد " nindex.php?page=hadith&LINKID=891303فجاء عبد الرحمن بن سهل وحويصة ومحيصة ابنا مسعود إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فتكلموا في أمر صاحبهم " .
وفي رواية nindex.php?page=showalam&ids=16036سليمان بن بلال " nindex.php?page=hadith&LINKID=891304فأتى أخو المقتول عبد الرحمن ومحيصة وحويصة فذكروا لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - شأن عبد الله حيث قتل " ، وفي رواية الليث " nindex.php?page=hadith&LINKID=891305ثم أقبل محيصة إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - هو وحويصة وعبد الرحمن بن سهل " ، زاد أبو ليلى في روايته " وهو - أي حويصة - أكبر منه ، أي من محيصة .
قوله : ( فقال : الكبر الكبر ) بضم الكاف وسكون الموحدة وبالنصب فيهما على الإغراء ، زاد في رواية يحيى بن سعيد " nindex.php?page=hadith&LINKID=891306فبدأ عبد الرحمن يتكلم وكان أصغر القوم " ، زاد حماد بن زيد عن يحيى عند مسلم " في أمر أخيه " ، وفي رواية بشر " وهو أحدث القوم " ، وفي رواية الليث " nindex.php?page=hadith&LINKID=891307فذهب عبد الرحمن يتكلم فقال كبر الكبر " . الأولى أمر والأخرى كالأول .
ومثله في رواية حماد بن زيد وزاد " أو قال يبدأ الأكبر " ، وفي رواية بشر بن المفضل " كبر كبر " بتكرار الأمر ، وكذا في رواية أبي ليلى وزاد " يريد السن " ، وفي رواية الليث " فسكت وتكلم صاحباه " ، وفي رواية بشر " وتكلما " .
قوله : ( تأتون بالبينة على من قتله ، قالوا : ما لنا بينة ) كذا في رواية سعيد بن عبيد ، ولم يقع في رواية يحيى بن سعيد الأنصاري ولا في رواية أبي قلابة الآتية في الحديث الذي بعده للبينة ذكر وإنما قال يحيى في رواية " nindex.php?page=hadith&LINKID=891308أتحلفون وتستحقون قاتلكم أو صاحبكم " هذه رواية بشر بن المفضل عنه ، وفي رواية حماد عنه " nindex.php?page=hadith&LINKID=891309أتستحقون قاتلكم أو صاحبكم بأيمان خمسين منكم " ، وفي رواية عند مسلم " nindex.php?page=hadith&LINKID=891310يقسم خمسون منكم على رجل منهم فيدفع برمته " ، وفي رواية nindex.php?page=showalam&ids=16036سليمان بن بلال " nindex.php?page=hadith&LINKID=891311تحلفون خمسين يمينا وتستحقون " .
وفي رواية ابن عيينة عن يحيى عند أبي داود " nindex.php?page=hadith&LINKID=891312تبرئكم يهود بخمسين يمينا تحلفون ، فبدأ بالمدعى عليهم لكن قال أبو داود إنه وهم ، كذا جزم بذلك ، وقد قال nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي : كان ابن عيينة لا يثبت أقدم النبي - صلى الله عليه وسلم - الأنصار في الأيمان أو اليهود ، فيقال له إن في هذا الحديث أنه قدم الأنصار فيقول هو ذاك وربما حدث به كذلك ولم يشك ، وفي رواية أبي ليلى " nindex.php?page=hadith&LINKID=891313فقال لحويصة ومحيصة وعبد الرحمن أتحلفون وتستحقون دم صاحبكم؟ فقالوا لا " ، وفي رواية أبي قلابة " nindex.php?page=hadith&LINKID=891314فأرسل إلى اليهود فدعاهم فقال أنتم قتلتم هذا؟ فقالوا : لا . فقال أترضون نفل خمسين من اليهود ما قتلوه " و نفل بفتح النون وسكون الفاء يأتي شرحه ، وزاد يحيى بن سعيد " كيف نحلف ولم نشهد ولم نر " ، وفي رواية حماد عنه " أمر لم نره " ، وفي رواية سليمان " ما شهدنا ولا حضرنا " .
قوله : ( قال فيحلفون ، قالوا لا نرضى بأيمان اليهود ) وفي رواية أبي ليلى " فقالوا ليسوا بمسلمين " ، وفي رواية يحيى بن سعيد " nindex.php?page=hadith&LINKID=891315فتبرئكم يهود بخمسين يمينا " أي يخلصونكم من الأيمان بأن يحلفوهم فإذا حلفوا انتهت الخصومة فلم يجب عليهم شيء وخلصتم أنتم من الأيمان ، " nindex.php?page=hadith&LINKID=891316قالوا كيف نأخذ بأيمان قوم كفار " ، وفي رواية الليث " نقبل " بدل " نأخذ " ، وفي رواية أبي قلابة " ما يبالون أن يقتلونا أجمعين ثم يحلفون " كذا في رواية [ ص: 244 ] سعيد بن عبيد لم يذكر عرض الأيمان على المدعين كما لم يقع في رواية يحيى بن سعيد طلب البينة أولا ، وطريق الجمع أن يقال حفظ أحدهم ما لم يحفظ الآخر ، فيحمل على أنه طلب البينة أولا فلم تكن لهم بينة ، فعرض عليهم الأيمان فامتنعوا ، فعرض عليهم تحليف المدعى عليهم فأبوا .
وأما قول بعضهم إن ذكر البينة وهم لأنه - صلى الله عليه وسلم - قد علم أن خيبر حينئذ لم يكن بها أحد من المسلمين فدعوى نفي العلم مردودة فإنه وإن سلم أنه لم يسكن مع اليهود فيها أحد من المسلمين لكن في نفس القصة أن جماعة من المسلمين خرجوا يمتارون تمرا ، فيجوز أن تكون طائفة أخرى خرجوا لمثل ذلك وإن لم يكن في نفس الأمر كذلك ، وقد وجدنا لطلب البينة في هذه القصة شاهدا من وجه آخر أخرجه nindex.php?page=showalam&ids=15397النسائي من طريق عبد الله بن الأخنس عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده " nindex.php?page=hadith&LINKID=891317أن ابن محيصة الأصغر أصبح قتيلا على أبواب خيبر فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أقم شاهدين على من قتله أدفعه إليك برمته ، قال : يا رسول الله أنى أصيب شاهدين وإنما أصبح قتيلا على أبوابهم؟ قال فتحلف خمسين قسامة ، قال فكيف أحلف على ما لا أعلم ، قال تستحلف خمسين منهم ، قال كيف وهم يهود " وهذا السند صحيح حسن وهو نص في الحمل الذي ذكرته فتعين المصير إليه .
وقد أخرج أبو داود أيضا من طريق عباية بن رفاعة عن جده رافع بن خديج قال : " nindex.php?page=hadith&LINKID=891318أصبح رجل من الأنصار بخيبر مقتولا ، فانطلق أولياؤه إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال : شاهدان يشهدان على قتل صاحبكم ، قال : لم يكن ثم أحد من المسلمين وإنما هم اليهود وقد يجترئون على أعظم من هذا " .
قوله : ( فكره رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يطل ) بضم أوله وفتح الطاء وتشديد اللام أي يهدر .
قوله : ( فوداه مائة ) في رواية الكشميهني " بمائة " ، ووقع في رواية أبي ليلى " فوداه من عنده " ، وفي رواية يحيى بن سعيد " nindex.php?page=hadith&LINKID=891319فعقله النبي - صلى الله عليه وسلم - من عنده " أي أعطى ديته ، وفي رواية حماد بن زيد " من قبله " بكسر القاف وفتح الموحدة أي من جهته ، وفي رواية الليث عنه " nindex.php?page=hadith&LINKID=891320فلما رأى ذلك النبي - صلى الله عليه وسلم - أعطى عقله " .
قوله : ( من إبل الصدقة ) زعم بعضهم أنه غلط من سعيد بن عبيد لتصريح يحيى بن سعيد بقوله : " من عنده " وجمع بعضهم بين الروايتين باحتمال أن يكون اشتراها من إبل الصدقة بمال دفعه من عنده ، أو المراد بقوله : " من عنده " أي بيت المال المرصد للمصالح ، وأطلق عليه صدقة باعتبار الانتفاع به مجانا لما في ذلك من قطع المنازعة وإصلاح ذات البين ، وقد حمله بعضهم على ظاهره فحكى القاضي عياض عن بعض العلماء جواز nindex.php?page=treesubj&link=3131_3242صرف الزكاة في المصالح العامة واستدل بهذا الحديث وغيره .
قلت : وتقدم شيء من ذلك في كتاب الزكاة في الكلام على حديث أبي لاس قال : nindex.php?page=hadith&LINKID=891321حملنا النبي - صلى الله عليه وسلم - على إبل من إبل الصدقة في الحج وعلى هذا فالمراد بالعندية كونها تحت أمره وحكمه ، وللاحتراز من جعل ديته على اليهود أو غيرهم .
قال القرطبي في " المفهم " فعل - صلى الله عليه وسلم - ذلك على مقتضى كرمه وحسن سياسته وجلبا للمصلحة ودرءا للمفسدة على سبيل التأليف ، ولا سيما عند تعذر الوصول إلى استيفاء الحق ، ورواية من قال " من عنده " أصح من رواية من قال " nindex.php?page=hadith&LINKID=891322من إبل الصدقة " وقد قيل إنها غلط والأولى أن لا يغلط الراوي ما أمكن ، فيحتمل أوجها منها فذكر ما تقدم وزاد : أن يكون تسلف ذلك من إبل الصدقة ليدفعه من مال الفيء ، أو أن أولياء القتيل كانوا مستحقين للصدقة فأعطاهم ، أو أعطاهم ذلك من سهم المؤلفة استئلافا لهم واستجلابا لليهود ، انتهى .
وزاد أبو ليلى في روايته " قال سهل فركضتني ناقة " ، وفي رواية حماد بن زيد عن يحيى " أدركته ناقة من تلك الإبل [ ص: 245 ] فدخلت مربدا لهم فركضتني برجلها " .
وفي رواية شيبان بن بلال " لقد ركضتني ناقة من تلك الفرائض بالمربد " ، وفي رواية محمد بن إسحاق " فوالله ما أنسى ناقة بكرة منها حمراء ضربتني وأنا أحوزها " ، وفي حديث الباب من الفوائد nindex.php?page=treesubj&link=9459مشروعية القسامة .
قال القاضي عياض : هذا الحديث أصل من أصول الشرع وقاعدة من قواعد الأحكام وركن من أركان مصالح العباد ، وبه أخذ كافة الأئمة والسلف من الصحابة والتابعين وعلماء الأمة وفقهاء الأنصار من الحجازيين والشاميين والكوفيين وإن اختلفوا في صورة الأخذ به ، وروي التوقف عن الأخذ به عن طائفة فلم يروا القسامة ولا أثبتوا بها في الشرع حكما ، وهذا مذهب nindex.php?page=showalam&ids=14152الحكم بن عتيبة وأبي قلابة nindex.php?page=showalam&ids=15959وسالم بن عبد الله nindex.php?page=showalam&ids=16049وسليمان بن يسار وقتادة nindex.php?page=showalam&ids=14429ومسلم بن خالد وإبراهيم بن علية وإليه ينحو nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري ، وروي عن عمر بن عبد العزيز باختلاف عنه .
قلت : وهذا ينافي ما صدر به كلامه أن كافة الأئمة أخذوا بها ، وقد تقدم النقل عمن لم يقل بمشروعيتها في أول الباب ، وفيهم من لم يذكره القاضي ، قال : واختلف قول مالك في nindex.php?page=treesubj&link=9462_9459مشروعية القسامة في قتل الخطإ ، واختلف القائلون بها في العمد هل يجب بها القود أو الدية؟ فمذهب معظم الحجازيين إيجاب القود إذا كملت شروطها ، وهو قول الزهري وربيعة nindex.php?page=showalam&ids=11863وأبي الزناد nindex.php?page=showalam&ids=16867ومالك nindex.php?page=showalam&ids=15124والليث nindex.php?page=showalam&ids=13760والأوزاعي nindex.php?page=showalam&ids=13790والشافعي في أحد قوليه وأحمد وإسحاق nindex.php?page=showalam&ids=11956وأبي ثور وداود ، وروي ذلك عن بعض الصحابة كابن الزبير ، واختلف عن عمر بن عبد العزيز .
وقال أبو الزناد : قتلنا بالقسامة والصحابة متوافرون ، إني لأرى أنهم ألف رجل فما اختلف منهم اثنان .
قلت : إنما نقل ذلك أبو الزناد عن nindex.php?page=showalam&ids=15786خارجة بن زيد بن ثابت كما أخرجه nindex.php?page=showalam&ids=16000سعيد بن منصور nindex.php?page=showalam&ids=13933والبيهقي من رواية nindex.php?page=showalam&ids=12458عبد الرحمن بن أبي الزناد عن أبيه ، وإلا nindex.php?page=showalam&ids=11863فأبو الزناد لا يثبت أنه رأى عشرين من الصحابة فضلا عن ألف .
ثم قال القاضي : وحجتهم حديث الباب : يعني من رواية يحيى بن سعيد التي أشرت إليها ، قال : فإن مجيئه من طرق صحاح لا يدفع ، وفيه تبرئة المدعين ثم ردها حين أبوا على المدعى عليهم واحتجوا بحديث nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة " nindex.php?page=hadith&LINKID=891323البينة على المدعي واليمين على المدعى عليه إلا القسامة " ، ويقول مالك : أجمعت الأئمة في القديم والحديث على أن المدعين يبدءون في القسامة ، ولأن جنبة المدعي إذا قويت بشهادة أو شبهة صارت اليمين له .
وهاهنا الشبهة قوية ، وقالوا هذه سنة بحيالها وأصل قائم برأسه لحياة الناس وردع المعتدين ، وخالفت الدعاوى في الأموال فهي على ما ورد فيها ، وكل أصل يتبع ويستعمل ولا تطرح سنة لسنة ، وأجابوا عن رواية سعيد بن عبيد - يعني المذكورة في حديث هذا الباب بقول أهل الحديث إنه وهم من رواية أسقط من السياق تبرئة المدعين باليمين لكونه لم يذكر فيه رد اليمين ، واشتملت رواية يحيى بن سعيد على زيادة من ثقة حافظ فوجب قبولها وهي تقضي على من لم يعرفها .
قلت : وسيأتي مزيد بيان لذلك .
قال القرطبي : الأصل في الدعاوى أن اليمين على المدعى عليه ، وحكم القسامة أصل بنفسه لتعذر إقامة البينة على القتل فيها غالبا ، فإن القاصد للقتل يقصد الخلوة ويترصد الغفلة ، وتأيدت بذلك الرواية الصحيحة المتفق عليها وبقي ما عدا القسامة على الأصل ، ثم ليس ذلك خروجا عن الأصل بالكلية بل لأن المدعى عليه إنما كان القول قوله لقوة جانبه بشهادة الأصل له بالبراءة مما ادعي عليه ، وهو موجود في القسامة في جانب المدعي لقوة جانبه باللوث الذي يقوي دعواه .
قال عياض : وذهب من قال بالدية إلى تقديم المدعى عليهم في اليمين ، إلا nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي وأحمد فقالا بقول الجمهور : يبدأ بأيمان المدعين وردها إن أبوا على المدعى عليهم ، وقال بعكسه أهل الكوفة وكثير من أهل البصرة وبعض أهل المدينة nindex.php?page=showalam&ids=13760والأوزاعي فقال يستحلف من أهل القرية خمسين رجلا خمسين يمينا ما قتلناه ولا علمنا من قتله . فإن حلفوا برئوا وإن نقصت قسامتهم عن عدد أو نكلوا حلف المدعون على رجل واحد واستحقوا ، فإن نقصت قسامتهم قاده دية ، وقال nindex.php?page=showalam&ids=16542عثمان البتي من فقهاء البصرة : ثم يبدأ بالمدعى عليهم [ ص: 246 ] بالأيمان فإن حلفوا فلا شيء عليهم .
وقال الكوفيون : إذا حلفوا وجبت عليهم الدية ، وجاء ذلك عن عمر ، قال واتفقوا كلهم على أنها لا تجب بمجرد دعوى الأولياء حتى يقترن بها شبهة يغلب على الظن الحكم بها ، واختلفوا في تصوير الشبهة على سبعة أوجه فذكرها ، وملخصها : الأول أن يقول المريض دمي عند فلان أو ما أشبه ذلك ، ولو لم يكن به أثر أو جرح فإن ذلك يوجب القسامة عند مالك nindex.php?page=showalam&ids=15124والليث لم يقل به غيرهما .
واشترط بعض المالكية الأثر أو الجرح ، واحتج لمالك بقصة بقرة بني إسرائيل ، قال : ووجه الدلالة منها أن الرجل حي فأخبر بقاتله ، وتعقب بخفاء الدلالة منها ، وقد بالغ nindex.php?page=showalam&ids=13064ابن حزم في رد ذلك ، واحتجوا بأن القاتل يتطلب حالة غفلة الناس فتتعذر البينة ، فلو لم يعمل بقول المضروب لأدى ذلك إلى إهدار دمه لأنها حالة يتحرى فيها اجتناب الكذب ويتزود فيها من البر والتقوى ، وهذا إنما يأتي في حالة المحتضر .
الثانية : أن يشهد من لا يكمل النصاب بشهادته كالواحد أو جماعة غير عدول قال بها المذكوران ووافقهما nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي ومن تبعه .
الثالثة : أن يشهد عدلان بالضرب ثم يعيش بعده أياما ثم يموت منه من غير تخلل إفاقة ، فقال المذكوران : تجب فيه القسامة . وقال nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي : بل يجب القصاص بتلك الشهادة .
الرابعة : أن يوجد مقتول وعنده أو بالقرب منه من بيده آلة القتل وعليه أثر الدم مثلا ولا يوجد غيره فتشرع فيه القسامة عند مالك nindex.php?page=showalam&ids=13790والشافعي ، ويلتحق به أن تفترق جماعة عن قتيل .
الخامسة : أن يقتتل طائفتان فيوجد بينهما قتيل ففيه القسامة عند الجمهور ، وفي رواية عن مالك تختص القسامة بالطائفة التي ليس هو منها إلا إن كان من غيرهما فعلى الطائفتين .
السادسة : المقتول في الزحمة ، وقد تقدم بيان الاختلاف فيه في باب مفرد .
السابعة : أن يوجد قتيل في محلة أو قبيلة ، فهذا يوجب القسامة عند الثوري nindex.php?page=showalam&ids=13760والأوزاعي nindex.php?page=showalam&ids=11990وأبي حنيفة وأتباعهم ، ولا يوجب القسامة عندهم سوى هذه الصورة ، وشرطها عندهم إلا الحنفية أن يوجد بالقتيل أثر ، وقال داود : لا تجرى القسامة إلا في العمد على أهل مدينة أو قرية كبيرة وهم أعداء للمقتول .
وذهب الجمهور إلى أنه لا قسامة فيه بل هو هدر لأنه قد يقتل ويلقى في المحلة ليتهموا ، وبه قال nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي ، وهو رواية عن أحمد ، إلا أن يكون في مثل القصة التي في حديث الباب فيتجه فيها القسامة لوجود العداوة .
ولم تر الحنفية ومن وافقهم لوثا يوجب القسامة إلا هذه الصورة ، وحجة الجمهور القياس على هذه الواقعة ، والجامع أن يقترن بالدعوى شيء يدل على صدق المدعى فيقسم معه ويستحق .
وقال ابن قدامة : ذهب الحنفية إلى أن nindex.php?page=treesubj&link=9490_9492القتيل إذا وجد في محل فادعى وليه على خمسين نفسا من موضع قتله فحلفوا خمسين يمينا ما قتلناه ولا علمنا له قاتلا فإن لم يجد خمسين كرر الأيمان على من وجد وتجب الدية على بقية أهل الخطة ، ومن لم يحلف من المدعى عليهم حبس حتى يحلف أو يقر ، واستدلوا بأثر عمر أنه أحلف خمسين نفسا خمسين يمينا وقضى بالدية عليهم ، وتعقب باحتمال أن يكونوا أقروا بالخطإ وأنكروا العمد وبأن الحنفية لا يعملون بخبر الواحد إذا خالف الأصول ولو كان مرفوعا فكيف احتجوا بما خالف الأصول بخبر واحد موقوف وأوجبوا اليمين على غير المدعى عليه ، واستدل به على القود في القسامة لقوله : " فتستحقون قاتلكم " ، وفي الرواية الأخرى " دم صاحبكم " .
قال ابن دقيق العيد : الاستدلال بالرواية التي فيها " فيدفع برمته " أقوى من الاستدلال بقوله : " دم صاحبكم " لأن قوله : " يدفع برمته " لفظ مستعمل في دفع القاتل للأولياء للقتل ، ولو أن الواجب الدية لبعد استعمال هذا اللفظ وهو في استعماله في تسليم القاتل أظهر ، والاستدلال بقوله : " دم صاحبكم " أظهر من الاستدلال بقوله : " قاتلكم " أو " صاحبكم " لأن هذا اللفظ لا بد فيه من إضمار ، فيحتمل أن يضمر دية صاحبكم احتمالا ظاهرا ، وأما بعد التصريح بالدية فيحتاج إلى تأويل اللفظ بإضمار بدل دم صاحبكم والإضمار على خلاف الأصل ولو احتيج إلى إضمار لكان حمله على ما يقتضي إراقة الدم أقرب .
[ ص: 247 ] وأما من قال يحتمل أن يكون قوله : " دم صاحبكم " هو القتيل لا القاتل فيرده قوله : " دم صاحبكم أو قاتلكم " ، وتعقب بأن القصة واحدة اختلفت ألفاظ الرواة فيها على ما تقدم بيانه فلا يستقيم الاستدلال بلفظ منها لعدم تحقق أنه اللفظ الصادر من النبي صلى الله عليه وسلم .
واستدل من قال بالقود أيضا بما أخرجه مسلم nindex.php?page=showalam&ids=15397والنسائي من طريق الزهري عن سليمان بن يسار nindex.php?page=showalam&ids=12031وأبي سلمة بن عبد الرحمن عن أناس من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - nindex.php?page=hadith&LINKID=891324أن القسامة كانت في الجاهلية وأقرها النبي - صلى الله عليه وسلم - على ما كانت عليه من الجاهلية وقضى بها بين ناس من الأنصار في قتيل ادعوه على يهود خيبر ، وهذا يتوقف على ثبوت أنهم كانوا في الجاهلية يقتلون في القسامة ، وعند أبي داود من طريق عبد الرحمن بن بجيد بموحدة وجيم مصغر قال : إن سهلا يعني ابن أبي حثمة وهم في الحديث أن رسول الله كتب إلى يهود " nindex.php?page=hadith&LINKID=891325إنه قد وجد بين أظهركم قتيل فدوه " فكتبوا يحلفون ما قتلناه ولا علمنا قاتلا ، قال فوداه من عنده ، وهذا رده nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي بأنه مرسل ، ويعارض ذلك ما أخرجه ابن منده في " الصحابة " من طريق مكحول : حدثني عمرو بن أبي خزاعة nindex.php?page=hadith&LINKID=891326أنه قتل فيهم قتيل على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فجعل القسامة على خزاعة بالله ما قتلنا ولا علمنا قاتلا فحلف كل منهم عن نفسه وغرم الدية ، وعمرو مختلف في صحبته .
وأخرج ابن أبي شيبة بسند جيد إلى nindex.php?page=showalam&ids=12354إبراهيم النخعي قال : كانت nindex.php?page=treesubj&link=9458_9459_30578القسامة في الجاهلية إذا وجد القتيل بين ظهري قوم أقسم منهم خمسين يمينا ، ما قتلنا ولا علمنا ، فإن عجزت الأيمان ردت عليهم ثم عقلوا ، وتمسك من قال لا يجب فيها إلا الدية بما أخرجه الثوري في جامعه nindex.php?page=showalam&ids=12508وابن أبي شيبة nindex.php?page=showalam&ids=16000وسعيد بن منصور بسند صحيح إلى الشعبي قال : وجد قتيل بين حيين من العرب فقال عمر : قيسوا ما بينهما فأيهما وجدتموه إليه أقرب فأحلفوهم خمسين يمينا وأغرموهم الدية ، وأخرجه nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي عن سفيان بن عيينة عن منصور عن الشعبي أن عمر كتب في قتيل وجد بين خيران ووادعة أن يقاس ما بين القريتين فإلى أيهما كان أقرب أخرج إليه منهم خمسون رجلا حتى يوافوه مكة فأدخلهم الحجر فأحلفهم ثم قضى عليهم الدية فقال : حقنت أيمانكم دماءكم ولا يطل دم رجل مسلم ، قال nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي : إنما أخذه الشعبي عن nindex.php?page=showalam&ids=14057الحارث الأعور والحارث غير مقبول ، انتهى .
وله شاهد مرفوع من حديث أبي سعيد عند أحمد nindex.php?page=hadith&LINKID=891327أن قتيلا وجد بين حيين فأمر النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يقاس إلى أيهما أقرب ، فألقى ديته على الأقرب ، ولكن سنده ضعيف ، وقال عبد الرزاق في مصنفه : قلت nindex.php?page=showalam&ids=16524لعبيد الله بن عمر العمري : أعلمت أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أقاد بالقسامة؟ قال : لا ، قلت : فأبو بكر؟ قال : لا ، قلت فعمر؟ قال : لا ، قلت فلم تجترئون عليها؟ فسكت .
وأخرج nindex.php?page=showalam&ids=13933البيهقي من طريق القاسم بن عبد الرحمن أن عمر قال : القسامة توجب العقل ولا تسقط الدم ، واستدل به الحنفية على جواز nindex.php?page=treesubj&link=15294_15283_9476سماع الدعوى في القتل على غير معين لأن الأنصار ادعوا على اليهود أنهم قتلوا صاحبهم وسمع النبي - صلى الله عليه وسلم - دعواهم ، ورد بأن الذي ذكره الأنصار أولا ليس على صورة الدعوى بين الخصمين لأن من شرطها إذا لم يحضر المدعى عليه أن يتعذر حضوره ، سلمنا ، ولكن النبي - صلى الله عليه وسلم - قد بين لهم أن الدعوى إنما تكون على واحد لقوله : " nindex.php?page=hadith&LINKID=891328تقسمون على رجل منهم فيدفع إليكم برمته " ، واستدل بقوله : " على رجل منهم " على أن nindex.php?page=treesubj&link=9476القسامة إنما تكون على رجل واحد وهو قول أحمد ومشهور قول مالك .
وقال الجمهور : يشترط أن تكون على معين سواء كان واحدا أو أكثر واختلفوا هل يختص القتل بواحد أو يقتل الكل؟ وقد تقدم البحث فيه ، وقال أشهب : لهم أن يحلفوا على جماعة ويختاروا واحدا للقتل ويسجن الباقون عاما ويضربون مائة مائة ، وهو قول لم يسبق إليه .
وفيه أن nindex.php?page=treesubj&link=9476الحلف في القسامة لا يكون إلا مع الجزم بالقاتل ، والطريق إلى ذلك المشاهدة وإخبار من يوثق به مع القرينة الدالة على ذلك ، وفيه أن من [ ص: 248 ] توجهت عليه اليمين فنكل عنها لا يقضى عليه حتى يرد اليمين على الآخر وهو المشهور عند الجمهور ، وعند أحمد والحنفية يقضى عليه دون رد اليمين .
وفيه أن nindex.php?page=treesubj&link=9507أيمان القسامة خمسون يمينا واختلف في عدد الحالفين فقال nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي : لا يجب الحق حتى يحلف الورثة خمسين يمينا سواء قلوا أم كثروا فلو كان بعدد الأيمان حلف كل واحد منهم يمينا وإن كانوا أقل أو نكل بعضهم ردت الأيمان على الباقين فإن لم يمكن إلا واحد حلف خمسين يمينا واستحق حتى لو كان من يرث بالفرض والتعصيب أو بالنسب والولاء حلف واستحق .
وقال مالك : إن كان ولي الدم واحدا ضم إليه آخر من العصبة ولا يستعان بغيرهم وإن كان الأولياء أكثر حلف منهم خمسون ، وقال الليث : لم أسمع أحدا يقول إنها تنزل عن ثلاثة أنفس ، وقال الزهري عن nindex.php?page=showalam&ids=15990سعيد بن المسيب : أول من نقص القسامة عن خمسين معاوية . قال الزهري : وقضى به عبد الملك ثم رده عمر بن عبد العزيز إلى الأمر الأول .
واستدل به على nindex.php?page=treesubj&link=18076تقديم الأسن في الأمر المهم إذا كانت فيه أهلية ذلك لا ما إذا كان عريا عن ذلك ، وعلى ذلك يحمل الأمر بتقديم الأكبر في حديث الباب إما لأن ولي الدم لم يكن متأهلا فأقام الحاكم قريبه مقامه في الدعوى وإما لغير ذلك .
وفيه التأنيس والتسلية لأولياء المقتول لا أنه حكم على الغائبين لأنه لم يتقدم صورة دعوى على غائب وإنما وقع الإخبار بما وقع فذكر لهم قصة الحكم على التقديرين ومن ثم كتب إلى اليهود بعد أن دار بينهم الكلام المذكور ، ويؤخذ منه أن nindex.php?page=treesubj&link=15293_15301مجرد الدعوى لا توجب إحضار المدعى عليه ، لأن في إحضاره مشغلة عن أشغاله وتضييعا لماله من غير موجب ثابت لذلك ، أما لو ظهر ما يقوي الدعوى من شبهة ظاهرة فهل يسوغ استحضار الخصم أو لا؟ محل نظر ، والراجح أن ذلك يختلف بالقرب والبعد وشدة الضرر وخفته .
وفيه الاكتفاء بالمكاتبة وبخبر الواحد مع إمكان المشافهة .
وفيه أن اليمين قبل توجيهها من الحاكم لا أثر لها لقول اليهود في جوابهم : والله ما قتلنا ، وفي قولهم : لا نرضى بأيمان اليهود استبعادا لصدقهم لما عرفوه من إقدامهم على الكذب وجراءتهم على الأيمان الفاجرة ، واستدل به على أن nindex.php?page=treesubj&link=9468_9463الدعوى في القسامة لا بد فيها من عداوة أو لوث ، واختلف في سماع هذه الدعوى ولو لم توجب القسامة ، فعن أحمد روايتان ، وبسماعها قال nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي لعموم حديث " nindex.php?page=hadith&LINKID=891329اليمين على المدعى عليه " بعد قوله : " nindex.php?page=hadith&LINKID=891330لو يعطى الناس بدعواهم لادعى قوم دماء رجال وأموالهم " ولأنها دعوى في حق آدمي فتسمع ويستحلف وقد يقر فيثبت الحق في قتله ولا يقبل رجوعه عنه ، فلو نكل ردت على المدعي واستحق القود في العمد والدية في الخطإ .
وعن الحنفية لا ترد اليمين ، وهي رواية عن أحمد ، واستدل به على أن nindex.php?page=treesubj&link=9514المدعين والمدعى عليهم إذا نكلوا عن اليمين وجبت الدية في بيت المال وقد تقدم ما فيه قريبا ، واستدل به على أن nindex.php?page=treesubj&link=9499_9500من يحلف في القسامة لا يشترط أن يكون رجلا ولا بالغا لإطلاق قوله : " خمسين منكم وبه قال ربيعة nindex.php?page=showalam&ids=16004والثوري nindex.php?page=showalam&ids=15124والليث nindex.php?page=showalam&ids=13760والأوزاعي وأحمد ، وقال مالك : nindex.php?page=treesubj&link=9501لا مدخل للنساء في القسامة لأن المطلوب في القسامة القتل ولا يسمع من النساء .
وقال nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي : لا يحلف في القسامة إلا الوارث البالغ لأنها يمين في دعوى حكمية فكانت كسائر الأيمان ولا فرق في ذلك بين الرجل والمرأة ، واختلف في القسامة هل هي معقولة المعنى فيقاس عليها أو لا والتحقيق أنها معقولة المعنى لكنه خفي ومع ذلك فلا يقاس عليها لأنها لا نظير لها في الأحكام ، وإذا قلنا إن المبدأ فيها يمين المدعي فقد خرجت عن سنن القياس ، وشرط القياس أن لا يكون معدولا به عن سنن القياس كشهادة خزيمة .
( تنبيه ) :
نبه ابن المنير في الحاشية على النكتة في كون nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري لم يورد في هذا الباب الطريق الدالة على تحليف المدعي ، وهي مما خالفت فيه القسامة بقية الحقوق فقال : مذهب nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري تضعيف القسامة ، فلهذا [ ص: 249 ] صدر الباب بالأحاديث الدالة على أن اليمين في جانب المدعى عليه ، وأورد طريق سعيد بن عبيد وهو جار على القواعد ، وإلزام المدعي البينة ليس من خصوصية القسامة في شيء ، ثم ذكر حديث القسامة الدال على خروجها عن القواعد بطريق العرض في كتاب الموادعة والجزية فرارا من أن يذكرها هنا فيغلط المستدل بها على اعتقاد nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري ، قال : وهذا الإخفاء مع صحة القصد ليس من قبيل كتمان العلم .
قلت : الذي يظهر لي أن nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري لا يضعف القسامة من حيث هي ، بل يوافق nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي في أنه لا قود فيها ، ويخالفه في أن الذي يحلف فيها هو المدعي ، بل يرى أن الروايات اختلفت في ذلك في قصة الأنصار ويهود خيبر فيرد المختلف إلى المتفق عليه من أن اليمين على المدعى عليه فمن ثم أورد رواية سعيد بن عبيد في " باب القسامة " وطريق يحيى بن سعيد في باب آخر ، وليس في شيء من ذلك تضعيف أصل القسامة ، والله أعلم .
وادعى بعضهم أن قوله : " nindex.php?page=hadith&LINKID=891331تحلفون وتستحقون " استفهام إنكار واستعظام للجمع بين الأمرين ، وتعقب بأنهم لم يبدءوا بطلب اليمين حتى يصح الإنكار عليهم ، وإنما هو استفهام تقرير وتشريع .