الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                          صفحة جزء
                          [ ص: 142 ] ( 5 ) تشكل الملائكة والجن ورؤيتهم في هذه الحالة :

                          قد ثبت عن أفضل البشر وأصدقهم من أنبياء الله وبعض أوليائه أنهم كانوا يرون الملائكة والجن في صور لطيفة أو كثيفة ، وثبت تمثلهم لهم بنص القرآن وغيره من كتب الوحي .

                          وقد صح أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم ير جبريل ملك الوحي في صورته التي خلقه الله - تعالى - عليها إلا مرتين ، وقد علم بالقطع أنه رآه في الصور التي كان يتشكل فيها مرارا تعد بالمئين أو أكثر ، وليست محصورة في عدد نزوله بآيات القرآن وسوره ، وقد كان من تلك الصور صورة دحية الكلبي - رضي الله عنه - ومنها صورة الرجل الغريب الذي سأل النبي - صلى الله عليه وسلم - عن الإسلام والإيمان إلخ ، وهذا النوع من الصور الكثيفة رآه فيه من حضر مجيئه من الصحابة - رضي الله عنهم - ومنها صور لطيفة لم يكن يراه فيها غير النبي - صلى الله عليه وسلم - وقوله في حديث الوحي الذي رواه الشيخان : " وأحيانا يتمثل لي الملك فيكلمني فأعي ما يقول " يشمل النوعين ، وورد أنه - صلى الله عليه وسلم - مثلت له الجنة والنار في عرض الحائط فرآهما ولم يرهما غيره ، ومعنى هذا أن الله - تعالى - أراه مثالا لهما ، وهذا غير تمثل الملك له بإرادته وعمله .

                          وقد رأى - صلى الله عليه وسلم - غير جبريل من الملائكة ، ورأى بعض الشياطين أيضا متمثلة في صور ، وكان يعبر عن ذلك بالرؤية ، فثبت بهذا أن الرؤية للشيء لا تقتضي رؤية حقيقته في الواقع ونفس الأمر ، وإن كان مخلوقا له جنس ينقسم إلى أنواع تحتها أصناف وشخوص لها أمثال .

                          فإذا كان المخلوق يرى مخلوقا مثله رؤية لا يدرك بها كنهه ، ولا يحيط بحقيقته ولا يشاركه فيها كل من له عينان مثله ، وهذا مما يؤمن به المعتزلة والشيعة والأباضية كغيرهم فهل يستنكر أن تكون رؤية الرب الذي ليس كمثله شيء بلا كيف ولا مثال ، وعلى غير المعهود في رؤية بعضنا لبعض كما استنكر هؤلاء الذين قال شاعرهم :


                          قد شبهوه بخلقه وتخوفوا شنع الورى فتستروا بالبلكفة

                          أم يصح مع هذا أن يصر بعض أهل السنة على تقييد رؤيته تعالى بالأبصار وأعين الرؤوس ، واستنكار تسميتها رؤية روحية مع الاتفاق بينهم على أن الإدراك بجميع أنواعه للنفس لا للجسد ، كما ترى توضيحه في المسألة التالية .

                          التالي السابق


                          الخدمات العلمية