الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                          وحدثني عن مالك عن ابن شهاب عن عطاء بن يزيد الليثي عن عبيد الله بن عدي بن الخيار أنه قال بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم جالس بين ظهراني الناس إذ جاءه رجل فساره فلم يدر ما ساره به حتى جهر رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا هو يستأذنه في قتل رجل من المنافقين فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم حين جهر أليس يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله فقال الرجل بلى ولا شهادة له فقال أليس يصلي قال بلى ولا صلاة له فقال صلى الله عليه وسلم أولئك الذين نهاني الله عنهم

                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                          415 415 - ( مالك ، عن ابن شهاب ، عن عطاء بن يزيد الليثي ) المدني نزيل الشام ، ثقة من رجال الجميع ، مات سنة خمس أو سبع ومائة وقد جاوز الثمانين ( عن عبيد الله ) بضم العين ( ابن عدي بن الخيار ) بكسر المعجمة وخفة التحتية ابن عدي بن نوفل بن عبد مناف القرشي النوفلي المدني ، قتل أبوه ببدر وكان هو في الفتح مميزا فعد في الصحابة لذلك ، وعده العجلي وغيره في ثقات كبار التابعين من حيث الرواية ، ومات في آخر خلافة الوليد بن عبد الملك ، وخرج له الشيخان وأبو داود والنسائي ، ( أنه قال ) أرسله جميع رواة الموطأ إلا روح بن عبادة فرواه عن مالك موصولا ، فقال عن رجل من الأنصار ، ورواه الليث وابن أخي الزهري ، عن الزهري مثل رواية روح عن مالك سواء ، ورواه صالح بن كيسان وأبو أويس ، عن الزهري ، عن عطاء ، عن عبيد الله ، عن عبد الله بن عدي الأنصاري فسمي الرجل المبهم ، ذكره ابن عبد البر وأسند هذه الطرق كلها قال : ( بينما رسول الله - صلى الله عليه وسلم - جالس بين ظهراني الناس إذ جاءه رجل ) هو عتبان بن مالك ( فساره فلم يدر ) بالبناء للمجهول ( ما ساره به حتى جهر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فإذا هو يستأذنه في قتل رجل من المنافقين ) هو مالك بن الدخشم ، كذا ذكر الباجي وابن عبد البر ، ثم ساق حديث عتبان بن مالك المروي في الصحيحين وفي آخره : " فحبسناه على خزيرة صنعناها له فاجتمع رجال ، فقال قائل : أين مالك ؟ فقال بعضهم : ذلك منافق لا يحب الله ورسوله ، فقال - صلى الله عليه وسلم - : لا تقل ذلك " الحديث ، قال الحافظ : وليس فيه دليل على ما ادعاه من أن الذي سار هو عتبان ، وأغرب بعض المتأخرين فنقل عن ابن عبد البر أن القائل في هذا الحديث ذلك منافق هو عتبان وليس فيه تصريح بذلك ، وقال ابن عبد البر : لم يختلف في شهود مالك بدرا وهو الذي أسر سهيل بن عمرو ، ثم بإسناد حسن ، عن أبي هريرة : أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال لمن تكلم فيه : أليس قد شهد بدرا ؟ وفي مغازي ابن إسحاق : أنه - صلى الله عليه وسلم - بعث مالكا هذا ومعن بن عدي فحرقا مسجد الضرار ، فدل على أنه بريء مما اتهم به من النفاق أو كان قد أقلع عن ذلك ، أو النفاق الذي اتهم به ليس بنفاق الكفر ، وإنما أنكر الصحابة عليه تودده للمنافقين ، ولعل له عذرا في ذلك كما وقع [ ص: 595 ] لحاطب .

                                                                                                          ( فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حين جهر : أليس يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله ؟ ) وفي البخاري : ألا تراه قد قال : لا إله إلا الله ؟ وكأن الرجل فهم من الاستفهام أن لا جزم بذلك ( فقال الرجل : بلى ؛ ولا شهادة له ) لأنها بالظاهر فقط ، وفي البخاري : قال : الله ورسوله أعلم ، نرى وجهه ونصيحته إلى المنافقين ، فإنما استدلوا على نفاقه بميله ونصحه للمنافقين فلم ير المصطفى ذلك يبيح دمه .

                                                                                                          ( فقال ) - صلى الله عليه وسلم - : ( أليس يصلي ؟ قال : بلى ؛ ولا صلاة له ) حقيقة ( فقال - صلى الله عليه وسلم - : أولئك الذين نهاني الله عنهم ) لئلا يقول الناس : إنه يقتل أصحابه كما في حديث آخر ؛ أي : فتنفر قلوب الناس عن الإسلام .

                                                                                                          قال الباجي : يعني نهاه عن قتلهم لمعنى الإيمان ، وإن جاز أن يلزمهم القتل بعد ذلك بما يلزم سائر المسلمين من القصاص والحدود .




                                                                                                          الخدمات العلمية