الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                          وحدثني عن مالك عن سمي مولى أبي بكر عن أبي صالح السمان عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال من قال سبحان الله وبحمده في يوم مائة مرة حطت عنه خطاياه وإن كانت مثل زبد البحر

                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                          487 490 - ( مالك ، عن سمي مولى أبي بكر ، عن أبي صالح ) ذكوان ( السمان ، عن أبي هريرة أن رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، قال : من قال سبحان الله ) أي تنزيه الله عما لا يليق به من كل نقص ، فيلزم نفي الشريك والصاحبة والولد وجميع الرذائل ، ويطلق التسبيح ويراد به جميع ألفاظ الذكر ، ويطلق ويراد به صلاة النافلة ، و " سبحان " اسم منصوب على أنه واقع موقع المصدر لفعل محذوف تقديره سبحت الله سبحانا كسبحت الله تسبيحا ، ولا يستعمل غالبا إلا مضافا ، وهو مضاف إلى المفعول أي سبحت الله ، ويجوز كونه مضافا إلى الفاعل ، أي نزه الله نفسه ، والمشهور الأول ، وجاء غير مضاف في الشعر كقوله :


                                                                                                          سبحانه ثم سبحانا أنزهه

                                                                                                          ( وبحمده ) الواو للحال ، أي سبحان الله ملتبسا بحمده له من أجل توفيقه لي للتسبيح ( في يوم ) واحد . وفي رواية سهيل عن سمي عند مسلم : من قال حين يصبح وحين يمسي سبحان الله وبحمده ( مائة مرة ) متفرقة بعضها أول النهار وبعضها آخره أو متوالية ، وهو أفضل خصوصا في أوله ( حطت عنه خطاياه ) التي بينه وبين الله ، قال الباجي : يريد أنه يكون في ذلك كفارة له كقوله : ( إن الحسنات يذهبن السيئات ) ( سورة هود : الآية 114 ) ( وإن كانت مثل زبد البحر ) كناية عن المبالغة في الكثرة نحو : ما طلعت عليه الشمس ، قال [ ص: 33 ] عياض : وقد يشعر هذا بفضل التسبيح على التهليل ; لأن عدد زبد البحر أضعاف أضعاف المائة المذكورة في مقابلة التهليل ، فيعارض قوله فيه : " ولم يأت أحد بأفضل مما جاء به " فيجمع بينهما بأن التهليل أفضل بما زيد من رفع الدرجات وكتب الحسنات ، ثم ما جعل مع ذلك من عتق الرقاب قد يزيد على فضل التسبيح وتكفير الخطايا ; لأنه جاء : " من أعتق رقبة أعتق الله بكل عضو منها عضوا منه من النار " . فحصل بهذا العتق تفكير الخطايا عموما بعد حصر ما عدد منها خصوصا مع زيادة مائة درجة ، وما زاده عتق الرقاب الزائدة على الواحدة ، ويؤيده الحديث الآخر : " أفضل الذكر التهليل " . وأنه أفضل ما قاله هو والنبيون من قبله وهو كلمة التوحيد والإخلاص ، وقيل : إنه اسم الله الأعظم ، وجميع ذلك داخل في ضمن " لا إله إلا الله " الحديث السابق ، والتهليل صريح في التوحيد ، والتسبيح متضمن له ، فمنطوق سبحان الله تنزيه ، ومفهومه توحيد ، ومنطوق لا إله إلا الله توحيد ، ومفهومه تنزيه ، فيكون أفضل من التسبيح ; لأن التوحيد أصل والتنزيه ينشأ عنه .

                                                                                                          قال ابن بطال : والفضائل الواردة في التسبيح والتحميد ونحو ذلك إنما هي لأهل الشرف في الدين والكمال كالطهارة من الحرام وغير ذلك ، فلا يظن ظان أن من أدمن الذكر وأصر على ما شاء من شهواته ، وانتهك دين الله وحرماته ، أن يلتحق بالمطهرين الأقدسين ، ويبلغ منازل الكاملين بكلام أجراه على لسانه ليس معه تقوى ، ولا عمل صالح . والحديث رواه البخاري ومسلم عن يحيى كلاهما عن مالك به ، لكن مسلم وصله بالحديث قبله ; لاتحاد إسنادهما بناء على جواز ذلك ، وقد فعله البخاري في غير ما حديث كما مر .




                                                                                                          الخدمات العلمية