الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                الشرط السادس : النية وقد تقدمت في الطهارة مباحثها فتراجع هناك ، ونذكر هاهنا ما تختص به فنقول قال صاحب المقدمات : النية الكاملة هي المتعلقة بأربعة أشياء : تعيين الصلاة ، والتقرب بها ، ووجوبها ، وأدائها ، واستشعار الإيمان يعتبر في ذلك كله فهذه هي النية الكاملة فإن سها عن الإيمان أو وجوب الصلاة أو كونها أداء أو التقرب بها لم تفسد إذا عينها ; لاشتمال التعيين على ذلك . قال صاحب الطراز : والمعيد للصلاة في جماعة والصبي لا يتعرضان لفرض ولا لنفل . وفي الجواهر إذا كان مأموما فلا بد من نية الاقتداء مع ذلك ، فإن تركها بطلت صلاته ، وأما الإمام فلا يجب عليه أن ينوي الإمامة إلا في خمسة مواضع ، قال ابن بشير في كتاب النظائر : الذي له الجمعة ، والجمع ، والجنائز ، والخوف ، والاستخلاف يجمعها للحفظ ثلاث جيمات وخائان ، والسر فيها من جهة الفقه شيء واحد ، وهو أن الإمامة فيها شرط ولما كانت صلاة المنفرد مساوية لصلاة الإمام لم يحصل وصف الإمامة إلا بالنية فيحصل الشرط حينئذ ، وحكى الباجي عن ( ش ) أن الإمام يجب عليه أن ينوي مطلقا وليس كذلك ، وقال : ( ح ) لا تقتدي المرأة بمن لم ينو أنه يؤمها إلا في الجمعة قال : لأن الإمام يجب عليه تأخيرها خلفه فلا يتوجه عليه هذا الفرض إلا بنية ، كما أنه لا يتوجه على المأموم فرض الاتباع إلا بالنية ، وما ذكره منقوض بالجمعة . وأما المأموم فإنه تسقط عنه القراءة [ ص: 136 ] وسجود السهو في السهو الذي يخصه فلا بد من نية تؤثر في ذلك ، قال صاحب الطراز : واختلف هل يشترط أن ينوي الدخول بتكبيرة الإحرام ؟ فمال إليه الباجي وقال : هو معنى قول مالك إذا كبر للركوع ناسيا للإحرام قال : ومن جوز تقديم النية لم يشترط ذلك ، قال : وأما ما عدا الإحرام من الأركان فلا تحتاج إلى تعيين عند الإحرام ولا عند الفعل ، وقال بعض الشفعوية : ينوي الأركان عند الإحرام ، قال : وهو هوس وقد كانت الأمة على خلاف هذا ويلزمه أن ينوي حروف الفاتحة والتسليم ; لأنها واجبة ، قال : ومثل هذه الهفوة قول القاضي أبي بكر من أصحابنا أنه يلزمه عند الإحرام أن يذكر حدث العالم ، وأدلته وإثبات الأعراض واستحالة عرو الجواهر عنها وإبطال حوادث لا أول لها ، وأدلة العالم بالصانع وإثبات الصفات وما يجب له تعالى وما يستحيل وما يجوز ، وأدلة المعجزة وتصحيح الرسالة ، ثم الطرق التي بها وصل التكليف إليه ، قال : وحكى المازري أردت اتباع كلام القاضي عند إحرامي فرأيت في منامي كأني أخوض في بحر من ظلام ، فقلت : هذه والله الظلمة التي قالها القاضي أبو بكر ، وحكى صاحب القبس مذهب القاضي عن إمام الحرمين أيضا ، وأنه كان يقول تذكار هذه الأمور يكفي فيه الزمن اليسير بخلاف تعلمها ، وفي الجواهر هل يفتقر إلى نية عدد الركعات ؟ فيه خلاف ينبني عليه الخلاف في ثلاث مسائل : من افتتح بنية القصر فأتم ، أو بالعكس أو صلى الجمعة فلم تتم له شروطها : هل عليه ظهر أم لا ؟ أو دخل مع الإمام في الجمعة يظنها الظهر أو بالعكس ويجب مقارنتها لتكبيرة الإحرام ، وحكى اللخمي ثلاثة أقوال : قال مالك : تجزئ الجمعة عن الظهر ولا يجزئ الظهر [ ص: 137 ] عن الجمعة ، وقال في السليمانية : تجزئ عنها ، وقال أشهب : لا تجزئ الجمعة عن الظهر إنشاء واستصحابا ، ووافقنا الشافعي ، وقال ابن حنبل وأبو حنيفة في إحدى الروايتين عنه : يجوز تقديمها بالشيء اليسير ووافقهما صاحب المقدمات ، وقال داود : يجب تقديمها ، لنا أن النية شرعت لتميز العبادات عن العادات أو لتميز مراتب العبادات كما تقدم في كتاب الطهارة ، والذي لا يقارن الشيء لا يميزه ، وفي الجواهر : لا يفتقر إلى لفظ سوى التكبير خلافا لـ ( ش ) في استحبابه لذلك لما فيه من التكليف والتنبيه على متعلقاتها ، لنا أن السلف لم يكونوا يفعلون ذلك فلا يشرع ، ويجب استصحابها حكما بأن لا يحدث ما ينافيها كنية الخروج في الحال ، أو في أثنائه ، قال صاحب النكت : رفض النية في الوضوء والحج لا يضر بخلاف الصلاة والصوم ، والفرق أن الوضوء تعين بالأعضاء ، والحج بمواضعه المخصوصة بخلاف الآخرين فكان احتياجهما إلى النية أقل فكان تأثير الرفض فيهما أبعد ، والغفلة عنهما في أثناء الصلاة لا تضر ، ويحكى عن سحنون أنه كان يعيد صلاته معللا بأن نيته غربت ، وقال القاضي أبو بكر : إن غربت لأمر مضى في الصلاة أو عارض لم يضر ، وإن كانت بأسباب متقدمة قد لزمت للعبد من الانهماك في الدنيا ، والتعلق بفضولها فيقوى ترك الاعتداد بها ; لأنه واقع باختياره ، وقال صاحب القبس : إن الله تعالى سمح للعباد في استرسال الخواطر في الصلاة بما ليس منها ، فإذا ذكر عاد إليها فإن استمر مختارا من قبل نفسه وأعرض عن صلاته بطلت ، قال : وقال الفقهاء : الذي يقع من الصلاة في حال الخواطر مجز ، وقال الزهاد : ليس بمجز ، وقد ورد في ذلك أنه - عليه السلام - قال : إن الرجل ليصلي الصلاة فيكتب له نصفها ثلثها ربعها حتى ذكر عشرها .

                                                                                                                [ ص: 138 ] فرع :

                                                                                                                قال صاحب الطراز : النوافل على قسمين : مقيدة ، ومطلقة ، فالمقيدة : السنن الخمس : العيدان والكسوف والاستسقاء والوتر وركعتا الفجر ، فهذه مقيدة إما بأزمانها أو بأسبابها ، فلا بد فيها من نية التعيين فمن افتتح الصلاة من حيث الجملة ، ثم أراد ردها لهذه لم يجز ، وألحق الشافعية بهذه قيام رمضان وليس كذلك ; لأنه من قيام الليل . والمطلقة ما عدا هذه فيكفي فيها نية الصلاة ، وإن كان في الليل فهو قيام الليل أو في قيام رمضان كان منه ، أو في أول النهار فهو الضحى ، أو عند دخول مسجد فهو تحيته ، وكذلك سائر العبادات من صوم أو حج أو عمرة لا يفتقر إلى التعيين في مطلقه بل تكفي نية أصل العبادة .

                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                الخدمات العلمية