الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                              معلومات الكتاب

                                                                                                                              السراج الوهاج من كشف مطالب صحيح مسلم بن الحجاج

                                                                                                                              صديق خان - محمد صديق حسن خان القنوجي الظاهري

                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                              1674 [ ص: 595 ] (باب التسبيح والتهليل وأعمال البر: صدقة)

                                                                                                                              وأورده النووي في الباب المتقدم.

                                                                                                                              (حديث الباب)

                                                                                                                              وهو بصحيح مسلم \ النووي ص 91 - 92 ج7 المطبعة المصرية

                                                                                                                              [عن أبي ذر: أن ناسا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم: يا رسول الله، ذهب أهل الدثور بالأجور، يصلون كما نصلي ويصومون كما نصوم ويتصدقون بفضول أموالهم، قال: أو ليس قد جعل الله لكم ما تصدقون؟! إن بكل تسبيحة صدقة. وكل تكبيرة صدقة وكل تحميدة صدقة وكل تهليلة صدقة، وأمر بالمعروف صدقة ونهي عن منكر صدقة، وفي بضع أحدكم صدقة، قالوا: يا رسول الله، أيأتي أحدنا شهوته ويكون له فيها أجر؟ قال: "أرأيتم لو وضعها في حرام أكان عليه فيها وزر؟ فكذلك إذا وضعها في الحلال كان له أجرا" .]

                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                              (الشرح)

                                                                                                                              (عن أبي ذر) رضي الله عنه، (أن ناسا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم: يا رسول الله! ذهب أهل الدثور بالأجور) .

                                                                                                                              (الدثور) بضم الدال: جمع "دثر " بفتحها. وهو المال الكثير.

                                                                                                                              [ ص: 596 ] (يصلون كما نصلي. ويصومون كما نصوم. ويتصدقون بفضول أموالهم. قال: "أوليس قد جعل الله لكم ما تصدقون به؟!")

                                                                                                                              الرواية فيه بتشديد الصاد والدال جميعا، ويجوز في اللغة تخفيف الصاد.

                                                                                                                              (إن بكل تسبيحة صدقة. وكل تكبيرة صدقة. وكل تحميدة صدقة. وكل تهليلة صدقة) .

                                                                                                                              رويناه بوجهين: رفع صدقة ونصبه. فالرفع: على الاستئناف. والنصب: عطف على (إن بكل تسبيحة صدقة) .

                                                                                                                              وتسميتها "صدقة ": أن لها أجرة كما للصدقة أجر.

                                                                                                                              وأن هذه الطاعات تماثل الصدقات في الأجور.

                                                                                                                              وسماها: "صدقة " على طريق المقابلة وتجنيس الكلام.

                                                                                                                              وقيل: معناه: أنها صدقة على نفسه. والأول أولى.

                                                                                                                              (وأمر بالمعروف صدقة. ونهي عن منكر صدقة) .

                                                                                                                              فيه: إشارة إلى ثبوت حكم الصدقة، في كل فرد من أفراد الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. ولهذا نكره.

                                                                                                                              والثواب في هذين، أكثر منه في التسبيح والتحميد والتهليل؛ لأنهما فرض كفاية، وقد يتعين. ولا يتصور وقوعه نفلا.

                                                                                                                              [ ص: 597 ] والتسبيح والتحميد والتهليل: نوافل.

                                                                                                                              ومعلوم: أن أجر الفرض أكثر من أجر النفل. لقوله عز وجل:

                                                                                                                              (وما تقرب إلي عبدي بشيء، أحب إلي من أداء ما افترضت عليه) .

                                                                                                                              رواه البخاري من رواية أبي هريرة .

                                                                                                                              قال إمام الحرمين عن بعض العلماء: إن ثواب الفرض يزيد على ثواب النافلة، بسبعين درجة. واستأنسوا فيه بحديث (وفي بضع أحدكم صدقة) بضم الباء: يطلق على الجماع، وعلى الفرج نفسه.

                                                                                                                              قال النووي : وكلاهما تصح إرادته هنا. وفيه: دليل على أن المباحات تصير طاعات، بالنيات الصادقات. فالجماع يكون عبادة، إذا نوي به قضاء حق الزوجة. ومعاشرتها بالمعروف، الذي أمر الله تعالى به. أو طلب ولد صالح، أو إعفاف نفسه. أو إعفاف الزوجة. ومنعهما جميعا من النظر إلى حرام، أو الفكر فيه. أو الهم به. أو غير ذلك من المقاصد الصالحة.

                                                                                                                              (قالوا: يا رسول الله! أيأتي أحدنا شهوته، ويكون له فيها أجر؟!

                                                                                                                              قال: "أرأيتم لو وضعها في حرام، أكان عليه فيها وزر؟ فكذلك إذا وضعها في الحلال كان له أجر") .

                                                                                                                              قال النووي : ضبطناه بالرفع والنصب، وهما ظاهران.

                                                                                                                              [ ص: 598 ] قال: وفيه جواز القياس. وهو مذهب العلماء كافة. ولم يخالف فيه إلا أهل الظاهر، ولا يعتد بهم.

                                                                                                                              وأما المنقول عن التابعين ونحوهم: من ذم القياس، فليس المراد به: القياس الذي يعتمده الفقهاء المجتهدون.

                                                                                                                              وهذا القياس المذكور في الحديث، هو من قياس العكس.

                                                                                                                              واختلف الأصوليون في العمل به. وهذا الحديث دليل لمن عمل به، وهو الأصح. انتهى.

                                                                                                                              وأقول: أهل الظاهر لا يقولون بالقياس. وقد استدلوا على ذلك بأدلة عقلية ونقلية.

                                                                                                                              ولا حاجة لهم إلى الاستدلال. فالقيام في مقام المنع يكفيهم. وإيراد الدليل على القائلين به.

                                                                                                                              وقد جاءوا بأدلة عقلية، لا تقوم بها الحجة.

                                                                                                                              وجاءوا بأدلة نقلية. وأطالوا الكلام في الاستدلال بها على ذلك، وشغلوا الحيز مما لا طائل تحته.

                                                                                                                              وفي عمومات القرآن والحديث، ومطلقاتهما، وخصوص نصوصهما: ما يفي بكل حادثة تحدث، ويقوم ببيان كل نازلة تنزل.

                                                                                                                              عرف ذلك من عرفه، وجهله من جهله.

                                                                                                                              [ ص: 599 ] وقوله: ولا يعتد بهم. أي: بأهل الظاهر: كلام ساقط. فإن فيهم من أكابر الأئمة، وحفاظ السنة، المتقيدين بنصوص الشريعة: جمعا جما.

                                                                                                                              ولا عيب لهم إلا ترك العمل بالآراء الفاسدة، التي لم يدل عليها كتاب ولا سنة.

                                                                                                                              وتلك شكاة ظاهر عنك عارها.

                                                                                                                              والكلام على حجية القياس وأقسامه يطول. وليس هذا موضع بسطه. فإن شئت زيادة الاطلاع على مباحثه، فعليك بكتابك:

                                                                                                                              (إرشاد الفحول، إلى تحقيق الحق من علم الأصول) . وملخصه المسمى: (بحصول المأمول، من علم الأصول) . يتضح عليك عند مطالعتهما "إن شاء الله تعالى": ما هو الحق الحقيق بالاتباع. إن كنت ممن يدرك حقائق المنقول.

                                                                                                                              وبالجملة، في هذا الحديث: فضيلة التسبيح وسائر الأذكار، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وإحضار النية في المباحات. وذكر العالم دليلا لبعض المسائل التي تخفى.

                                                                                                                              وتنبيه المفتي على مختصر الأدلة وجواز سؤال المستفتي عن بعض ما يخفى من الدليل، إذا علم من حال المسئول أنه لا يكره ذلك، ولم يكن فيه سوء أدب. والله أعلم بالصواب.




                                                                                                                              الخدمات العلمية