الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                              1436 [ ص: 134 ] (باب ما يقال في الخطبة)

                                                                                                                              وأورده النووي في: (كتاب الجمعة) .

                                                                                                                              (حديث الباب)

                                                                                                                              وهو بصحيح مسلم \ النووي ص 156-158 جـ 6 المطبعة المصرية

                                                                                                                              [عن ابن عباس ، أن ضمادا قدم مكة . وكان من أزد شنوءة . وكان يرقي من هذه الريح. فسمع سفهاء من أهل مكة يقولون: إن محمدا مجنون. فقال: لو أني رأيت هذا الرجل لعل الله يشفيه على يدي. قال: فلقيه. فقال: يا محمد! إني أرقي من هذه الريح.

                                                                                                                              وإن الله يشفي على يدي من شاء. فهل لك؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الحمد لله. نحمده ونستعينه، من يهده الله فلا مضل له. ومن يضلل فلا هادي له. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له. وأن محمدا عبده ورسوله. أما بعد;"

                                                                                                                              قال: فقال: أعد علي كلماتك هؤلاء. فأعادهن عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاث مرات. قال: فقال: لقد سمعت قول الكهنة، وقول السحرة، وقول الشعراء، فما سمعت مثل كلماتك هؤلاء. ولقد بلغن ناعوس البحر.

                                                                                                                              قال: فقال: هات يدك أبايعك على الإسلام. قال: فبايعه.

                                                                                                                              فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "وعلى قومك؟" قال: وعلى قومي.

                                                                                                                              [ ص: 135 ] قال فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم سرية فمروا بقومه. فقال صاحب السرية للجيش: هل أصبتم من هؤلاء شيئا؟ فقال رجل من القوم: أصبت منهم مطهرة. فقال: ردوها، فإن هؤلاء قوم ضماد . ]


                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                              (الشرح)

                                                                                                                              (عن ابن عباس) رضي الله عنهما، (أن ضمادا) بكسر الضاد المعجمة (قدم مكة) زادها الله شرفا.

                                                                                                                              (وكان من أزد شنوءة) بفتح الشين وضم النون، وبعدها مدة.

                                                                                                                              (وكان يرقي من هذه الريح) المراد بالريح هنا: الجنون ومس الجن.

                                                                                                                              وفي غير رواية مسلم: "يرقي من الأرواح". أي: الجن.

                                                                                                                              سموا بذلك، لأنهم لا يبصرهم الناس، فهم كالروح، والريح.

                                                                                                                              (فسمع سفهاء من أهل مكة يقولون: إن محمدا مجنون. فقال: لو أني رأيت هذا الرجل لعل الله يشفيه على يدي. قال: فلقيه. فقال: يا محمد! إني أرقي من هذه الريح. وإن الله يشفي على يدي من شاء. فهل لك؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الحمد لله. نحمده ونستعينه، من يهده الله فلا مضل له. ومن يضلل فلا هادي له. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له. وأن محمدا عبده ورسوله" .) .

                                                                                                                              وقد ثبت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، لازم الشهادتين في خطبته، كما لازم الحمد، وغيره، في غير حديث.

                                                                                                                              [ ص: 136 ] وكانت خطبته صلى الله عليه وسلم مشتملة على: حمد الله تعالى، والصلاة على رسوله صلى الله عليه وسلم.

                                                                                                                              وليس ذلك إلا استفتاحا للخطبة المقصودة، ومقدمة من مقدماتها.

                                                                                                                              والمقصود بالذات هو: الوعظ، والتذكير. وهو الذي يساق إليه هذا الحديث، وما في معناه.

                                                                                                                              ولأجله شرع الله هذه الخطبة، ولم يشرعها لمجرد الحمد لله تعالى، والصلاة على رسوله صلى الله عليه وسلم.

                                                                                                                              فالقول بإيجابهما ليس كما ينبغي.

                                                                                                                              (أما بعد) فيه: استحباب قول: "أما بعد" في خطب الوعظ، والجمعة، والعيد، وغيرها. وكذا في خطب الكتب المصنفة.

                                                                                                                              وقد عقد البخاري بابا في استحبابه، وذكر فيه جملة من الأحاديث. واختلف أهل العلم في أول من تكلم به.

                                                                                                                              فقيل: داود عليه السلام، وقيل: يعرب بن قحطان. وقيل: قس بن ساعدة.

                                                                                                                              وقال بعض المفسرين، أو كثير منهم: إنه فصل الخطاب الذي أوتيه داود.

                                                                                                                              وقال المحققون: "فصل الخطاب": الفصل بين الحق، والباطل. قاله النووي .

                                                                                                                              [ ص: 137 ] وقد جمعنا كتابا مستقلا في"خطب الجمعة" للسنة الكاملة; لكل شهر: خمس خطبات.

                                                                                                                              وسميناه: (الموعظة الحسنة، بما يخطب به في شهور السنة) .

                                                                                                                              حققنا فيه قوله:"أما بعد". وحررنا ما يتعلق بصلاة الجمعة، والعيدين، والكسوف، و الخسوف، ونحوهما.

                                                                                                                              وكتبنا مسائل ذلك في أوله، وهو أنفس كتب جمعت في هذا الباب، كأنه خطيب قام في محراب.

                                                                                                                              (قال: فقال: أعد علي كلماتك هؤلاء. فأعادهن عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاث مرات. قال: فقال: لقد سمعت قول الكهنة، وقول السحرة، وقول الشعراء، فما سمعت مثل كلماتك هؤلاء. ولقد بلغن ناعوس البحر) .

                                                                                                                              ضبطناه بوجهين: أشهرهما: "ناعوس" بالنون والعين. هذا هو الموجود في أكثر النسخ.

                                                                                                                              والثاني: "قاموس" بالقاف والميم، وهذا الثاني هو المشهور في روايات الحديث، في غير صحيح مسلم.

                                                                                                                              قال عياض : أكثر نسخ صحيح مسلم وقع فيها: "قاعوس" بالقاف والعين.

                                                                                                                              ووقع عند أبي محمد بن سعيد: "تاعوس" بالتاء الفوقانية.

                                                                                                                              قال: ورواه بعضهم: "ناعوس"بالنون والعين.

                                                                                                                              [ ص: 138 ] قال: وذكره أبو مسعود الدمشقي في"أطراف الصحيحين"، والحميدي في "الجمع بين الصحيحين": قاموس: بالقاف، والميم.

                                                                                                                              قال بعضهم: هو الصواب.

                                                                                                                              قال أبو عبيد: "قاموس البحر": وسطه.

                                                                                                                              وقال ابن دريد: "لجته".

                                                                                                                              وقال صاحب كتاب "العين": "قعره الأقصى".

                                                                                                                              وقال الحربي:"قعره".

                                                                                                                              وقال أبو مروان ابن سراج:"قاموس" فاعول، من قمسته، إذا غمسته.

                                                                                                                              فقاموس البحر:"لجته" التي تضطرب أمواجها، ولا تستقر مياهها. وهي لفظة عربية صحيحة.

                                                                                                                              وقال أبو علي الجياني: لم أجد في هذه اللفظة ثلجا.

                                                                                                                              وقال الشيخ أبو الحسن: "قاعوس البحر" بالقاف، والعين، صحيح. بمعنى "قاموس". كأنه من القعس; وهو تطامن الظهر وتعمقه. فيرجع إلى عمق البحر ولجته.

                                                                                                                              هذا آخر كلام عياض.

                                                                                                                              وقال أبو موسى الأصفهاني: وقع في صحيح مسلم: (ناعوس البحر) بالنون، والعين; [ ص: 139 ] قال: وفي سائر الروايات: "قاموس". وهي "وسطه ولجته".

                                                                                                                              وليست هذه اللفظة موجودة في مسند إسحاق بن راهويه، الذي روى مسلم هذا الحديث عنه.

                                                                                                                              لكنه قرنه بأبي موسى، فلعله في رواية أبي موسى.

                                                                                                                              قال: وإنما أورد مثل هذه الألفاظ، لأن الإنسان قد يطلبها فلا يجدها في شيء من الكتب "فيتحير"، فإذا نظر في كتابي عرف أصلها ومعناها.

                                                                                                                              (قال: فقال: هات يدك) بكسر التاء (أبايعك على الإسلام. قال: فبايعه.

                                                                                                                              فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"وعلى قومك؟" قال: وعلى قومي. قال فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم سرية فمروا بقومه. فقال صاحب السرية للجيش: هل أصبتم من هؤلاء شيئا؟ فقال رجل من القوم: أصبت منهم مطهرة) . بكسر الميم، وفتحها. حكاها ابن السكيت وغيره، والكسر أشهر.

                                                                                                                              (فقال: ردوها فإن هؤلاء قوم ضماد)

                                                                                                                              فيه: استحباب الحمد، والثناء على الله تعالى، في الخطبة .




                                                                                                                              الخدمات العلمية