الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.
اختيار هذا الخط
الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.
باب هل يستوفى القصاص والحدود في الحرم أم لا ؟ nindex.php?page=treesubj&link=25013_25015 [ ص: 51 ] عن nindex.php?page=showalam&ids=9أنس { nindex.php?page=hadith&LINKID=65484أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل مكة عام الفتح وعلى رأسه المغفر ، فلما نزعه جاءه رجل فقال : ابن خطل متعلق بأستار الكعبة ، فقال : اقتلوه } ) .
3039 - وعن nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة قال : { nindex.php?page=hadith&LINKID=176لما فتح الله على رسوله مكة قام في الناس فحمد الله وأثنى عليه ، ثم قال : إن الله حبس عن مكة الفيل وسلط عليها رسوله والمسلمين ، وإنها لم تحل لأحد قبلي ، وإنما أحلت لي ساعة من نهار ، وإنها لا تحل لأحد بعدي } .
3040 - ( وعن أبي شريح الخزاعي أنه قال لعمرو بن سعيد وهو يبعث البعوث إلى مكة ائذن لي أيها الأمير أحدثك قولا قام به رسول الله صلى الله عليه وسلم الغد من يوم الفتح سمعته أذناي ووعاه قلبي وأبصرته عيناي حين تكلم به حمد الله وأثنى عليه ثم قال : { nindex.php?page=hadith&LINKID=12132إن مكة حرمها الله ولم يحرمها الناس ، فلا يحل لامرئ يؤمن بالله واليوم الآخر أن يسفك بها دما ولا يعضد بها شجرة ، فإن أحد ترخص بقتال رسول الله صلى الله عليه وسلم فيها فقولوا له : إن الله قد أذن لرسوله ولم يأذن لكم ، وإنما أذن لي فيها ساعة من نهار ، ثم عادت حرمتها اليوم كحرمتها بالأمس ، فليبلغ الشاهد الغائب } ، فقيل لأبي شريح : ماذا قال لك عمرو ؟ قال : أنا أعلم بذاك منك يا أبا شريح إن الحرم لا يعيذ عاصيا ولا فارا بدم ، ولا فارا بخربة ) .
3041 - ( وعن nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم فتح مكة : { nindex.php?page=hadith&LINKID=12229إن هذا البلد حرام حرمه الله يوم خلق السموات والأرض ، فهو حرام بحرمة الله إلى يوم القيامة ، وإنه لم يحل القتال فيه لأحد قبلي ، ولم يحل لي إلا ساعة من نهار ، فهو حرام بحرمة الله إلى يوم القيامة } متفق على أربعتهن ) .
3042 - ( وعن nindex.php?page=showalam&ids=12عبد الله بن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { nindex.php?page=hadith&LINKID=10890إن أعدى الناس على الله [ ص: 52 ] عز وجل من قتل في الحرم أو قتل غير قاتله أو قتل بذحول الجاهلية } رواه nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد وله من حديث أبي شريح الخزاعي نحوه وقال nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر لو وجدت قاتل nindex.php?page=showalam&ids=2عمر في الحرم ما هجته وقال nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس في الذي يصيب حدا ثم يلجأ إلى الحرم يقام عليه الحد إذا خرج من الحرم حكاهما nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد في رواية nindex.php?page=showalam&ids=13665الأثرم )
حديث nindex.php?page=showalam&ids=12عبد الله بن عمر أخرجه أيضا nindex.php?page=showalam&ids=13053ابن حبان في صحيحه . وحديث أبي شريح الآخر الذي أشار إليه المصنف أخرجه أيضا nindex.php?page=showalam&ids=14269الدارقطني nindex.php?page=showalam&ids=14687والطبراني nindex.php?page=showalam&ids=14070والحاكم ، ورواه nindex.php?page=showalam&ids=14070الحاكم nindex.php?page=showalam&ids=13933والبيهقي من حديث nindex.php?page=showalam&ids=25عائشة بمعناه . وروى nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري في صحيحه عن nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس مرفوعا { nindex.php?page=hadith&LINKID=87أبغض الناس إلى الله ثلاثة : ملحد في الحرم ، ومتبع في الإسلام سنة جاهلية ، ومطلب دم بغير حق ليهريق دمه } والملحد في الأصل : هو المائل عن الحق . وأخرج nindex.php?page=showalam&ids=16670عمر بن شبة عن عطاء بن يزيد قال : { nindex.php?page=hadith&LINKID=26397قتل رجل بالمزدلفة ، يعني في غزوة الفتح ، فذكر القصة وفيها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : وما أعلم أحدا أعتى على الله من ثلاثة : nindex.php?page=treesubj&link=25013رجل قتل في الحرم أو قتل غير قاتله ، أو قتل بذحل في الجاهلية } قوله : ( عن nindex.php?page=showalam&ids=9أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل مكة . . . إلخ ) قد تقدم هذا الحديث وشرحه في باب دخول مكة من غير إحرام من أبواب الحج قوله : ( إن الله حبس عن مكة الفيل ) هو الحيوان المشهور ، وأشار بحبسه عن مكة إلى قضية الحبشة وهي مشهورة ساقها nindex.php?page=showalam&ids=12563ابن إسحاق مبسوطة .
وحاصل ما ساقه أن أبرهة الحبشي لما غلب على اليمن وكان نصرانيا بنى كنيسة وألزم الناس بالحج إليها ، فعمد بعض العرب فاستغفل الحجبة وتغوط وهرب ، فغضب أبرهة وعزم على تخريب الكعبة ، فتجهز في جيش كثيف واستصحب معه فيلا عظيما ، فلما قرب من مكة خرج إليه عبد المطلب فأعظمه ، وكان جميل الهيئة ، فطلب منه أن يرد عليه إبلا نهبت ، فاستقصر همته وقال : لقد ظننت أنك لا تسألني إلا في الأمر الذي جئت فيه ، فقال : إن لهذا البيت ربا سيحميه ، فأعاد إليه إبله ، وتقدم أبرهة بجيوشه فقدموا الفيل ، فأرسل الله عليهم طيرا مع كل واحدة ثلاثة أحجار : حجران في رجليه وحجر في منقاره ، فألقتها عليهم فلم يبق منهم أحد إلا أصيب .
وأخرج ابن مردويه بسند حسن عن عكرمة عن nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس قال : جاء أصحاب الفيل حتى نزلوا الصفاح وهو بكسر المهملة ثم فاء ثم مهملة : موضع خارج مكة من جهة طريق اليمن ، فأتاهم عبد المطلب فقال : إن هذا بيت الله لم يسلط عليه أحدا ، فقالوا : لا نرجع حتى نهدمه ، فكانوا لا يقدمون الفيل قبله إلا تأخر ، فدعا الله الطير الأبابيل فأعطاها حجارة سوداء ، فلما حاذتهم رمتهم فما بقي منهم أحد إلا أخذته الحكة ، فكان لا يحك أحد منهم جلده إلا تساقط لحمه . [ ص: 53 ] قال nindex.php?page=showalam&ids=12563ابن إسحاق : حدثني : يغوث بن عتبة قال : حدثت أن أول ما وقعت الحصبة والجدري بأرض العرب يومئذ . وعند الطبري بسند صحيح عن عكرمة " أنها كانت طيرا خضرا خرجت من البحر لها رءوس كرءوس السباع " . ولابن أبي حاتم من طريق nindex.php?page=showalam&ids=16531عبيد بن عمير بسند قوي بعث الله عليهم طيرا أنشأها من البحر كأمثال الخطاطيف فذكر نحو ما تقدم . قوله ( : لعمرو بن سعيد ) هو المعروف بالأشدق وكان أميرا على دمشق من جهة nindex.php?page=showalam&ids=16491عبد الملك بن مروان فقتله عبد الملك وقصته مشهورة . قوله : ( ولا يعضد بها شجرة ) قد تقدم ضبطه وتفسيره في الحج قوله : ( فإن أحد ترخص بقتال رسول الله صلى الله عليه وسلم فيها ) أي استدل بقتاله صلى الله عليه وسلم فيها على أن القتال فيها لغيره مرخص فيه قوله : ( إن الحرم لا يعيذ عاصيا ) هذا من عمرو المذكور معارضة لحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم برأيه وهو مصادم للنص ، ولا جرم فالمذكور من عتاة الأمة النابين عن الحق قوله : ( ولا فارا بخربة ) بضم الخاء المعجمة ويجوز فتحها وسكون الراء بعدها باء موحدة ، وهي في الأصل سرقة الإبل ، وفي nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري أنها الخيانة . وقال الترمذي : قد روي بخزية بالزاي والياء التحتية : أي بجريمة يستحيا منها قوله : { nindex.php?page=hadith&LINKID=10890إن أعدى الناس } في رواية { nindex.php?page=hadith&LINKID=10890إن أعتى الناس } وهما تفضيل : أي الزائد في التعدي أو العتو على غيره ، والعتو : التكبر والتجبر . وقد أخرج nindex.php?page=showalam&ids=13933البيهقي عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جده أنه قال وجد في قائم سيف رسول الله صلى الله عليه وسلم كتاب { nindex.php?page=hadith&LINKID=10890إن أعدى الناس على الله } الحديث وأخرج من حديث سليمان بلفظ { nindex.php?page=hadith&LINKID=10890إن أعتى الناس على الله } . وأخرج أيضا حديث أبي شريح بلفظ { nindex.php?page=hadith&LINKID=10890إن أعتى الناس على الله } الحديث قوله : ( بذحول الجاهلية ) جمع ذحل بفتح الذال المعجمة وسكون الحاء المهملة : وهو الثأر وطلب المكافأة والعداوة أيضا . والمراد هنا طلب من كان له دم في الجاهلية بعد دخوله في الإسلام . والمراد أن هؤلاء الثلاثة ، أعتى أهل المعاصي وأبغضهم إلى الله ، وإلا فالشرك أبغض إليه من كل معصية ، كذا قال المهلب وغيره .
وقد استدل بحديث nindex.php?page=showalam&ids=9أنس المذكور على أن nindex.php?page=treesubj&link=25002الحرم لا يعصم من إقامة واجب ، ولا يؤخر لأجله عن وقته ، كذا قال nindex.php?page=showalam&ids=14228الخطابي ، وقد ذهب إلى ذلك nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك nindex.php?page=showalam&ids=13790والشافعي ، وهو اختيار nindex.php?page=showalam&ids=12918ابن المنذر . ويؤيد ذلك عموم الأدلة القاضية باستيفاء الحدود في كل مكان وزمان .
وذهب الجمهور من الصحابة والتابعين ومن بعدهم ، والحنفية وسائر أهل العراق ، nindex.php?page=showalam&ids=12251وأحمد ومن وافقه من أهل الحديث والعترة إلى أنه nindex.php?page=treesubj&link=25013_25002لا يحل لأحد أن يسفك بالحرم دما ولا يقيم به حدا حتى يخرج عنه من لجأ إليه .
واستدلوا على ذلك بعموم حديث nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة وأبي شريح nindex.php?page=showalam&ids=11وابن عباس nindex.php?page=showalam&ids=12وعبد الله بن عمر وعموم قوله تعالى: { nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=97ومن دخله كان آمنا } وهو الحكم الثابت قبل الإسلام وبعده ، فإن أهل الجاهلية كان يرى أحدهم قاتل ابنه فلا يهيجه . وكذلك في الإسلام كما قاله [ ص: 54 ] nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر في الأثر المذكور ، وكما روى الإمام nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد عن nindex.php?page=showalam&ids=2عمر بن الخطاب أنه قال : لو وجدت فيه قاتل الخطاب ما مسسته حتى يخرج منه .
وهكذا روي عن nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس أنه قال : لو وجدت قاتل أبي في الحرم ما هجته .
وأما الاستدلال بحديث nindex.php?page=showalam&ids=9أنس المذكور فوهم ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بقتل ابن خطل الساعة التي أحل الله فيها القتال بمكة ، وقد أخبرنا بأنها لم تحل لأحد قبله ولا لأحد بعده ، وأخبرنا أن حرمتها قد عادت بعد تلك الساعة كما كانت ، وأما الاستدلال بعموم الأدلة القاضية باستيفاء الحدود فيجاب أولا بمنع عمومها لكل مكان وكل زمان لعدم التصريح بهما . وعلى تسليم العموم فهو مخصص بأحاديث الباب لأنها قاضية بمنع ذلك في مكان خاص وهي متأخرة فإنها في حجة الوداع بعد شرعية الحدود . هذا nindex.php?page=treesubj&link=25002إذا ارتكب ما يوجب حدا أو قصاصا في خارج الحرم ثم لجأ إليه .
وأما إذا nindex.php?page=treesubj&link=25002ارتكب ما يوجب حدا أو قصاصا في الحرم فذهب بعض العترة إلى أنه يخرج من الحرم ويقام عليه الحد .
وروى nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد عن nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس أنه قال : " من سرق أو قتل في الحرم أقيم عليه في الحرم " . ويؤيد ذلك قوله تعالى: { nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=191ولا تقاتلوهم عند المسجد الحرام حتى يقاتلوكم فيه فإن قاتلوكم فاقتلوهم } ويؤيده أيضا أن الجاني في الحرم هاتك لحرمته بخلاف الملتجئ إليه . وأيضا لو ترك الحد والقصاص على من فعل ما يوجبه في الحرم لعظم الفساد في الحرم . وظاهر أحاديث الباب المنع مطلقا من غير فرق بين اللاجئ إلى الحرم ، والمرتكب لما يوجب حدا أو قصاصا في داخله وبين قتل النفس أو قطع العضو ، والآية التي فيها الإذن بمقاتلة من قاتل عند المسجد الحرام لا تدل إلا على جواز المدافعة لمن قاتل حال المقاتلة كما يدل على ذلك التقيد بالشرط .
وقد اختلف العلماء في كون هذه الآية منسوخة ومحكمة حتى قال أبو جعفر في كتاب الناسخ والمنسوخ : إنها من أصعب ما في الناسخ والمنسوخ ، فمن قال بأنها محكمة nindex.php?page=showalam&ids=16879مجاهد nindex.php?page=showalam&ids=16248وطاوس ، وأنه لا يجوز nindex.php?page=treesubj&link=25015_25013الابتداء بالقتال في الحرم تمسكا بظاهر الآية وبأحاديث الباب ، وقال في جامع البيان : إن هذا قول الأكثر .
وأما قوله تعالى: { nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=39وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة } فهو مطلق في الأمكنة والأزمنة والأحوال ، وآية البقرة مقيدة ببعض الأمكنة ، فيكون ذلك المطلق مقيدا بها ، وإذا أمكن الجمع فلا نسخ ، هذا معنى كلامه وهو طويل ولكن في كون العام المتأخر يخصص بالخاص المتقدم خلاف بين أهل الأصول ، والراجح التخصيص ، وفي كون عموم الأشخاص لا يستلزم عموم الأحوال والأمكنة والأزمنة خلاف أيضا معروف بين أهل الأصول .
حديث nindex.php?page=showalam&ids=12عبد الله بن عمر أخرجه أيضا nindex.php?page=showalam&ids=13053ابن حبان في صحيحه . وحديث أبي شريح الآخر الذي أشار إليه المصنف أخرجه أيضا nindex.php?page=showalam&ids=14269الدارقطني nindex.php?page=showalam&ids=14687والطبراني nindex.php?page=showalam&ids=14070والحاكم ، ورواه nindex.php?page=showalam&ids=14070الحاكم nindex.php?page=showalam&ids=13933والبيهقي من حديث nindex.php?page=showalam&ids=25عائشة بمعناه . وروى nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري في صحيحه عن nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس مرفوعا { nindex.php?page=hadith&LINKID=87أبغض الناس إلى الله ثلاثة : ملحد في الحرم ، ومتبع في الإسلام سنة جاهلية ، ومطلب دم بغير حق ليهريق دمه } والملحد في الأصل : هو المائل عن الحق . وأخرج nindex.php?page=showalam&ids=16670عمر بن شبة عن عطاء بن يزيد قال : { nindex.php?page=hadith&LINKID=26397قتل رجل بالمزدلفة ، يعني في غزوة الفتح ، فذكر القصة وفيها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : وما أعلم أحدا أعتى على الله من ثلاثة : nindex.php?page=treesubj&link=25013رجل قتل في الحرم أو قتل غير قاتله ، أو قتل بذحل في الجاهلية } قوله : ( عن nindex.php?page=showalam&ids=9أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل مكة . . . إلخ ) قد تقدم هذا الحديث وشرحه في باب دخول مكة من غير إحرام من أبواب الحج قوله : ( إن الله حبس عن مكة الفيل ) هو الحيوان المشهور ، وأشار بحبسه عن مكة إلى قضية الحبشة وهي مشهورة ساقها nindex.php?page=showalam&ids=12563ابن إسحاق مبسوطة .
وحاصل ما ساقه أن أبرهة الحبشي لما غلب على اليمن وكان نصرانيا بنى كنيسة وألزم الناس بالحج إليها ، فعمد بعض العرب فاستغفل الحجبة وتغوط وهرب ، فغضب أبرهة وعزم على تخريب الكعبة ، فتجهز في جيش كثيف واستصحب معه فيلا عظيما ، فلما قرب من مكة خرج إليه عبد المطلب فأعظمه ، وكان جميل الهيئة ، فطلب منه أن يرد عليه إبلا نهبت ، فاستقصر همته وقال : لقد ظننت أنك لا تسألني إلا في الأمر الذي جئت فيه ، فقال : إن لهذا البيت ربا سيحميه ، فأعاد إليه إبله ، وتقدم أبرهة بجيوشه فقدموا الفيل ، فأرسل الله عليهم طيرا مع كل واحدة ثلاثة أحجار : حجران في رجليه وحجر في منقاره ، فألقتها عليهم فلم يبق منهم أحد إلا أصيب .
وأخرج ابن مردويه بسند حسن عن عكرمة عن nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس قال : جاء أصحاب الفيل حتى نزلوا الصفاح وهو بكسر المهملة ثم فاء ثم مهملة : موضع خارج مكة من جهة طريق اليمن ، فأتاهم عبد المطلب فقال : إن هذا بيت الله لم يسلط عليه أحدا ، فقالوا : لا نرجع حتى نهدمه ، فكانوا لا يقدمون الفيل قبله إلا تأخر ، فدعا الله الطير الأبابيل فأعطاها حجارة سوداء ، فلما حاذتهم رمتهم فما بقي منهم أحد إلا أخذته الحكة ، فكان لا يحك أحد منهم جلده إلا تساقط لحمه . [ ص: 53 ] قال nindex.php?page=showalam&ids=12563ابن إسحاق : حدثني : يغوث بن عتبة قال : حدثت أن أول ما وقعت الحصبة والجدري بأرض العرب يومئذ . وعند الطبري بسند صحيح عن عكرمة " أنها كانت طيرا خضرا خرجت من البحر لها رءوس كرءوس السباع " . ولابن أبي حاتم من طريق nindex.php?page=showalam&ids=16531عبيد بن عمير بسند قوي بعث الله عليهم طيرا أنشأها من البحر كأمثال الخطاطيف فذكر نحو ما تقدم . قوله ( : لعمرو بن سعيد ) هو المعروف بالأشدق وكان أميرا على دمشق من جهة nindex.php?page=showalam&ids=16491عبد الملك بن مروان فقتله عبد الملك وقصته مشهورة . قوله : ( ولا يعضد بها شجرة ) قد تقدم ضبطه وتفسيره في الحج قوله : ( فإن أحد ترخص بقتال رسول الله صلى الله عليه وسلم فيها ) أي استدل بقتاله صلى الله عليه وسلم فيها على أن القتال فيها لغيره مرخص فيه قوله : ( إن الحرم لا يعيذ عاصيا ) هذا من عمرو المذكور معارضة لحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم برأيه وهو مصادم للنص ، ولا جرم فالمذكور من عتاة الأمة النابين عن الحق قوله : ( ولا فارا بخربة ) بضم الخاء المعجمة ويجوز فتحها وسكون الراء بعدها باء موحدة ، وهي في الأصل سرقة الإبل ، وفي nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري أنها الخيانة . وقال الترمذي : قد روي بخزية بالزاي والياء التحتية : أي بجريمة يستحيا منها قوله : { nindex.php?page=hadith&LINKID=10890إن أعدى الناس } في رواية { nindex.php?page=hadith&LINKID=10890إن أعتى الناس } وهما تفضيل : أي الزائد في التعدي أو العتو على غيره ، والعتو : التكبر والتجبر . وقد أخرج nindex.php?page=showalam&ids=13933البيهقي عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جده أنه قال وجد في قائم سيف رسول الله صلى الله عليه وسلم كتاب { nindex.php?page=hadith&LINKID=10890إن أعدى الناس على الله } الحديث وأخرج من حديث سليمان بلفظ { nindex.php?page=hadith&LINKID=10890إن أعتى الناس على الله } . وأخرج أيضا حديث أبي شريح بلفظ { nindex.php?page=hadith&LINKID=10890إن أعتى الناس على الله } الحديث قوله : ( بذحول الجاهلية ) جمع ذحل بفتح الذال المعجمة وسكون الحاء المهملة : وهو الثأر وطلب المكافأة والعداوة أيضا . والمراد هنا طلب من كان له دم في الجاهلية بعد دخوله في الإسلام . والمراد أن هؤلاء الثلاثة ، أعتى أهل المعاصي وأبغضهم إلى الله ، وإلا فالشرك أبغض إليه من كل معصية ، كذا قال المهلب وغيره .
وقد استدل بحديث nindex.php?page=showalam&ids=9أنس المذكور على أن nindex.php?page=treesubj&link=25002الحرم لا يعصم من إقامة واجب ، ولا يؤخر لأجله عن وقته ، كذا قال nindex.php?page=showalam&ids=14228الخطابي ، وقد ذهب إلى ذلك nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك nindex.php?page=showalam&ids=13790والشافعي ، وهو اختيار nindex.php?page=showalam&ids=12918ابن المنذر . ويؤيد ذلك عموم الأدلة القاضية باستيفاء الحدود في كل مكان وزمان .
وذهب الجمهور من الصحابة والتابعين ومن بعدهم ، والحنفية وسائر أهل العراق ، nindex.php?page=showalam&ids=12251وأحمد ومن وافقه من أهل الحديث والعترة إلى أنه nindex.php?page=treesubj&link=25013_25002لا يحل لأحد أن يسفك بالحرم دما ولا يقيم به حدا حتى يخرج عنه من لجأ إليه .
واستدلوا على ذلك بعموم حديث nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة وأبي شريح nindex.php?page=showalam&ids=11وابن عباس nindex.php?page=showalam&ids=12وعبد الله بن عمر وعموم قوله تعالى: { nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=97ومن دخله كان آمنا } وهو الحكم الثابت قبل الإسلام وبعده ، فإن أهل الجاهلية كان يرى أحدهم قاتل ابنه فلا يهيجه . وكذلك في الإسلام كما قاله [ ص: 54 ] nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر في الأثر المذكور ، وكما روى الإمام nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد عن nindex.php?page=showalam&ids=2عمر بن الخطاب أنه قال : لو وجدت فيه قاتل الخطاب ما مسسته حتى يخرج منه .
وهكذا روي عن nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس أنه قال : لو وجدت قاتل أبي في الحرم ما هجته .
وأما الاستدلال بحديث nindex.php?page=showalam&ids=9أنس المذكور فوهم ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بقتل ابن خطل الساعة التي أحل الله فيها القتال بمكة ، وقد أخبرنا بأنها لم تحل لأحد قبله ولا لأحد بعده ، وأخبرنا أن حرمتها قد عادت بعد تلك الساعة كما كانت ، وأما الاستدلال بعموم الأدلة القاضية باستيفاء الحدود فيجاب أولا بمنع عمومها لكل مكان وكل زمان لعدم التصريح بهما . وعلى تسليم العموم فهو مخصص بأحاديث الباب لأنها قاضية بمنع ذلك في مكان خاص وهي متأخرة فإنها في حجة الوداع بعد شرعية الحدود . هذا nindex.php?page=treesubj&link=25002إذا ارتكب ما يوجب حدا أو قصاصا في خارج الحرم ثم لجأ إليه .
وأما إذا nindex.php?page=treesubj&link=25002ارتكب ما يوجب حدا أو قصاصا في الحرم فذهب بعض العترة إلى أنه يخرج من الحرم ويقام عليه الحد .
وروى nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد عن nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس أنه قال : " من سرق أو قتل في الحرم أقيم عليه في الحرم " . ويؤيد ذلك قوله تعالى: { nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=191ولا تقاتلوهم عند المسجد الحرام حتى يقاتلوكم فيه فإن قاتلوكم فاقتلوهم } ويؤيده أيضا أن الجاني في الحرم هاتك لحرمته بخلاف الملتجئ إليه . وأيضا لو ترك الحد والقصاص على من فعل ما يوجبه في الحرم لعظم الفساد في الحرم . وظاهر أحاديث الباب المنع مطلقا من غير فرق بين اللاجئ إلى الحرم ، والمرتكب لما يوجب حدا أو قصاصا في داخله وبين قتل النفس أو قطع العضو ، والآية التي فيها الإذن بمقاتلة من قاتل عند المسجد الحرام لا تدل إلا على جواز المدافعة لمن قاتل حال المقاتلة كما يدل على ذلك التقيد بالشرط .
وقد اختلف العلماء في كون هذه الآية منسوخة ومحكمة حتى قال أبو جعفر في كتاب الناسخ والمنسوخ : إنها من أصعب ما في الناسخ والمنسوخ ، فمن قال بأنها محكمة nindex.php?page=showalam&ids=16879مجاهد nindex.php?page=showalam&ids=16248وطاوس ، وأنه لا يجوز nindex.php?page=treesubj&link=25015_25013الابتداء بالقتال في الحرم تمسكا بظاهر الآية وبأحاديث الباب ، وقال في جامع البيان : إن هذا قول الأكثر .
وأما قوله تعالى: { nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=39وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة } فهو مطلق في الأمكنة والأزمنة والأحوال ، وآية البقرة مقيدة ببعض الأمكنة ، فيكون ذلك المطلق مقيدا بها ، وإذا أمكن الجمع فلا نسخ ، هذا معنى كلامه وهو طويل ولكن في كون العام المتأخر يخصص بالخاص المتقدم خلاف بين أهل الأصول ، والراجح التخصيص ، وفي كون عموم الأشخاص لا يستلزم عموم الأحوال والأمكنة والأزمنة خلاف أيضا معروف بين أهل الأصول .