الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            باب تبع الطفل لأبويه في الكفر ولمن أسلم منهما في الإسلام وصحة إسلام المميز 3224 - ( عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : { ما من مولود إلا يولد على الفطرة ، فأبواه يهودانه وينصرانه أو يمجسانه ، كما تنتج البهيمة جمعاء هل تحسون فيها من جدعاء ؟ ، ثم يقول أبو هريرة : { فطرة الله التي فطر الناس عليها } } الآية . متفق عليه ، وفي رواية متفق عليها أيضا قالوا : يا رسول الله أفرأيت من يموت منهم وهو صغير ؟ قال : " الله أعلم بما كانوا عاملين " ) .

                                                                                                                                            3225 - ( وعن ابن مسعود { أن النبي صلى الله عليه وسلم لما أراد قتل عقبة بن أبي معيط ، قال : من للصبية ؟ قال : النار } . رواه أبو داود والدارقطني في الإفراد ، وقال فيه : " النار لهم ولأبيهم " ) . [ ص: 236 ]

                                                                                                                                            3226 - ( وعن أنس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { ما من مسلم يموت له ثلاثة من الولد لم يبلغوا الحنث إلا أدخله الله الجنة بفضل رحمته إياهم } . رواه البخاري وأحمد ، وقال فيه : " ما من رجل مسلم " ، وهو عام فيما إذا كانوا من مسلمة أو كافرة ، قال البخاري : فكان ابن عباس مع أنه من المستضعفين ، ولم يكن مع أبيه على دين قومه ) .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            حديث ابن مسعود سكت عنه أبو داود والمنذري ورجال إسناده ثقات ، إلا علي بن حسين الرقي ، وهو صدوق كما قال في التقريب . وأخرج نحوه البيهقي من طريق محمد بن يحيى بن سهل بن أبي خيثمة عن أبيه عن جده { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما أقبل بالأسارى فكان بعرق الظبية أمر عاصم بن ثابت فضرب عنق عقبة بن أبي معيط صبرا ، فقال : من للصبية يا محمد ؟ قال : النار لهم ولأبيهم } . قوله : ( على الفطرة ) للفطرة معان ، منها : الخلقة ، ومنها : الدين . قال في القاموس : والفطرة صدقة الفطر ، والخلقة التي خلق عليها المولود في رحم أمه ، والدين ، انتهى . والمناسب ههنا هو المعنى الآخر ، أعني الدين : أي كل مولود يولد على الدين الحق فإذا لزم غيره فذلك لأجل ما يعرض له بعد الولادة من التغييرات من جهة أبويه أو سائر من يربيه .

                                                                                                                                            قوله : ( جمعاء ) بفتح الجيم وسكون الميم بعدها عين مهملة ، قال في القاموس : والجمعاء : الناقة المهزولة ، ومن البهائم : التي لم يذهب من بدنها شيء . انتهى . والمراد ههنا المعنى الآخر لقوله : " هل تحسون فيها من جدعاء ؟ " والجدع قطع الأنف أو الأذن أو اليد أو الشفة كما في القاموس . قال : والجدعة محركة ما بقي بعد القطع انتهى . والمعنى أن البهائم كما أنها تولد سليمة من الجدع كاملة الخلقة ، وإنما يحدث لها نقصان الخلقة بعد الولادة بالجدع ونحوه ، كذلك أولاد الكفار يولدون على الدين الحق الكامل وما يعرض لهم من التلبس بالأديان المخالفة له فإنما هو حادث لهم بعد الولادة بسبب الأبوين ومن يقوم مقامهما . وحديث أبي هريرة فيه دليل على أن أولاد الكفار يحكم لهم عند الولادة بالإسلام ، وأنه إذا وجد الصبي في دار الإسلام دون أبويه كان مسلما ، لأنه إنما صار يهوديا أو نصرانيا أو مجوسيا بسبب أبويه ، فإذا عدما فهو باق على ما ولد عليه وهو الإسلام .

                                                                                                                                            قوله : ( الله أعلم بما كانوا عاملين ) فيه دليل على أن أحكام الكفار عند الله إذا ماتوا صغارا غير متعينة بل منوطة بعمله الذي كان يعمله لو عاش .

                                                                                                                                            وفي حديث ابن مسعود المذكور دليل على أنهم من أهل النار لقوله [ ص: 237 ] فيه : " النار لهم ولأبيهم " ويشكل على مذهب العدلية لعدم وقوع موجب التعذيب منهم . والحاصل أن مسألة أطفال الكفار باعتبار أمر الآخرة من المعارك الشديدة لاختلاف الأحاديث فيها ولها ذيول مطولة لا يتسع لها المقام .

                                                                                                                                            وفي الوقف عن الجزم بأحد الأمرين سلامة من الوقوع في مضيق لم تدع إليه حاجة ولا ألجأت إليه ضرورة ، وأما باعتبار أحكام الدنيا ، فقد ثبت في صحيح البخاري في باب أهل الدار من كتاب الجهاد { أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن أولاد المشركين هل يقتلون مع آبائهم ؟ فقال : هم منهم } .

                                                                                                                                            قال في الفتح : أي في الحكم في تلك الحالة ، وليس المراد إباحة قتلهم بطريق القصد إليهم ، بل المراد إذا لم يمكن الوصول إلى الآباء إلا بوطء الذرية ، فإذا أصيبوا لاختلاطهم بهم جاز قتلهم . انتهى . وخرج أبو داود { أن النبي صلى الله عليه وسلم لما بعث إلى ابن أبي الحقيق نهى عن قتل النساء والصبيان } . ويحمل هذا على أنه لا يجوز قتلهم بطريق القصد . وأخرج الطبراني في الأوسط من حديث ابن عمر . قال : { لما دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة أتي بامرأة مقتولة فقال : ما كانت هذه لتقاتل ، ونهى عن قتل النساء والصبيان } . وأخرج نحوه أبو داود في المراسيل من حديث عكرمة .

                                                                                                                                            وقد ذهب مالك والأوزاعي أنه لا يجوز قتل النساء والصبيان بحال ، حتى لو تترس أهل الحرب بالنساء والصبيان لم يجز رميهم ولا تحريقهم . وذهب الشافعي والكوفيون وغيرهم إلى الجمع بما تقدم ، وقالوا : إذا قاتلت المرأة جاز قتلها . ويؤيد ذلك ما أخرجه أبو داود والنسائي وابن حبان من حديث رباح بن الربيع التميمي قال : { كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة فرأى الناس مجتمعين فرأى المرأة مقتولة ، فقال : ما كانت هذه لتقاتل } فإن مفهومه أنها لو قاتلت لقتلت . وقد نقل ابن بطال وغيره الاتفاق على مثل القصد إلى قتل النساء والولدان ، وأما حديث أنس المذكور في الباب فمحله كتاب الجنائز ، وإنما ذكره المصنف ههنا للاستدلال به على : أن الولد يكون مسلما بإسلام أحد أبويه لما في قوله : " ما من الناس مسلم يموت له ثلاثة من الولد " . فإنه يقتضي أن من كان له ذلك المقدار من الأولاد دخل الجنة ، وإن كانوا من امرأة غير مسلمة ، ونفعهم لأبيهم في ذلك الأمر إنما يصح بعد الحكم بإسلامهم لأجل إسلام أبيهم .




                                                                                                                                            الخدمات العلمية