الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.
اختيار هذا الخط
الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.
[ ص: 231 ] ( فصل في nindex.php?page=treesubj&link=1492الأوقات التي تكره فيها الصلاة ) ( لا تجوز nindex.php?page=treesubj&link=1493_1494_1495_1496_2197الصلاة عند طلوع الشمس ولا عند قيامها في الظهيرة ولا عند غروبها ) لحديث { nindex.php?page=hadith&LINKID=82055nindex.php?page=showalam&ids=27عقبة بن عامر رضي الله عنه قال : ثلاثة أوقات نهانا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نصلي فيها وأن نقبر فيها موتانا : عند طلوع [ ص: 232 ] الشمس حتى ترتفع ، وعند زوالها حتى تزول ، وحين تضيف للغروب حتى تغرب } والمراد بقوله وأن نقبر : [ ص: 233 ] صلاة الجنازة لأن الدفن غير مكروه ، والحديث بإطلاقه حجة على nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي رحمه الله في تخصيص الفرائض ، وبمكة في حق النوافل ، وحجة على nindex.php?page=showalam&ids=14954أبي يوسف في إباحة nindex.php?page=treesubj&link=1496_1044_1906النفل يوم الجمعة وقت الزوال [ ص: 234 ] قال ( ولا صلاة جنازة ) لما روينا ( ولا سجدة تلاوة ) لأنها في معنى الصلاة ( إلا عصر يومه عند الغروب ) لأن السبب هو الجزء القائم من الوقت ، لأنه لو تعلق بالكل لوجب الأداء بعده ، ولو تعلق بالجزء الماضي [ ص: 235 ] فالمؤدي في آخر الوقت قاض ، وإذا كان كذلك فقد أداها كما وجبت ، بخلاف غيرها من الصلوات لأنها وجبت كاملة فلا تتأدى بالناقص .
قال رضي الله عنه : والمراد بالنفي المذكور في صلاة الجنازة وسجدة التلاوة [ ص: 236 ] الكراهة ، حتى لو صلاها فيه أو تلا سجدة فيه فسجدها جاز لأنها أديت ناقصة كما وجبت إذ الوجوب بحضور الجنازة والتلاوة .
[ ص: 231 ] فصل في الأوقات التي تكره فيها الصلاة ) استعمل الكراهة هنا بالمعنى اللغوي ، فيشمل عدم الجواز وغيره مما هو مطلوب العدم ، أو هو بالمعنى العرفي والمراد كراهة التحريم لما عرف من أن النهي الظني الثبوت غير المصروف عن مقتضاه يفيد كراهة التحريم وإن كان قطعيه أفاد التحريم فالتحريم في مقابلة الفرض في الرتبة وكراهة التحريم في رتبة الواجب والتنزيه برتبة المندوب والنهي الوارد من الأول ، فكان الثابت به كراهة التحريم ، وهي في الصلاة إن كانت لنقصان في الوقت منعت أن يصح فيه ما تسبب عن وقت لا نقص فيه لا لأنها كراهة تحريم بل لعدم تأدي ما وجب كاملا ناقصا ، فلذا قال عقيب ترجمته بالكراهة لا تجوز الصلاة إلخ ، لكن إن أريد بعدم الجواز عدم الصحة والصلاة عام لم يصدق في كل صلاة لأنه لو nindex.php?page=treesubj&link=1492_25891_20544شرع في نفل في الأوقات الثلاثة صح شروعه حتى وجب قضاؤه إذا قطعه خلافا nindex.php?page=showalam&ids=15922لزفر .
ويجب قطعه وقضاؤه في غير مكروه في ظاهر الرواية ، ولو أتمه خرج عن عهدة ما لزمه بذلك الشروع ، وفي المبسوط القطع أفضل ، والأول هو مقتضى الدليل ، وإن أريد عدم الحل : كان أعم من عدم الصحة ، فلا يستفاد منه خصوص ما هو حكم القضاء من عدم الصحة وهو مقصود الإفادة ، والظاهر أن مقصوده الثاني ، ولذا استدل بحديث nindex.php?page=showalam&ids=27عقبة بن عامر الثابت في nindex.php?page=showalam&ids=17080مسلم وغيره { nindex.php?page=hadith&LINKID=82056ثلاث ساعات كان رسول الله صلى الله عليه وسلم نهانا أن نصلي فيهن أو نقبر فيهن موتانا حين تطلع الشمس بازغة حتى ترتفع ، وحين يقوم قائم الظهيرة حتى تميل الشمس ، وحين تضيف للغروب حتى تغرب } وهو إنما يفيد عدم الحل في جنس الصلاة دون عدم الصحة في بعضها بخصوصه .
والمفيد لها إنما هو قوله صلى الله عليه وسلم { nindex.php?page=hadith&LINKID=82057إن الشمس تطلع بين قرني شيطان ، فإذا ارتفعت فارقها ، ثم إذا استوت قارنها ، فإذا زالت فارقها ، فإذا دنت للغروب قارنها ، وإذا غربت فارقها ، ونهى عن الصلاة في تلك الساعات } رواه nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك في الموطأ nindex.php?page=showalam&ids=15395والنسائي ، فإنه أفاد كون المنع لما اتصل بالوقت مما يستلزم فعل الأركان [ ص: 232 ] فيه التشبه بعبادة الكفار ، وهذا المعنى بنقصان الوقت وإلا فالوقت لا نقص فيه نفسه بل هو وقت كسائر الأوقات إنما النقص في الأركان فلا يتأدى بها ما وجب كاملا فخرج الجواب عما قيل لو ترك بعض الواجبات صحت الصلاة مع أنها ناقصة تأدى بها الكامل لأن ترك الواجب لا يدخل النقص في الأركان التي هي المقومة للحقيقة ، بخلاف فعل الأركان في ذلك الوقت .
وعن nindex.php?page=treesubj&link=1423_1413_1414_1416_1492الكافر والصبي والمجنون إذا أسلم وبلغ وأفاق في الجزء المكروه فلم يؤد حتى خرج الوقت فإن السبب في حقهم لا يمكن جعله كل الوقت حين خرج إذ لم يدركوا مع الأهلية إلا ذلك الجزء فليس السبب في حقهم إلا إياه ، ومع هذا لو قضوا في وقت مكروه لا يجوز لأن الثابت في ذمته كامل ، إذ لا نقص في الوقت نفسه بل المفعول فيه يقع ناقصا ، غير أن تحمل ذلك النقص لو أدى فيه العصر ضروري لأنه مأمور بالأداء فيه فإذا لم يؤد لم يوجد النقص الضروري وهو في نفسه كامل فيثبت في ذمته كذلك فلا يخرج عن عهدته إلا بكامل ، بخلاف ما لو قضى في وقت مكروه ما قطعه من النفل المشروع فيه في وقت مكروه حيث يخرجه عن العهدة وإن كان آثما ، لأن وجوبه ضرورة صيانة المؤدى عن البطلان ليس غير ، والصون عن البطلان يحصل مع النقصان ، وكذا سجدة التلاوة في الوقت المكروه وصلاة الجنازة لأنهما لإظهار مخالفة الكفار بالانقياد وقضاء حق الميت بالدعاء له ، وكل منهما يتحقق مع النقصان ، أو نقول عند التلاوة يخاطب بالأداء موسعا ومن ضرورته تحمل ما يلزمه من النقص لو أدى عندها ، بخلاف ما إذا تليت في غير مكروه فإن الخطاب لم يتحقق بأدائها في وقت مكروه موسعا فلا يجوز قضاؤها في مكروه ، هذا الوجه أسلم إذ يستلزم الأول جواز أدائها في مكروه وإن تليت في غيره ، ومثله بعينه في صلاة الجنازة وهو معنى قول المصنف حتى لو صلاها فيه أو تلا سجدة فيه وسجدها إلى قوله : إذ الوجوب بحضور الجنازة والتلاوة ، يقتضي كلامه أن الأولى تأخيرهما إذا تحقق سببهما في الوقت المكروه .
وفي التحفة nindex.php?page=treesubj&link=1492_1044إذا حضرت جنازة في الأوقات الثلاثة فالأفضل أن يصلي ولا يؤخرها ، بخلاف الفرائض [ ص: 233 ] فإنها وجبت لعينها : أي ابتداء إقامة فرائض الملك سبحانه المستحقة على وجه الكمال فاقتصر على هذا التقرير فإنه يدفع أوهاما بعد إتقانه إن شاء الله سبحانه ( قوله حجة على nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي في تخصيص الفرائض ) أي المقضيات ، وبمكة أي nindex.php?page=treesubj&link=1492_1407_1408وتخصيص الصلاة مطلقا بمكة فرضها ونفلها وعلى nindex.php?page=showalam&ids=14954أبي يوسف رحمه الله في إباحة nindex.php?page=treesubj&link=1496_1044_1906النفل يوم الجمعة وقت الزوال ، أما إخراج الفرائض فبقوله صلى الله عليه وسلم { nindex.php?page=hadith&LINKID=37462من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها } متفق عليه ، وأما بمكة فحديث nindex.php?page=showalam&ids=67جبير بن مطعم مرفوعا { nindex.php?page=hadith&LINKID=43397يا بني عبد مناف لا تمنعوا أحدا طاف بهذا البيت وصلى أية ساعة شاء من ليل أو نهار } وبحديث nindex.php?page=showalam&ids=1584أبي ذر في معناه ، رواه nindex.php?page=showalam&ids=14269الدارقطني nindex.php?page=showalam&ids=13933والبيهقي ، وهو معلول بأربعة أمور : انقطاع ما بين nindex.php?page=showalam&ids=16879مجاهد nindex.php?page=showalam&ids=1584وأبي ذر فإنه الذي يرويه عنه ، وضعف ابن المؤمل ، وضعف حميد مولى عفراء ، واضطراب سنده ، ورواه nindex.php?page=showalam&ids=13933البيهقي وأدخل قيس بن سعد بين حميد هذا وبين nindex.php?page=showalam&ids=16879مجاهد ، ورواه سعيد بن سالم فأسقطه من البين . وأما إخراج nindex.php?page=showalam&ids=14954أبي يوسف رحمه الله ففي مسند nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي رحمه الله ، أخبرنا إبراهيم بن محمد عن nindex.php?page=showalam&ids=12423إسحاق بن عبد الله عن سعيد المقبري عن nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة رضي الله عنه { nindex.php?page=hadith&LINKID=76950أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن الصلاة نصف النهار حتى تزول الشمس إلا يوم الجمعة } أما [ ص: 234 ] حديث { nindex.php?page=hadith&LINKID=37467من نام عن صلاة } فهو وإن كان خاصا في الصلاة لكن كونه مخصصا لعمومها في حديث nindex.php?page=showalam&ids=27عقبة بن عامر يتوقف على المقارنة ، فلما لم يثبت فهو معارض في بعض الأفراد فيقدم حديث عقبة لأنه محرم ، ولو تنزلنا إلى طريقهم في كون الخاص مخصصا كيفما كان فهو خاص في الصلاة عام في الأوقات ، فإن وجب تخصيصه عموم الصلاة في حديث nindex.php?page=showalam&ids=27عقبة بن عامر وجب تخصيص حديث عقبة عموم الوقت ، لأنه خاص في الوقت ، وتخصيص عموم الوقت هو إخراجه الأوقات الثلاثة من عموم وقت التذكر في حق الصلاة الفائتة ، كما أن تخصيص الآخر هو إخراج الفوائت عن عموم منع الصلاة في الأوقات الثلاثة ، وحينئذ فيتعارضان في الفائتة في الأوقات المكروهة ، إذ تخصيص حديث عقبة يقتضي إخراجها عن الحل في الثلاثة ، وتخصيص حديث التذكر للفائتة من عموم الصلاة يقتضي حلها فيها ، ويكون إخراج حديث عقبة أولى لأنه محرم .
وأما حديث مكة فبعد التنزل فيه عام في الصلاة والوقت فيتعارض عمومهما في الصلاة ، ويقدم حديث عقبة لما قلنا ، وكذا يتعارضان [ ص: 235 ] في الوقت إذ الخاص يعارض العام عندنا ، وعلى أصولهم يجب أن يخص منه حديث عقبة الأوقات الثلاثة لأنه خاص فيها . وأما حديث nindex.php?page=showalam&ids=14954أبي يوسف رحمه الله فالواقع بعد التنزل فيه أيضا استثناء يوم الجمعة ، والاستثناء عندنا تكلم بالباقي فيكون حاصله نهيا مقيدا بكونه بغير يوم الجمعة فيقدم عليه حديث عقبة المعارض له فيه لأنه محرم ، وقد يقال : يحمل المطلق على المقيد لاتحادهما حكما وحادثة ( قوله والمراد إلخ ) اختلف في ذلك ، فحمله [ ص: 236 ] الترمذي على الصلاة كالمصنف ، وكذا nindex.php?page=showalam&ids=16418ابن المبارك ، وحمله nindex.php?page=showalam&ids=11998أبو داود على الدفن الحقيقي ، ويترجح الأول بما رواه الإمام أبو حفص عمر بن شاهين في كتاب الجنائز من حديث nindex.php?page=showalam&ids=15787خارجة بن مصعب عن nindex.php?page=showalam&ids=15124ليث بن سعد عن موسى بن علي عن أبيه عن nindex.php?page=showalam&ids=27عقبة بن عامر قال { nindex.php?page=hadith&LINKID=63527نهانا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نصلي على موتانا عند ثلاث : عند طلوع الشمس } الحديث . وقال nindex.php?page=showalam&ids=13933البيهقي في كتاب المعرفة : ورواه nindex.php?page=showalam&ids=15899روح بن القاسم عن موسى بن علي عن أبيه وزاد فيه : قلت nindex.php?page=showalam&ids=27لعقبة أيدفن بالليل ؟ قال : نعم ، قد دفن أبو بكر .