الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            معلومات الكتاب

                                                                                                                                            الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

                                                                                                                                            الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            [ ص: 325 ] باب الماء الذي ينجس والذي لا ينجس

                                                                                                                                            قال الشافعي : " أخبرنا الثقة عن الوليد بن كثير المخزومي عن محمد بن عباد بن جعفر عن عبد الله بن عبد الله بن عمر عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " إذا كان الماء قلتين لم يحمل نجسا أو قال خبثا عن أبيه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " إذا كان الماء قلتين لم يحمل نجسا أو قال خبثا " وهو صحيح ، وللنجاسة إذا وقعت في الماء حالان . حال تغير أحد أوصاف الماء من لون أو طعم أو رائحة ، فيصير الماء بها نجسا ، قليلا كان أو كثيرا وهو إجماع .

                                                                                                                                            والحال الثانية : أن لا تغير النجاسة شيئا من أوصاف الماء فقد اختلف الناس في حكمه على ثلاثة مذاهب :

                                                                                                                                            أحدها : وهو مذهب مالك أن الاعتبار في نجاسته بالتغيير ما لم يتغير أحد أوصافه ، فهو طاهر ، وإن قل وبه قال الحسن البصري وإبراهيم النخعي وداود بن علي .

                                                                                                                                            والمذهب الثاني : وهو مذهب أبي حنيفة أن اعتبار نجاسته بالاختلاط ، واختلاط النجاسة بالماء معتبر بأنه متى حرك أدناه تحرك أقصاه وقيل : ما التقى طرفاه فيصير الماء به نجسا وإن لم يلتق طرفاه ، ولا تحرك أقصاه بتحريك أدناه كان ما لم يتحرك من الماء بالنجاسة طاهرا ، واختلفت عنه الرواية فيما تحرك فروى بعض أصحابه عنه أنه نجس ، وروى بعضهم أنه طاهر .

                                                                                                                                            والمذهب الثالث : أن اعتبار نجاسته بالقلة والكثرة فإن قل الماء كان نجسا وإن كثر كان طاهرا ، واختلف القائلون بهذا في حد القليل من الكثير على ثلاثة مذاهب :

                                                                                                                                            أحدها : وهو مذهب الشافعي أنه محدود بقلتين ، فإن بلغ الماء قلتين فهو كثير ، لا ينجس إلا بالتغيير ، وإن كان دون القلتين ، فهو نجس ، وبه قال من الصحابة عبد الله بن عمر [ ص: 326 ] وعبد الله بن عباس وأبو هريرة ، ومن التابعين سعيد بن جبير ومجاهد ، ومن الفقهاء ابن جريح ومحمد بن إسحاق وأبو عبيد القاسم بن سلام وعبد الرحمن بن مهدي وأحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه وأبو ثور .

                                                                                                                                            والمذهب الثاني : أنه محدود بأربعين قلة ، والقلة منها كالجرة ، وهو قول عبد الله بن عمرو بن العاص ومحمد بن المنكدر .

                                                                                                                                            والمذهب الثالث : أنه محدود بكر ، والكر عندهم أربعون قفيزا ، والقفيز عندهم اثنان وثلاثون رطلا ، وكان مقدار ذلك ألف رطل ، ومائتي رطل ، وثمانين رطلا وهو قول محمد بن سيرين ومسروق بن الأجدع ووكيع بن الجراح فهذه المذاهب المشهورة فيما ينجس من الماء ولا ينجس .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية