الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      ولما لاح من ذلك أن الشيطان ألقى للكفار شبها، يعاجزون بها بجدالهم في دين الله الذي أمر رسوله محمدا صلى الله عليه وسلم بإظهاره، [ ص: 70 ] وتقريره وإشهاره، عطف عليه تسلية له صلى الله عليه وسلم قوله: وما أرسلنا أي بعظمتنا من قبلك ثم أكد الاستغراق بقوله: من رسول أي من ملك أو بشر بشريعة جديدة يدعو إليها ولا نبي سواء كان رسولا أو لا، مقرر بالحفظ لشريعة سابقة - كذا قال البيضاوي وغيره في الرسول وهو منقوض بأنبياء بني إسرائيل الذين بين موسى وعيسى عليهم الصلاة والسلام، فإن الله تعالى سماهم رسلا في غير آية منها ولقد آتينا موسى الكتاب وقفينا من بعده بالرسل فالصواب أن يقال: النبي إنسان أوحي إليه بشرع جديد أو مقرر، فإن أمر بالتبليغ فرسول أيضا، والتقييد بشرع لإخراج مريم وغيرها من الأولياء إلا إذا تمنى أي تلا على الناس ما أمره الله به أو حدثهم به واشتهى في نفسه أن يقبلوه حرصا منه على إيمانهم شفقة عليهم ألقى الشيطان في أمنيته أي ما تلاه أو حدث به واشتهى أن يقبل، من الشبه والتخيلات ما يتلقفه منه أولياؤه فيجادلون به أهل الطاعة ليضلوهم

                                                                                                                                                                                                                                      وإن الشياطين ليوحون إلى أوليائهم ليجادلوكم وكذلك جعلنا لكل نبي عدوا شياطين الإنس والجن يوحي بعضهم إلى بعض زخرف القول غرورا كما يفعل هؤلاء فيما [ ص: 71 ] يغيرون به في وجه الشريعة أصولا وفروعا من قولهم: إن القرآن شعر وسحر وكهانة، وقولهم لو شاء الله ما أشركنا وقولهم هؤلاء شفعاؤنا عند الله وقولهم: إن ما قتله الله بالموت حتف أنفه أولى بالأكل مما ذبح، وقولهم: نحن أهل الله وسكان حرمه، لا نخرج من الحرم فنقف في الحج بالمشعر الحرام ويقف الناس بعرفة ، ونحن نطوف في ثيابنا وكذا من ولدناه، وأما غيرنا فلا يطوف إلا عريانا ذكرا كان أو أنثى إلا أن يعطيه أحد منا ما يلبسه، ونحو ذلك مما يريدون أن يطفئوا به نور الله، وكذا تأويلات الباطنية والاتحادية وأنظارهم التي ألحدوا فيها، يضل بها من يشاء الله ثم يمحوها من أراد من عباده وما أراد من أمره فينسخ أي فيتسبب عن إلقائه أنه ينسخ الله أي المحيط بكل شيء قدرة وعلما ما يلقي الشيطان فيبطله بإيضاح أمره ومج القلوب له.

                                                                                                                                                                                                                                      ولما كان إبطاله سبحانه للشبه إبطالا محكما، لا يتطرق إليه لعلو رتبة بيانه - شبهة أصلا، عبر بأداة التراخي فقال: ثم يحكم الله أي الملك الذي لا كفؤ له آياته أي يجعلها جلية فيما أريد منها، وأدل دليل على أن هذا هو المراد مع الافتتاح بالمعاجزة في الآيات - الختام بقوله عطفا على ما تقديره: فالله على ما يشاء قدير: [ ص: 72 ] والله أي الذي له الأمر كله عليم أي بنفي الشبه حكيم بإيراد الكلام على وجه لا تؤثر فيه عند من له أدنى بصيرة، وكذا ما مضى في السورة ويأتي من ذكر الجدال.

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية