الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
              صفحة جزء
              [ ص: 33 ] بسم الله الرحمن الرحيم

              رب يسر وأعن

              أخبرنا الشيخ الإمام أبو الحسن علي بن عبيد الله بن نصر ابن الزاغوني ، قال : أخبرنا الشيخ أبو القاسم علي بن أحمد بن [ ص: 34 ] محمد بن البسري ، قال : أخبرنا الشيخ أبو عبد الله عبيد الله بن محمد بن محمد بن حمدان بن بطة إجازة ، قال : [ ص: 35 ]

              باب خلافة عثمان بن عفان أمير المؤمنين رضي الله عنه .

              و عثمان بن عفان رحمة الله عليه وعلى جميع الصحابة ، أحد الصحابة السابقين الأولين من قرابة رسول الله صلى الله عليه وسلم الأجلين ممن استجاب لله وللرسول في أول دعوته فسبق بإسلامه ، ونصح لله ولرسوله [ ص: 36 ] في إيمانه ، فحسن في الإسلام ولاؤه ، وعظم فيه غناؤه ، وتقدمت هجرته [ ص: 37 ] وقربت قرابته صهر رسول الله صلى الله عليه وسلم على بنتيه ، وخليفته بعد خليفتيه أحد الخلفاء الراشدين ، والأئمة المهديين ، الذين وعدهم بالاستخلاف لهم في الأرض ، والتمكين لهم فيها بالحق والدين ، الذي ارتضاه لهم ، ويبدلهم من بعد خوفهم أمنا ، حتى يعبدوا الله وحده ، ويقيموا الصلاة ، ويؤتوا الزكاة ، ويأمروا بالمعروف وينهوا عن المنكر وكذلك وعدهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بأن الخلافة ثلاثون سنة ، فكانت [ ص: 38 ] خلافة عثمان منها اثنتي عشرة سنة ، فنجز وعد الله ، وتمت كلمة الله ، [ ص: 39 ] وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ودحضت حجة من كفر بالله .

              وقال النبي صلى الله عليه وسلم : " إن الله جعل الحق على لسان عمر وقلبه " . [ ص: 40 ] [ ص: 41 ]

              وقال علي رضي الله عنه : " إن عمر كان رشيد الأمر ، وإنه ناصح الله فنصحه " . [ ص: 42 ]

              فكان من رشاد عمر ونصحه لله ولرسوله ولجماعة المسلمين ، وذلك بتوفيق الله له : أن جعل الأمر بعده شورى في ستة نفر من المهاجرين الأولين ممن شهد الله لهم بالرضى عنهم ، فشهدوا بيعة الرضوان ، [ ص: 43 ] ومن شهد لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بالجنة ، أصحاب [ ص: 44 ] حراء وأهل [ ص: 45 ] بدر والحديبية ومات رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو عنهم راض وأخرج [ ص: 46 ] ولده وعصبته منها ، وقال لهم : " إذا أجمعتم على واحد منكم فهو [ ص: 47 ] الخليفة عليكم " ، وكانوا ستة رهط : عثمان ، وعلي ، وطلحة ، والزبير ، وسعد ، وعبد الرحمن ، فاجتمعوا ثلاثة أيام متوالية لا يألون جهدا والأمة نصحا ، فرضوا أجمعون بعثمان بن عفان رضي الله عنه ، فكان أول من بايعه علي بن أبي طالب وبقية الرهط ، ثم على أثرهم جميع الصحابة من المهاجرين والأنصار وهم به [ ص: 48 ] وبخلافته راضون ، لم يختلف فيه اثنان ، ولم تفترق فيه فئتان ، [ ص: 49 ] وذلك لما عرفوا من فضله ، وسبق إسلامه وتقديم رسول الله له ، وما كان من عظيم عنائه في الإسلام ، وحسن بلائه ، وكثرة مناقبه وسوابقه ، والمآثر التي كانت منه في مصالح المسلمين وتأييد الإسلام ، حتى شاعت وذاعت وكثرت فشهرت ، لا يشكك فيها أحد تذوق طعم الإيمان ، ولا أحد تنشق روائح الإسلام ، ولا ينكرها ويأبى قبولها إلا عبد شقي يغمص الإسلام وأهله ، قد غل صدره [ ص: 50 ] ونغل قلبه وحرم التوفيق ، وعدل به عن الرشاد ، وغلبه الهوى ، فحل به الشقاء .

              وسأذكر من موجبات خلافته ، وما دل على صحته إمامته ومن مناقبه وسوابقه ، وفضائله وشرفه وما فضله الله به وأعلاه ، وأكرمه به وحباه ما إذا سمعه المؤمن الكيس العاقل كان ذلك زيادة في إيمانه ، وقوة في بصيرته ، وإن سمعه جاهل قد غشي بصره ، وزاغ قلبه ، [ ص: 51 ] فأحب الله به خيرا ، رده عن جهالته ونجاه من صبوته فاستخلصه من يد شيطانه ، فرجع عن قبيح مذهبه إلى طريقة أهل البصيرة والهدى ، وإن أبى إلا الإقامة في غلوائه ، والإصرار على عماه ، كان ذلك زيادة في الحجة عليه ، والله حسيبه وهو حسبنا ونعم الوكيل .

              فأما ما دل على خلافته ، ووضحت به إمامته ، فقد قدمت من ذكره في هذا الكتاب من نص التنزيل ، وإخبار الرسول صلى الله عليه وسلم في خلافة الأربعة الخلفاء الراشدين والأئمة المهديين ، وهم : أبو بكر ، وعمر ، وعثمان ، وعلي رضي الله عنهم . [ ص: 52 ] [ ص: 53 ] [ ص: 54 ]

              وعثمان رحمه الله أخذ من ذلك بأكمل حظ وأوفر نصيب ونذكر في هذا الموضع من فضائله ، وما اختص به في ذات نفسه من الفضائل الرفيعة ، والمناقب الشريفة ، وما جعله الله أهلا له ، ما في بعضه كفاية لأهل الدراية .

              فأول ذلك تصديقه لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، وسبقه إلى الإيمان ، ودخوله في جملة السابقين الأولين ، وقرابته القريبة برسول الله صلى الله عليه وسلم وتزويج رسول الله صلى الله عليه وسلم له بابنتيه وذلك بوحي من الله ، وأمر منه له بذلك ، وما كان قط من بدو الدنيا إلى انقضائها رجل صاهر نبيا على ابنتيه ، وتزوج بابنتي نبي إلا عثمان بن عفان ، [ ص: 55 ] وبذلك سمي ذا النورين فهو من خير الأصهار لخير الأحماء ، وتحته خير الأزواج قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن الله أمرني أن أزوج كريمتي عثمان بن عفان " ، فزوجه رقية فلما ماتت قال النبي صلى الله عليه وسلم : " يا عثمان ، إن هذا جبريل يخبرني أن الله قد زوجك أم كلثوم بمثل صداق رقية على مثل صحبتها " . [ ص: 56 ] [ ص: 57 ]

              التالي السابق


              الخدمات العلمية