الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      ولما ذكر هذا الابتلاء بعد أن ذكر أول السورة ما هو سبحانه عليه من العظمة من سعة الملك، وكثرة الصنائع، والإحسان إلى جميع الخلق، وكان من حق كل مربوب أن يتعرف إلى ربه، كائنا من كان، لا سيما إذا كان بهذه الصفة، لينال من إحسانه، ويتعزز به على أقرانه، أتبع ذلك أنه كشف الابتلاء عن أنه لا بصر لهم فقال تعالى: وقال وأظهر في موضع الإضمار الوصف الذي قدم أنه موجب لعماهم فقال: الذين لا يرجون أي ليست لهم عقول لكونهم نسوا لقاءنا فهم لا يعملون عملا يطمعون في إثباتنا لهم عليه بعد الموت على ما يعلمون لنا من العظمة التي من رجاها كانت له فسعد، ومن أعرض عنها [ ص: 368 ] كانت عليه فهلك، فصارت لذلك عقولهم تبعا لشهواتهم، فصاروا يتعرفون إلى جمادات سموها أربابهم، ويقصدونها ويتمسحون بها رجاء للمحال، والانهماك في الضلال، فذكر الرجاء لهذا الغرض مع أنه يلزمه عدم الخوف: لولا أي هلا ولم لا.

                                                                                                                                                                                                                                      ولما كان مرادهم لجهلهم أن يروهم كلهم دفعة واحدة، عبر بالإنزال فقال: أنـزل أي على أي وجه كان من أي منزل كان علينا الملائكة أي كما أنزلت عليه فيما يزعم أو نرى ربنا بما له إلينا من الإحسان وما لنا نحن من العظمة بالقوة بالأموال وغيرها، فيأمرنا بما يريد من غير حاجة إلى واسطة.

                                                                                                                                                                                                                                      ولما كان هذا القول مما لا ينبغي لبشر أن يجترئ عليه، لأن فيه اعتراضا على من لا يحد وصف عظمته، ولا تدرك مقاصد حكمته، قال مصدرا بحرف التوقع لما أرشد إليه السياق جوابا لمن كأنه سأل: ما حالهم في هذا؟ لقد أي وعزتنا لقد استكبروا أي طلبوا بل أوجدوا الكبر. ولما لم يكن لكبرهم ثمرة في الظاهر، لأنه لا يعود بالضرر على أحد غيرهم، قال: في أنفسهم أي بطلب رؤية الملائكة.

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 369 ] ولما كان حاصل أمرهم أنهم طلبوا رتبة النبي الذي واسطته الملك، وزادوا عليه رؤية جميع الملائكة الآخذين عن الله، وزادوا على ذلك بطلب الرؤية، قال: وعتوا أي وجاوزوا الحد في الاستكبار بما وراءه من طلبهم رؤية جميع الملائكة ورؤية الملك الجبار، وزاد في تأكيد هذا المعنى لاقتضاء المقام له بقوله: عتوا كبيرا وبيان أنهم ما قالوا هذا إلا عتوا وظلما أن ما جاءهم من الآيات التي أعظمها القرآن دلهم قطعا بعجزهم عن الإتيان بشيء منه على صدقه صلى الله عليه وسلم عن الله في كل ما يقوله، وفي حسن هذا الاستئناف وفحوى هذا السياق دلالة على التعجب من غير لفظ تعجب فالمعنى: ما أشد استكبارهم وأكبر عتوهم! .

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية