الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      ولما ذكر دخورهم ، تلاه بدخور ما هو أعظم منهم خلقا ، وأهول أمرا ، فقال : [عاطفا على ناصب الظرف مما تقديره : كانت أمور محلولة] ، معبرا بالمضارع لأن ذلك وإن شارك الفزع في [ ص: 223 ] التحقق قد فارقه في الحدوث والتجدد شيئا فشيئا : وترى الجبال أي : عند القيام من القبور ، والخطاب إما للنبي صلى الله عليه وسلم ليدل ذلك - لكونه صلى الله عليه وسلم أنفذ الناس بصرا وأنورهم بصيرة - على عظم الأمر ، وإما لكل أحد لأن الكل صاروا بعد قيامهم أهلا للخطاب بعد غيبتهم في التراب تحسبها جامدة أي : قائمة ثابتة في مكانها لا تتحرك ، لأن كل كبير متباعد الأقطار لا يدرك مشيته إلا تخرصا وهي تمر أي : تسير حتى تكون كالعهن المنفوش فينسفها الله فتقع حيث شاء كأنها الهباء المنثور ، فتستوي الأرض كلها بحيث لا يكون فيها عوج ، وأشار إلى أن سيرها خفي وإن كان حثيثا بقوله : مر السحاب أي : مرا سريعا لا يدرك على ما هو عليه لأنه إذا طبق الجو لا يدرك سيره مع أنه لا شك فيه وإن لم تنكشف الشمس بلا لبس ، وكذا كل كبير الجرم أو كثير العد يقصر عن الإحاطة به لبعد ما بين أطرافه بكثرته البصر ، يكون سائرا ، والناظر الحاذق يظنه واقفا.

                                                                                                                                                                                                                                      ولما كان ذلك أمرا هائلا ، أشار إلى عظمته بقوله ، مؤكدا [ ص: 224 ] لمضمون الجملة المتقدمة : صنع الله أي : صنع الذي له الأمر كله ذلك الذي أخبر أنه كائن في ذلك اليوم صنعا ، ونحو هذا المصدر إذا جاء عقب كلام جاء كالشاهد بصحته ، والمنادي على سداده ، والصارخ بعلو مقداره ، وأنه ما كان ينبغي أن يكون إلا هكذا ، ثم زاد في التعظيم بقوله دالا على تمام الإحكام في ذلك الصنع : الذي أتقن كل شيء

                                                                                                                                                                                                                                      ولما ثبت هذا على [هذا] الوجه المتقن ، والنظام الأمكن ، أنتج قطعا قوله : إنه أي : الذي أحكم هذه الأمور كلها خبير بما تفعلون أي : لأن الإتقان نتيجة القدرة ، وهي نتيجة العلم ، فمن لم يكن شامل العلم لم يكن تام القدرة ، وعبر بالفعل الذي هو أعم من أن يكون بعلم أو لا ، لأنه في سياق البيان لعماهم ، ونفي العلم عنهم ، وقرئ بالخطاب المؤذن بالقرب المرجي للرضا ، المرهب من الإبعاد ، المقرون بالسخط ، وبالغيبة المؤذنة بالإعراض الموقع في الخيبة ، وما أبدع ما لاءم ذلك ولاحمه ما بعده على تقدير الجواب لسؤال من كأنه قال : ماذا يكون حال أهل الحشر مع الدخور عند الناقد البصير؟ فقال : من إتقانه للأشياء أنه رتب الجزاء أحسن ترتيب .

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية