الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      آ. (6) قوله : من الجنة : فيه أوجه، أحدها: أنه بدل من "شر" بإعادة العامل، أي: من شر الجنة. الثاني: أنه بدل من ذي [ ص: 163 ] الوسواس; لأن الموسوس من الجن والإنس. الثالث: أنه حال من الضمير في "يوسوس" أي: يوسوس حال كونه من هذين الجنسين. الرابع: أنه بدل من "الناس" ، وجعل "من" تبيينا. وأطلق على الجن اسم الناس; لأنهم يتحركون في مراداتهم، قاله أبو البقاء. إلا أن الزمخشري أبطل فقال بعد أن حكاه: "واستدلوا بـ " نفر " و " رجال " ما أحقه; لأن الجن سموا جنا لاجتنانهم ، والناس ناسا لظهورهم، من الإيناس وهو الإبصار، كما سموا بشرا. ولو كان يقع الناس على القبيلين وصح وثبت لم يكن مناسبا لفصاحة القرآن وبعده من التصنع، وأجود من أن يراد بالناس الناسي كقوله: يوم يدع الداع وكما قرئ ( من حيث أفاض الناسي ) . ثم بين بالجنة والناس; لأن الثقلين هما النوعان الموصوفان بنسيان حق الله تعالى" . قلت: يعني أنه اجتزئ بالكسرة عن الياء، والمراد اسم الفاعل، وقد تقدم تحقيق هذا في البقرة، وأنشدت عليه هناك شيئا من الشواهد.

                                                                                                                                                                                                                                      الخامس: أنه بيان للذي يوسوس، على أن الشيطان ضربان: إنسي وجني، كما قال شياطين الإنس والجن . وعن أبي ذر: أنه قال [ ص: 164 ] لرجل: هل استعذت من شياطين الإنس؟ السادس: أنه يتعلق بـ "يوسوس" ، و "من" لابتداء الغاية، أي: يوسوس في صدورهم من جهة الجن ومن جهة الإنس. السابع: أن "والناس" عطف على "الوسواس" أي: من شر الوسواس والناس. ولا يجوز عطفه على الجنة; لأن الناس لا يوسوسون في صدور الناس إنما يوسوس الجن، فلما استحال المعنى حمل على العطف على الوسواس، قاله مكي وفيه بعد كبير للبس الحاصل. وقد تقدم أن الناس يوسوسون أيضا بمعنى يليق بهم.

                                                                                                                                                                                                                                      الثامن: أن من الجنة حال من "الناس" ، أي: كائنين من القبيلين، قاله أبو البقاء، ولم يبين: أي الناس المتقدم أنه صاحب الحال؟ وعلى كل تقدير فلا يصح معنى الحالية [في شيء منها] ، لا الأول ولا ما بعده. ثم قال: "وقيل: هو معطوف على الجنة" يريد "والناس" الأخير معطوف على "الجنة" . وهذا الكلام يستدعي تقدم شيء قبله: وهو أن يكون "الناس" عطفا على غير الجنة كما قال به مكي ثم يقول: "وقيل هو معطوف على "الجنة" وفي الجملة فهو كلام متسامح فيه [سامحنا الله] وإياه وجميع خلقه بمنه وكرمه وختم لنا منه بخير، وختم لنا رضاه عنا وعن جميع المسلمين.

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 165 ] وهذا آخر ما تيسر لي من إملاء هذا الموضوع وحصر ما في هذا المجموع متوسلا إليه بكلامه متشفعا لديه برسوله محمد صلى الله عليه وسلم في أن يجعله خالصا لوجهه موجبا للفوز لديه، فإنه حسبي ونعم الوكيل. ووافق الفراغ منه تصنيفا وكتابة في العشر الأوسط من شهر رجب الفرد من شهور سنة أربع وثلاثين وسبعمائة ، أحسن الله تقضيها بمنه وكرمه. قاله وكتبه أفقر عبيده إليه أحمد بن يوسف بن محمد بن مسعود الشافعي الحلبي حامدا لله رب العالمين ومصليا على رسوله الأمين وآله وصحبه أجمعين وسلم.

                                                                                                                                                                                                                                      (تمت بعونه تعالى سورة الناس)

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية