مسألة [
nindex.php?page=treesubj&link=20958حتى العاطفة هل تقتضي الترتيب ؟ ] اختلف في العاطفة هل تقتضي الترتيب ; فأثبته
nindex.php?page=showalam&ids=12671ابن الحاجب وابن معط حيث قالا : إنها كالفاء ، بل هذه العبارة توهم أنها للتعقيب ، وهو بعيد ، ولعلهم أرادوا أنها بمعنى الفاء للمناسبة الظاهرة بين التعقيب والغاية .
[ ص: 226 ] وقال صاحب البسيط " هي مثل " ثم " في الترتيب والمهلة إلا أنه يشترط كون معطوفها جزءا من المعطوف عليه ، ويصح جعله غاية له ، فعلم منهما مخالفته للأول فيما أوجب المهلة من ضعف أو قوة ، ك قدم الحجاج حتى المشاة . وقال الجمهور : إنها كالواو . وقال
ابن مالك في شرح العمدة " هي في عدم الترتيب كالواو ، وزعم بعض المتأخرين أنها تقتضي الترتيب ، وليس بصحيح بل يجوز أن يقال : حفظت حتى سورة البقرة ، وإن كانت البقرة أول محفوظك أو متوسطه ، وفي الحديث : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=51834كل شيء بقضاء وقدر حتى العجز والكيس } ولا فرق في تعلق القضاء بالمقضيات ، وإنما الترتيب في كونها أي : وجودها . وقال
ابن مالك في شرح العمدة " هي في عدم الترتيب كالواو ، وقال
ابن أياز : الترتيب الذي تقتضيه " حتى " ليس على ترتيب الفاء وثم ، وذلك أنهما يرتبان أحد الفعلين على الآخر في الوجود وهي ترتب ترتيب الغاية والنهاية ، ويشترط أن يكون ما بعدها من جنس ما قبلها ، ولا يحصل ذلك إلا بذكر الكل قبل الجزء .
قال
الجرجاني : الذي أوجب ذلك أنها للغاية والدلالة على أحد طرفي الشيء . وطرف الشيء لا يكون من غيره . ولهذا كان فيه معنى التعظيم والتحقير ، وذلك أن الشيء إذ أخذته من أعلاه فأدناه غايته وهو المحقر ، وإن أخذته من أدناه فأعلاه غايته وهو المعظم ، ولهذا أيضا لم يكن ما بعد " حتى " وإن كان من جنس ما قبلها إلا بعضا وجزءا منه . تقول : جاء القوم حتى زيد ، ولا تقول حمار . وكذلك لا تقول : جاء زيد حتى القوم ،
[ ص: 227 ] لاستحالة أن يكون بضعا لشيء وجزءا منه . ولا جاء زيد حتى عمرو كذلك أيضا ، وللمساواة ، وكل هذا لا يمتنع في الواو .
وهنا تنبيهات الأول أنهم ذكروا أن "
nindex.php?page=treesubj&link=20958حتى " للغاية إما في نقص أو زيادة ، نحو عليك الناس حتى النساء ، واختطفت الأشياء حتى مثاقيل الدر ، ثم قالوا : إنها لا تقتضي الترتيب بل تكون لمطلق الجمع كالواو ، والجمع بين الكلامين مشكل . فإن قلت : الغاية في نفس الأمر والواقع ليس هو هذا ، بل من الجائز أن يكون هو الأول ، وما بعده أو الأخير ، ومع هذا الاحتمال لا تكون للترتيب .
قلت : لو لم تكن للترتيب لم يكن لاشتراط القوة أو الضعف فائدة ، ولو لم تقتض التأخير عقلا وعادة لم يحسن ذلك ، فإن قلت : فائدته إفادة العموم ،
قلت : العموم مأخوذ من المفهوم ، وفيه نظر .
التنبيه الثاني "
nindex.php?page=treesubj&link=20958حتى " الداخلة على الأفعال قد تكون للغاية ولمجرد السببية والمجازاة وللعطف المحض أي : التشريك من غير اعتبار غايته وسببيته ، فالأول هو الأصل فيحمل عليه ما أمكن كقوله تعالى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=29حتى يعطوا الجزية } فإن القتل يصلح للامتداد ، وقبول الجزية يصلح منتهى له . وكقوله تعالى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=27حتى تستأنسوا } أي تستأذنوا ، فإن المنع من دخول بيت الغير يحتمل الامتداد ، والاستئذان يصلح منتهى له . وجعل حتى هذه داخلة على الفعل نظرا لظاهر اللفظ وإلا فالفعل
[ ص: 228 ] منصوب بإضمار " أن " فهي في الحقيقة إنما دخلت على الاسم ، هذا إذا احتمل صدر الكلام الامتداد والآخر الانتهاء إليه ، فإن لم يحتمل ذلك . فإن صلح الصدر أن يكون سببا للثاني كانت بمعنى " كي " فتفيد السببية والمجازاة ، نحو أسلمت حتى أدخل الجنة ، وإن لم يصلح لذلك فهي للعطف المحض من غير دلالة على غاية أو مجازاة .
مَسْأَلَةٌ [
nindex.php?page=treesubj&link=20958حَتَّى الْعَاطِفَةُ هَلْ تَقْتَضِي التَّرْتِيبَ ؟ ] اُخْتُلِفَ فِي الْعَاطِفَةِ هَلْ تَقْتَضِي التَّرْتِيبَ ; فَأَثْبَتَهُ
nindex.php?page=showalam&ids=12671ابْنُ الْحَاجِبِ وَابْنُ مُعْطٍ حَيْثُ قَالَا : إنَّهَا كَالْفَاءِ ، بَلْ هَذِهِ الْعِبَارَةُ تُوهِمُ أَنَّهَا لِلتَّعْقِيبِ ، وَهُوَ بَعِيدٌ ، وَلَعَلَّهُمْ أَرَادُوا أَنَّهَا بِمَعْنَى الْفَاءِ لِلْمُنَاسَبَةِ الظَّاهِرَةِ بَيْنَ التَّعْقِيبِ وَالْغَايَةِ .
[ ص: 226 ] وَقَالَ صَاحِبُ الْبَسِيطِ " هِيَ مِثْلُ " ثُمَّ " فِي التَّرْتِيبِ وَالْمُهْلَةِ إلَّا أَنَّهُ يُشْتَرَطُ كَوْنُ مَعْطُوفِهَا جُزْءًا مِنْ الْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ ، وَيَصِحُّ جَعْلُهُ غَايَةً لَهُ ، فَعُلِمَ مِنْهُمَا مُخَالَفَتُهُ لِلْأَوَّلِ فِيمَا أَوْجَبَ الْمُهْلَةَ مِنْ ضَعْفٍ أَوْ قُوَّةٍ ، كَ قَدِمَ الْحَجَّاجُ حَتَّى الْمُشَاةُ . وَقَالَ الْجُمْهُورُ : إنَّهَا كَالْوَاوِ . وَقَالَ
ابْنُ مَالِكٍ فِي شَرْحِ الْعُمْدَةِ " هِيَ فِي عَدَمِ التَّرْتِيبِ كَالْوَاوِ ، وَزَعَمَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ أَنَّهَا تَقْتَضِي التَّرْتِيبَ ، وَلَيْسَ بِصَحِيحٍ بَلْ يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ : حَفِظْت حَتَّى سُورَةَ الْبَقَرَةِ ، وَإِنْ كَانَتْ الْبَقَرَةُ أَوَّلَ مَحْفُوظِك أَوْ مُتَوَسِّطَهُ ، وَفِي الْحَدِيثِ : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=51834كُلُّ شَيْءٍ بِقَضَاءٍ وَقَدَرٍ حَتَّى الْعَجْزِ وَالْكَيْسِ } وَلَا فَرْقَ فِي تَعَلُّقِ الْقَضَاءِ بِالْمَقْضِيَّاتِ ، وَإِنَّمَا التَّرْتِيبُ فِي كَوْنِهَا أَيْ : وُجُودِهَا . وَقَالَ
ابْنُ مَالِكٍ فِي شَرْحِ الْعُمْدَةِ " هِيَ فِي عَدَمِ التَّرْتِيبِ كَالْوَاوِ ، وَقَالَ
ابْنُ أَيَازٍ : التَّرْتِيبُ الَّذِي تَقْتَضِيهِ " حَتَّى " لَيْسَ عَلَى تَرْتِيبِ الْفَاءِ وَثُمَّ ، وَذَلِكَ أَنَّهُمَا يُرَتِّبَانِ أَحَدَ الْفِعْلَيْنِ عَلَى الْآخَرِ فِي الْوُجُودِ وَهِيَ تُرَتِّبُ تَرْتِيبَ الْغَايَةِ وَالنِّهَايَةِ ، وَيُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ مَا بَعْدَهَا مِنْ جِنْسِ مَا قَبْلَهَا ، وَلَا يَحْصُلُ ذَلِكَ إلَّا بِذَكَرِ الْكُلِّ قَبْلَ الْجُزْءِ .
قَالَ
الْجُرْجَانِيُّ : الَّذِي أَوْجَبَ ذَلِكَ أَنَّهَا لِلْغَايَةِ وَالدَّلَالَةِ عَلَى أَحَدِ طَرَفَيْ الشَّيْءِ . وَطَرَفُ الشَّيْءِ لَا يَكُونُ مِنْ غَيْرِهِ . وَلِهَذَا كَانَ فِيهِ مَعْنَى التَّعْظِيمِ وَالتَّحْقِيرِ ، وَذَلِكَ أَنَّ الشَّيْءَ إذْ أَخَذْته مِنْ أَعْلَاهُ فَأَدْنَاهُ غَايَتُهُ وَهُوَ الْمُحَقَّرُ ، وَإِنْ أَخَذْته مِنْ أَدْنَاهُ فَأَعْلَاهُ غَايَتُهُ وَهُوَ الْمُعَظَّمُ ، وَلِهَذَا أَيْضًا لَمْ يَكُنْ مَا بَعْدَ " حَتَّى " وَإِنْ كَانَ مِنْ جِنْسِ مَا قَبْلَهَا إلَّا بَعْضًا وَجُزْءًا مِنْهُ . تَقُولُ : جَاءَ الْقَوْمُ حَتَّى زَيْدٌ ، وَلَا تَقُولُ حِمَارٌ . وَكَذَلِكَ لَا تَقُولُ : جَاءَ زَيْدٌ حَتَّى الْقَوْمُ ،
[ ص: 227 ] لِاسْتِحَالَةِ أَنْ يَكُونَ بِضْعًا لِشَيْءٍ وَجُزْءًا مِنْهُ . وَلَا جَاءَ زَيْدٌ حَتَّى عَمْرٌو كَذَلِكَ أَيْضًا ، وَلِلْمُسَاوَاةِ ، وَكُلُّ هَذَا لَا يَمْتَنِعُ فِي الْوَاوِ .
وَهُنَا تَنْبِيهَاتٌ الْأَوَّلُ أَنَّهُمْ ذَكَرُوا أَنَّ "
nindex.php?page=treesubj&link=20958حَتَّى " لِلْغَايَةِ إمَّا فِي نَقْصٍ أَوْ زِيَادَةٍ ، نَحْوُ عَلَيْك النَّاسُ حَتَّى النِّسَاءُ ، وَاخْتُطِفَتْ الْأَشْيَاءُ حَتَّى مَثَاقِيلُ الدُّرِّ ، ثُمَّ قَالُوا : إنَّهَا لَا تَقْتَضِي التَّرْتِيبَ بَلْ تَكُونُ لِمُطْلَقِ الْجَمْعِ كَالْوَاوِ ، وَالْجَمْعُ بَيْنَ الْكَلَامَيْنِ مُشْكِلٌ . فَإِنْ قُلْت : الْغَايَةُ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ وَالْوَاقِعُ لَيْسَ هُوَ هَذَا ، بَلْ مِنْ الْجَائِزِ أَنْ يَكُونَ هُوَ الْأَوَّلَ ، وَمَا بَعْدَهُ أَوْ الْأَخِيرُ ، وَمَعَ هَذَا الِاحْتِمَالِ لَا تَكُونُ لِلتَّرْتِيبِ .
قُلْت : لَوْ لَمْ تَكُنْ لِلتَّرْتِيبِ لَمْ يَكُنْ لِاشْتِرَاطِ الْقُوَّةِ أَوْ الضَّعْفِ فَائِدَةٌ ، وَلَوْ لَمْ تَقْتَضِ التَّأْخِيرَ عَقْلًا وَعَادَةً لَمْ يَحْسُنْ ذَلِكَ ، فَإِنْ قُلْت : فَائِدَتُهُ إفَادَةُ الْعُمُومِ ،
قُلْت : الْعُمُومُ مَأْخُوذٌ مِنْ الْمَفْهُومِ ، وَفِيهِ نَظَرٌ .
التَّنْبِيهُ الثَّانِي "
nindex.php?page=treesubj&link=20958حَتَّى " الدَّاخِلَةُ عَلَى الْأَفْعَالِ قَدْ تَكُونُ لِلْغَايَةِ وَلِمُجَرَّدِ السَّبَبِيَّةِ وَالْمُجَازَاةِ وَلِلْعَطْفِ الْمَحْضِ أَيْ : التَّشْرِيكِ مِنْ غَيْرِ اعْتِبَارِ غَايَتِهِ وَسَبَبِيَّتِهِ ، فَالْأَوَّلُ هُوَ الْأَصْلُ فَيُحْمَلُ عَلَيْهِ مَا أَمْكَنَ كَقَوْلِهِ تَعَالَى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=29حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ } فَإِنَّ الْقَتْلَ يَصْلُحُ لِلِامْتِدَادِ ، وَقَبُولُ الْجِزْيَةِ يَصْلُحُ مُنْتَهًى لَهُ . وَكَقَوْلِهِ تَعَالَى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=27حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا } أَيْ تَسْتَأْذِنُوا ، فَإِنَّ الْمَنْعَ مِنْ دُخُولِ بَيْتِ الْغَيْرِ يَحْتَمِلُ الِامْتِدَادَ ، وَالِاسْتِئْذَانُ يَصْلُحُ مُنْتَهًى لَهُ . وَجَعَلَ حَتَّى هَذِهِ دَاخِلَةً عَلَى الْفِعْلِ نَظَرًا لِظَاهِرِ اللَّفْظِ وَإِلَّا فَالْفِعْلُ
[ ص: 228 ] مَنْصُوبٌ بِإِضْمَارِ " أَنْ " فَهِيَ فِي الْحَقِيقَةِ إنَّمَا دَخَلَتْ عَلَى الِاسْمِ ، هَذَا إذَا احْتَمَلَ صَدْرُ الْكَلَامِ الِامْتِدَادَ وَالْآخَرُ الِانْتِهَاءَ إلَيْهِ ، فَإِنْ لَمْ يَحْتَمِلْ ذَلِكَ . فَإِنْ صَلَحَ الصَّدْرُ أَنْ يَكُونَ سَبَبًا لِلثَّانِي كَانَتْ بِمَعْنَى " كَيْ " فَتُفِيدُ السَّبَبِيَّةَ وَالْمُجَازَاةَ ، نَحْوُ أَسْلَمْت حَتَّى أَدْخُلَ الْجَنَّةَ ، وَإِنْ لَمْ يَصْلُحْ لِذَلِكَ فَهِيَ لِلْعَطْفِ الْمَحْضِ مِنْ غَيْرِ دَلَالَةٍ عَلَى غَايَةٍ أَوْ مُجَازَاةٍ .