الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                              صفحة جزء
                                                              2798 3- باب ما يجوز من السن في الضحايا

                                                              296 \ 2680 - وعن زيد بن خالد الجهني قال قسم رسول الله صلى الله عليه وسلم في أصحابه ضحايا فأعطاني عتودا جذعا قال فرجعت به إليه فقلت له: إنه جذع، قال ضح به فضحيت به في إسناده محمد بن إسحاق، وقد تقدم الكلام عليه.

                                                              ورواه أحمد بن خالد الوهبي عن ابن إسحاق، وقال فيه: "فقلت: إنه جذع من المعز"

                                                              وقد أخرج البخاري ومسلم في "صحيحيهما" من رواية عقبة بن عامر الجهني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أعطاه غنما يقسمها على أصحابه ضحايا فبقي عتود، فذكر ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم. فقال: "ضح به أنت ".

                                                              وقد وقع لنا حديث عقبة هذا من رواية يحيى بن بكير عن الليث بن سعد، وفيه: "لا رخصة لأحد فيها بعدك "

                                                              [ ص: 265 ] قال البيهقي: وهذه الزيادة إذا كانت محفوظة كانت رخصة له، كما رخص لأبي بردة بن نيار، وعلى مثل هذا يحمل معنى حديث زيد بن خالد الجهني الذي أخرجه أبو داود هاهنا.

                                                              وقال غيره: حديث عقبة منسوخ بحديث أبي بردة، لقوله: "ولن تجزي عن أحد بعدك ". وفيما قاله نظر، فإن في حديث عقبة أيضا: "ولا رخصة لأحد فيها بعدك ". وأيضا فإنه لا يعرف المتقدم منهما من المتأخر.

                                                              وقد أشار البيهقي إلى أن الرخصة أيضا لعقبة وزيد بن خالد، كما كانت لأبي بردة.

                                                              التالي السابق




                                                              قال ابن القيم رحمه الله: وهذا لا يصح، فإن قوله لأحد هؤلاء " ولن تجزئ عن أحد بعدك " ولا رخصة فيها لأحد بعدك ينفي تعدد الرخصة.

                                                              وقد كنا نستشكل هذه الأحاديث إلى أن يسر الله بإسفار صبحها، وزوال إشكالها، فله الحمد، فنقول:

                                                              أما حديث أبي بردة بن نيار: فلا ريب في صحته، وأن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: في الجذعة من المعز " ولن تجزئ عن أحد بعدك " وهذا قطعا ينفي أن [ ص: 266 ] تكون مجزئة عن أحد بعده.

                                                              وأما حديث عقبة بن عامر: فإنما وقع فيه الإشكال: أنه جاء في بعض ألفاظه أنه بقيت له جذعة.

                                                              وقد ثبت في الصحيحين " أن النبي صلى الله عليه وسلم أعطاه غنما يقسمها على صحابته ضحايا فبقي عتود، فذكره للنبي صلى الله عليه وسلم فقال: ضح به أنت "، فظن من ظن قال: إن العتود: هو الجذع من ولد المعز، فاستشكله وقوى هذا الإشكال عنده: رواية يحيى بن بكير عن الليث في هذا الحديث " ولا رخصة فيها لأحد بعدك ".

                                                              ولكن العتود من ولد المعز: ما قوي ورعي، وأتى عليه حول، قاله الجوهري، وكذلك كلام غيره من أئمة اللغة قريب منه.

                                                              قال بعضهم: ما بلغ السفاد.

                                                              وقال بعضهم: ما قوي وشب.

                                                              وعلى هذا - فيكون هو الثني من المعز فتجوز الضحية به، ومن رواه " فبقي جذع " لم يقل: فيه جذع من المعز، ولعله ظن أن العتود هو الجذع من الماعز، فرواه كذلك والمحفوظ " فبقي عتود "، وفي لفظ " فأصابني جذع " وليس في الصحيح إلا هاتان اللفظتان.

                                                              وأما " جذع من المعز "، فليس في حديث عقبة، فلا إشكال فيه.

                                                              فإن قيل: فما وجه قوله " ولا رخصة فيها لأحد بعدك " ؟.

                                                              قيل: هذه الزيادة غير محفوظة في حديثه، ولا ذكرها أحد من أصحاب الصحيحين، ولو كانت في الحديث لذكروها، ولم يحذفوها، فإنه لا يجوز [ ص: 267 ] اختصار مثلها، وأكثر الرواة لا يذكرون هذه اللفظة.

                                                              وأما حديث زيد بن خالد الجهني فهو - والله أعلم - حديث عقبة بن عامر الجهني بعينه.

                                                              واشتبه على ابن إسحاق أو من حدثه به اسمه، وأن قصة العتود وقسمة الضحايا إنما كانت مع عقبة بن عامر الجهني، وهي التي رواها أصحاب الصحيح.

                                                              ثم إن الإشكال في حديثه: إنما جاء من قوله " فقلت: إنه جذع من المعز "، وهذه اللفظة إنما ذكرها عن أبي إسحاق:

                                                              أحمد بن خالد الوهبي عنه.




                                                              الخدمات العلمية