مسألة [
nindex.php?page=treesubj&link=21063ورود الأمر مقيدا بمرة أو بتكرار ] الأمر إن ورد مقيدا بمرة أو بتكرار حمل عليه قطعا ، وإن ورد مقيدا بصفة أو شرط فسيأتي ، وإن ورد مطلقا عاريا عن القيود فاختلفوا في اقتضائه التكرار وعدمه وسواء قلنا : إنه للوجوب ، أو الطلب على مذاهب :
[ ص: 312 ] أحدها : أنه لا يدل بذاته لا على التكرار ولا على المرة ، وإنما يفيد طلب الماهية من غير إشعار بالوحدة والكثرة ثم لا يمكن إدخال الماهية في الوجود بأقل من مرة ، فصارت المرة من ضروريات الإتيان بالمأمور به إلا أن الأمر لا يدل عليها بذاته بل بطريق الالتزام . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=14228الخطابي في المعالم " : إنه قول أكثر الناس ، وقال
ابن السمعاني : وهو قول أكثر أصحابنا ، وقال
إلكيا الطبري : إنه الصحيح ، وهو رأي
القاضي على تولعه بالوقف في أصل صيغة الأمر والعموم ، واختاره
الإمام فخر الدين والآمدي وأتباعهما ، ونقله في المعتمد " عن الأكثرين . وقال صاحب اللباب " من الحنفية
والباجي من المالكية : هو قول عامة أصحابنا ، وحكى
ابن السمعاني خلافا عن القائلين بأنه لا يفيد التكرار منهم من قال : لا يحتمله أصلا ، ومنهم من قال : يحتمله . قال : وهو الأولى ، وهو ظاهر كلام
الإمام في البرهان " فإنه قال : إنه في الزائد على المرة متوقف لا ننفيه ولا نثبته وقال
أبو زيد الدبوسي : الصحيح : أنه لا يقتضي التكرار ، ولا يحتمله ولكن يحتمل كل الفعل المأمور به ويقتضيه ، غير أن الكل لا يثبت إلا بدليل ، وعليه دلت مسائل علمائنا ، وكذا قال
شمس الأئمة السرخسي . والثاني : أنه للتكرار المستوعب لزمان العمر إجراء له مجرى النهي إلا أن يدل دليل على أنه أريد مرة واحدة ، وبه قال
الأستاذ أبو إسحاق ، ونقله
الشيخ أبو إسحاق عن شيخه
nindex.php?page=showalam&ids=11972أبي حاتم القزويني وعن
nindex.php?page=showalam&ids=12604القاضي أبي بكر .
[ ص: 313 ] وذكر
الأصفهاني أن
العالمي نقله عن أكثر الشافعية ، وحكاه
شمس الأئمة السرخسي عن
nindex.php?page=showalam&ids=15215المزني ، ونقله في المنخول " عن
nindex.php?page=showalam&ids=11990أبي حنيفة والمعتزلة ، ونقله
الباجي عن
ابن خويز منداد ، وحكاه
ابن القصار عن
nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك ، وحكاه
nindex.php?page=showalam&ids=11851أبو الخطاب الحنبلي عن شيخهم . لكن شرط هذا القول الإمكان دون أزمنة قضاء الحاجة واليوم وضروريات الإنسان ، كما صرح به
أبو الحسين بن القطان ،
nindex.php?page=showalam&ids=11815والشيخ أبو إسحاق وإمام الحرمين وابن الصباغ والآمدي وغيرهم . قال
الصفي الهندي : ثم لا يخفى عليك أنه ليس المراد من التكرار هنا معناه الحقيقي ، وهو إعادة الفعل الأول فإن ذلك غير ممكن من المكلف ، وإنما المراد تحصيل مثل الفعل الأول . واعلم أن بعضهم يعبر عن التكرار بالعموم ; لأن أوامر الشرع مما يستلزم فيه العموم التكرار إن قلنا : إن العام في الأشخاص عام في الأحوال ، والأزمنة .
والثالث : أنه نص في المرة الواحدة فقط ، ولا يحتمل التكرار ، وإنما يحمل عليه بدليل ، وحكاه في التلخيص " عن الأكثرين والجماهير من الفقهاء ، وقال
nindex.php?page=showalam&ids=13428ابن فورك : إنه المذهب . قال
أبو الحسين بن القطان : وهو مذهب
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي وأصحابه ، وحذا قال
الغزالي في المنخول " ، وقال
nindex.php?page=showalam&ids=11976الشيخ أبو حامد الإسفراييني في كتابه في أصول الفقه : إنه هو الذي يدل عليه كلام
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي في الفروع قال : لأنه قال في الطلاق : إذا
nindex.php?page=treesubj&link=21055_11763_21063قال لزوجته : إذا دخلت الدار فأنت طالق لم تطلق إلا طلقة واحدة بالدخول إلى الدار ;
[ ص: 314 ] لأن إطلاق ذلك اقتضى مرة واحدة : قال : وعليه أكثر الأصحاب ، وهو الصحيح الأشبه بمذاهب العلماء .
قلت : بل نص عليه في الرسالة " صريحا في باب الفرائض المنسوبة إلى سنن رسول الله صلى الله عليه وسلم معها . قال : فكان ظاهر قوله : {
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=6فاغسلوا وجوهكم } أقل ما يقع عليه اسم الغسل مرة ، واحتمل أكثر ، وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم الوضوء مرة فوافق ظاهر القرآن ، ولو لم يرد الحديث به لاستغني عنه بظاهر القرآن . انتهى . وممن اختاره
ابن الصباغ في العدة " ، ونقله
nindex.php?page=showalam&ids=16392الأستاذ أبو منصور nindex.php?page=showalam&ids=11815والشيخ أبو إسحاق وسليم الرازي وابن برهان في الأوسط " عن أكثر أصحابنا
nindex.php?page=showalam&ids=11990وأبي حنيفة وأكثر " الفقهاء ، وحكاه
nindex.php?page=showalam&ids=11815الشيخ أبو إسحاق عن اختيار شيخه
nindex.php?page=showalam&ids=11872القاضي أبي الطيب ، ونقله
nindex.php?page=showalam&ids=14960القاضي عبد الوهاب عن أصحاب
nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك ، ونقله صاحب المصادر " عن شيوخ
المعتزلة nindex.php?page=showalam&ids=15071وأبي الحسن الكرخي ، وقال : ظاهر قول
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي يدل عليه . قيل : وأكثر النقلة لا يفرقون بين هذا والقول الأول وليس غرضهم إلا نفي التكرار ، والخروج عن العهدة بالمرة ، ولذلك لم يحك أحد المذهب المختار مع حكاية هذا ، وإنما هو خلاف في العبارة .
قلت : بينهما فرق من جهة أن دلالته على المرة هل هي بطريق المطابقة والالتزام ؟ وإن عدم دلالته على التكرار هل هي لعدم احتمال اللفظ له أصلا أو لأنه يحتمله ولكن لما لم يتعين توقف فيه ؟ .
[ ص: 315 ] والرابع : أنه يدل على المرة الواحدة قطعا ، ولا ينبئ عن نفي ما عداها ، ولكن يتردد الأمر في الزائد على المرة الواحدة ، وهو الذي ارتضاه
القاضي ، كما نقله
إمام الحرمين في التلخيص " . قال : والفرق بين هذا والذي قبله : أن الأولين قطعوا بأن الأمر يحمل على المرة الواحدة ، ولا يحتمل معنى غيرها ، فافهم الفصل بين هذه المذاهب . قال
الصفي الهندي : القائلون باقتضائه للمرة الواحدة اختلفوا ، فمنهم من قال : يقتضيها لفظا ، ومنهم من نفى ذلك ، وزعم أن اقتضاءه لها إنما هو بحسب الدلالة المعنوية ، وهي أنه لا يفيد إلا الطلب بتحصيل الماهية من غير إشعار بالوحدة والكثرة ، لكن لما لم يمكن تحصيلها بدون المرة الواحدة قلنا : دل عليها الأمر ضرورة ، بخلاف الكثرة فإنها لا تدل عليها لفظا ولا معنى .
قال : وهذا اختيار
أبي الحسين البصري والإمام فخر الدين ومنهم من قال : إن مقتضى الصيغة الامتثال ، والمرة الواحدة لا بد منها ، وأما الزائد عليها فيتوقف فيه ، وهو اختيار
إمام الحرمين وإليه ميل
الغزالي . انتهى . وهذا الأخير حكاه صاحب المصادر " عن
الشريف المرتضى ، وقال : إنه الصحيح ، والذي في البرهان "
للإمام أنه يتضمن الامتثال بالمرة وهو في الزيادة عليها على الوقف بتوقف على القرينة ، وهو يرد نقل
الآمدي عنه الثالث فاعلمه . والخامس الوقف في الكل ، وهو رأي
nindex.php?page=showalam&ids=12604القاضي أبي بكر وجماعة
[ ص: 316 ] الواقفية بمعنى أنه يحتمل المرة ويحتمل لعدد محصور زائد على المرة والمرتين ، ويحتمل التكرار في جميع الأوقات كذا صرح به في التقريب ثم ادعى قيام الإجماع على انتفاء ما عدا التكرار والمرة بالحصر ، وتوقف حينئذ بالمرة والتكرار ، ثم ادعى الاتفاق على أن فعل المرة متفق عليه ، وهو واضح ، ثم قال تفريعا على القول بعدم الوقف : إن المفهوم فعل مرة واحدة .
هذا تحقيق مذهب
القاضي ، ونقل بعضهم قول الوقف ، وقال : هو محتمل لشيئين : أن يكون مشتركا بين التكرار والمرة فيتوقف إعماله في أحدهما على قرينة ، والثاني : أنه لأحدهما ، ولا نعرفه فيتوقف لجهلنا بالواقع . والسادس : أنه إن كان فعلا له غاية يمكن إيقاعه في جميع المدة فيلزمه في جميعها ، وإلا فلا فيلزمه الأول . حكاه
الهندي عن
nindex.php?page=showalam&ids=16739عيسى بن أبان ، ونقل في المعتمد " عن
أبي عبد الله البصري أن ورود النسخ والاستثناء على الأمر يدلان على أنه قد أريد به التكرار . والسابع : إن كان الطلب راجعا إلى قطع الواقع كقولك في الأمر الساكن تحرك فللمرة ، وإن رجع إلى اتصال الواقع واستدامته كقولك في الأمر المتحرك تحرك فللاستمرار والدوام . ويجيء هذا في النهي أيضا ، وهو مذهب حسن .
مَسْأَلَةٌ [
nindex.php?page=treesubj&link=21063وُرُودُ الْأَمْرِ مُقَيَّدًا بِمَرَّةٍ أَوْ بِتَكْرَارٍ ] الْأَمْرُ إنْ وَرَدَ مُقَيَّدًا بِمَرَّةٍ أَوْ بِتَكْرَارٍ حُمِلَ عَلَيْهِ قَطْعًا ، وَإِنْ وَرَدَ مُقَيَّدًا بِصِفَةٍ أَوْ شَرْطٍ فَسَيَأْتِي ، وَإِنْ وَرَدَ مُطْلَقًا عَارِيًّا عَنْ الْقُيُودِ فَاخْتَلَفُوا فِي اقْتِضَائِهِ التَّكْرَارَ وَعَدَمَهُ وَسَوَاءٌ قُلْنَا : إنَّهُ لِلْوُجُوبِ ، أَوْ الطَّلَبِ عَلَى مَذَاهِبَ :
[ ص: 312 ] أَحَدُهَا : أَنَّهُ لَا يَدُلُّ بِذَاتِهِ لَا عَلَى التَّكْرَارِ وَلَا عَلَى الْمَرَّةِ ، وَإِنَّمَا يُفِيدُ طَلَبَ الْمَاهِيَّةِ مِنْ غَيْرِ إشْعَارٍ بِالْوَحْدَةِ وَالْكَثْرَةِ ثُمَّ لَا يُمْكِنُ إدْخَالُ الْمَاهِيَّةِ فِي الْوُجُودِ بِأَقَلَّ مِنْ مَرَّةٍ ، فَصَارَتْ الْمَرَّةُ مِنْ ضَرُورِيَّاتِ الْإِتْيَانِ بِالْمَأْمُورِ بِهِ إلَّا أَنَّ الْأَمْرَ لَا يَدُلُّ عَلَيْهَا بِذَاتِهِ بَلْ بِطَرِيقِ الِالْتِزَامِ . وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=14228الْخَطَّابِيُّ فِي الْمَعَالِمِ " : إنَّهُ قَوْلُ أَكْثَرِ النَّاسِ ، وَقَالَ
ابْنُ السَّمْعَانِيِّ : وَهُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ أَصْحَابِنَا ، وَقَالَ
إلْكِيَا الطَّبَرِيِّ : إنَّهُ الصَّحِيحُ ، وَهُوَ رَأْي
الْقَاضِي عَلَى تَوَلُّعِهِ بِالْوَقْفِ فِي أَصْلِ صِيغَةِ الْأَمْرِ وَالْعُمُومِ ، وَاخْتَارَهُ
الْإِمَامُ فَخْرُ الدِّينِ وَالْآمِدِيَّ وَأَتْبَاعُهُمَا ، وَنَقَلَهُ فِي الْمُعْتَمَدِ " عَنْ الْأَكْثَرِينَ . وَقَالَ صَاحِبُ اللُّبَابِ " مِنْ الْحَنَفِيَّةِ
وَالْبَاجِيُّ مِنْ الْمَالِكِيَّةِ : هُوَ قَوْلُ عَامَّةِ أَصْحَابِنَا ، وَحَكَى
ابْنُ السَّمْعَانِيِّ خِلَافًا عَنْ الْقَائِلِينَ بِأَنَّهُ لَا يُفِيدُ التَّكْرَارَ مِنْهُمْ مَنْ قَالَ : لَا يَحْتَمِلُهُ أَصْلًا ، وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ : يَحْتَمِلُهُ . قَالَ : وَهُوَ الْأَوْلَى ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ
الْإِمَامِ فِي الْبُرْهَانِ " فَإِنَّهُ قَالَ : إنَّهُ فِي الزَّائِدِ عَلَى الْمَرَّةِ مُتَوَقِّفٌ لَا نَنْفِيهِ وَلَا نُثْبِتُهُ وَقَالَ
أَبُو زَيْدٍ الدَّبُوسِيُّ : الصَّحِيحُ : أَنَّهُ لَا يَقْتَضِي التَّكْرَارَ ، وَلَا يَحْتَمِلُهُ وَلَكِنْ يَحْتَمِلُ كُلَّ الْفِعْلِ الْمَأْمُورِ بِهِ وَيَقْتَضِيهِ ، غَيْرَ أَنَّ الْكُلَّ لَا يَثْبُتُ إلَّا بِدَلِيلٍ ، وَعَلَيْهِ دَلَّتْ مَسَائِلُ عُلَمَائِنَا ، وَكَذَا قَالَ
شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ . وَالثَّانِي : أَنَّهُ لِلتَّكْرَارِ الْمُسْتَوْعِبِ لِزَمَانِ الْعُمُرِ إجْرَاءً لَهُ مَجْرَى النَّهْيِ إلَّا أَنْ يَدُلَّ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ أُرِيدَ مَرَّةً وَاحِدَةً ، وَبِهِ قَالَ
الْأُسْتَاذُ أَبُو إِسْحَاقَ ، وَنَقَلَهُ
الشَّيْخُ أَبُو إِسْحَاقَ عَنْ شَيْخِهِ
nindex.php?page=showalam&ids=11972أَبِي حَاتِمٍ الْقَزْوِينِيِّ وَعَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=12604الْقَاضِي أَبِي بَكْرٍ .
[ ص: 313 ] وَذَكَرَ
الْأَصْفَهَانِيُّ أَنَّ
الْعَالَمِيَّ نَقَلَهُ عَنْ أَكْثَرِ الشَّافِعِيَّةِ ، وَحَكَاهُ
شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=15215الْمُزَنِيّ ، وَنَقَلَهُ فِي الْمَنْخُولِ " عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=11990أَبِي حَنِيفَةَ وَالْمُعْتَزِلَةِ ، وَنَقَلَهُ
الْبَاجِيُّ عَنْ
ابْنِ خُوَيْزِ مَنْدَادٍ ، وَحَكَاهُ
ابْنُ الْقَصَّارِ عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=16867مَالِكٍ ، وَحَكَاهُ
nindex.php?page=showalam&ids=11851أَبُو الْخَطَّابِ الْحَنْبَلِيُّ عَنْ شَيْخِهِمْ . لَكِنْ شَرْطُ هَذَا الْقَوْلِ الْإِمْكَانُ دُونَ أَزْمِنَةِ قَضَاءِ الْحَاجَةِ وَالْيَوْمِ وَضَرُورِيَّاتِ الْإِنْسَانِ ، كَمَا صَرَّحَ بِهِ
أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْقَطَّانِ ،
nindex.php?page=showalam&ids=11815وَالشَّيْخُ أَبُو إِسْحَاقَ وَإِمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَابْنُ الصَّبَّاغِ وَالْآمِدِيَّ وَغَيْرُهُمْ . قَالَ
الصَّفِيُّ الْهِنْدِيُّ : ثُمَّ لَا يَخْفَى عَلَيْك أَنَّهُ لَيْسَ الْمُرَادُ مِنْ التَّكْرَارِ هُنَا مَعْنَاهُ الْحَقِيقِيَّ ، وَهُوَ إعَادَةُ الْفِعْلِ الْأَوَّلِ فَإِنَّ ذَلِكَ غَيْرُ مُمْكِنٍ مِنْ الْمُكَلَّفِ ، وَإِنَّمَا الْمُرَادُ تَحْصِيلُ مِثْلِ الْفِعْلِ الْأَوَّلِ . وَاعْلَمْ أَنَّ بَعْضَهُمْ يُعَبِّرُ عَنْ التَّكْرَارِ بِالْعُمُومِ ; لِأَنَّ أَوَامِرَ الشَّرْعِ مِمَّا يَسْتَلْزِمُ فِيهِ الْعُمُومُ التَّكْرَارَ إنْ قُلْنَا : إنَّ الْعَامَّ فِي الْأَشْخَاصِ عَامٌّ فِي الْأَحْوَالِ ، وَالْأَزْمِنَةِ .
وَالثَّالِثُ : أَنَّهُ نَصٌّ فِي الْمَرَّةِ الْوَاحِدَةِ فَقَطْ ، وَلَا يُحْتَمَلُ التَّكْرَارُ ، وَإِنَّمَا يُحْمَلُ عَلَيْهِ بِدَلِيلٍ ، وَحَكَاهُ فِي التَّلْخِيصِ " عَنْ الْأَكْثَرِينَ وَالْجَمَاهِيرِ مِنْ الْفُقَهَاءِ ، وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=13428ابْنُ فُورَكٍ : إنَّهُ الْمَذْهَبُ . قَالَ
أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْقَطَّانِ : وَهُوَ مَذْهَبُ
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشَّافِعِيِّ وَأَصْحَابِهِ ، وَحَذَا قَالَ
الْغَزَالِيُّ فِي الْمَنْخُولِ " ، وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=11976الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ الْإسْفَرايِينِيّ فِي كِتَابِهِ فِي أُصُولِ الْفِقْهِ : إنَّهُ هُوَ الَّذِي يَدُلُّ عَلَيْهِ كَلَامُ
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشَّافِعِيِّ فِي الْفُرُوعِ قَالَ : لِأَنَّهُ قَالَ فِي الطَّلَاقِ : إذَا
nindex.php?page=treesubj&link=21055_11763_21063قَالَ لِزَوْجَتِهِ : إذَا دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ لَمْ تَطْلُقْ إلَّا طَلْقَةً وَاحِدَةً بِالدُّخُولِ إلَى الدَّارِ ;
[ ص: 314 ] لِأَنَّ إطْلَاقَ ذَلِكَ اقْتَضَى مَرَّةً وَاحِدَةً : قَالَ : وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ ، وَهُوَ الصَّحِيحُ الْأَشْبَهُ بِمَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ .
قُلْت : بَلْ نَصَّ عَلَيْهِ فِي الرِّسَالَةِ " صَرِيحًا فِي بَابِ الْفَرَائِضِ الْمَنْسُوبَةِ إلَى سُنَنِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَهَا . قَالَ : فَكَانَ ظَاهِرُ قَوْلِهِ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=6فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ } أَقَلُّ مَا يَقَعُ عَلَيْهِ اسْمُ الْغَسْلِ مَرَّةً ، وَاحْتَمَلَ أَكْثَرَ ، وَبَيَّنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْوُضُوءَ مَرَّةً فَوَافَقَ ظَاهِرَ الْقُرْآنِ ، وَلَوْ لَمْ يَرِدْ الْحَدِيثُ بِهِ لَاسْتُغْنِيَ عَنْهُ بِظَاهِرِ الْقُرْآنِ . انْتَهَى . وَمِمَّنْ اخْتَارَهُ
ابْنُ الصَّبَّاغِ فِي الْعُدَّةِ " ، وَنَقَلَهُ
nindex.php?page=showalam&ids=16392الْأُسْتَاذُ أَبُو مَنْصُورٍ nindex.php?page=showalam&ids=11815وَالشَّيْخُ أَبُو إِسْحَاقَ وَسُلَيْمٌ الرَّازِيَّ وَابْنُ بَرْهَانٍ فِي الْأَوْسَطِ " عَنْ أَكْثَرِ أَصْحَابِنَا
nindex.php?page=showalam&ids=11990وَأَبِي حَنِيفَةَ وَأَكْثَرِ " الْفُقَهَاءِ ، وَحَكَاهُ
nindex.php?page=showalam&ids=11815الشَّيْخُ أَبُو إِسْحَاقَ عَنْ اخْتِيَارِ شَيْخِهِ
nindex.php?page=showalam&ids=11872الْقَاضِي أَبِي الطَّيِّبِ ، وَنَقَلَهُ
nindex.php?page=showalam&ids=14960الْقَاضِي عَبْدُ الْوَهَّابِ عَنْ أَصْحَابِ
nindex.php?page=showalam&ids=16867مَالِكٍ ، وَنَقَلَهُ صَاحِبُ الْمَصَادِرِ " عَنْ شُيُوخِ
الْمُعْتَزِلَةِ nindex.php?page=showalam&ids=15071وَأَبِي الْحَسَنِ الْكَرْخِيِّ ، وَقَالَ : ظَاهِرُ قَوْلِ
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشَّافِعِيِّ يَدُلُّ عَلَيْهِ . قِيلَ : وَأَكْثَرُ النَّقَلَةِ لَا يُفَرِّقُونَ بَيْنَ هَذَا وَالْقَوْلِ الْأَوَّلِ وَلَيْسَ غَرَضُهُمْ إلَّا نَفْيَ التَّكْرَارِ ، وَالْخُرُوجُ عَنْ الْعُهْدَةِ بِالْمَرَّةِ ، وَلِذَلِكَ لَمْ يَحْكِ أَحَدٌ الْمَذْهَبَ الْمُخْتَارَ مَعَ حِكَايَةِ هَذَا ، وَإِنَّمَا هُوَ خِلَافٌ فِي الْعِبَارَةِ .
قُلْت : بَيْنَهُمَا فَرْقٌ مِنْ جِهَةِ أَنَّ دَلَالَتَهُ عَلَى الْمَرَّةِ هَلْ هِيَ بِطَرِيقِ الْمُطَابَقَةِ وَالِالْتِزَامِ ؟ وَإِنْ عَدِمَ دَلَالَتَهُ عَلَى التَّكْرَارِ هَلْ هِيَ لِعَدَمِ احْتِمَالِ اللَّفْظِ لَهُ أَصْلًا أَوْ لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُهُ وَلَكِنْ لَمَّا لَمْ يَتَعَيَّنْ تَوَقَّفَ فِيهِ ؟ .
[ ص: 315 ] وَالرَّابِعُ : أَنَّهُ يَدُلُّ عَلَى الْمَرَّةِ الْوَاحِدَةِ قَطْعًا ، وَلَا يُنَبِّئُ عَنْ نَفْيِ مَا عَدَاهَا ، وَلَكِنْ يَتَرَدَّدُ الْأَمْرُ فِي الزَّائِدِ عَلَى الْمَرَّةِ الْوَاحِدَةِ ، وَهُوَ الَّذِي ارْتَضَاهُ
الْقَاضِي ، كَمَا نَقَلَهُ
إمَامُ الْحَرَمَيْنِ فِي التَّلْخِيصِ " . قَالَ : وَالْفَرْقُ بَيْنَ هَذَا وَاَلَّذِي قَبْلَهُ : أَنَّ الْأَوَّلِينَ قَطَعُوا بِأَنَّ الْأَمْرَ يُحْمَلُ عَلَى الْمَرَّةِ الْوَاحِدَةِ ، وَلَا يَحْتَمِلُ مَعْنًى غَيْرَهَا ، فَافْهَمْ الْفَصْلَ بَيْنَ هَذِهِ الْمَذَاهِبِ . قَالَ
الصَّفِيُّ الْهِنْدِيُّ : الْقَائِلُونَ بِاقْتِضَائِهِ لِلْمَرَّةِ الْوَاحِدَةِ اخْتَلَفُوا ، فَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ : يَقْتَضِيهَا لَفْظًا ، وَمِنْهُمْ مَنْ نَفَى ذَلِكَ ، وَزَعَمَ أَنَّ اقْتِضَاءَهُ لَهَا إنَّمَا هُوَ بِحَسَبِ الدَّلَالَةِ الْمَعْنَوِيَّةِ ، وَهِيَ أَنَّهُ لَا يُفِيدُ إلَّا الطَّلَبَ بِتَحْصِيلِ الْمَاهِيَّةِ مِنْ غَيْرِ إشْعَارٍ بِالْوَحْدَةِ وَالْكَثْرَةِ ، لَكِنْ لَمَّا لَمْ يُمْكِنْ تَحْصِيلُهَا بِدُونِ الْمَرَّةِ الْوَاحِدَةِ قُلْنَا : دَلَّ عَلَيْهَا الْأَمْرُ ضَرُورَةً ، بِخِلَافِ الْكَثْرَةِ فَإِنَّهَا لَا تَدُلُّ عَلَيْهَا لَفْظًا وَلَا مَعْنًى .
قَالَ : وَهَذَا اخْتِيَارُ
أَبِي الْحُسَيْنِ الْبَصْرِيِّ وَالْإِمَامِ فَخْرِ الدِّينِ وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ : إنَّ مُقْتَضَى الصِّيغَةِ الِامْتِثَالُ ، وَالْمَرَّةُ الْوَاحِدَةُ لَا بُدَّ مِنْهَا ، وَأَمَّا الزَّائِدُ عَلَيْهَا فَيُتَوَقَّفُ فِيهِ ، وَهُوَ اخْتِيَارُ
إمَامِ الْحَرَمَيْنِ وَإِلَيْهِ مَيْلُ
الْغَزَالِيِّ . انْتَهَى . وَهَذَا الْأَخِيرُ حَكَاهُ صَاحِبُ الْمَصَادِرِ " عَنْ
الشَّرِيفِ الْمُرْتَضَى ، وَقَالَ : إنَّهُ الصَّحِيحُ ، وَاَلَّذِي فِي الْبُرْهَانِ "
لِلْإِمَامِ أَنَّهُ يَتَضَمَّنُ الِامْتِثَالَ بِالْمَرَّةِ وَهُوَ فِي الزِّيَادَةِ عَلَيْهَا عَلَى الْوَقْفِ بِتَوَقُّفٍ عَلَى الْقَرِينَةِ ، وَهُوَ يَرُدُّ نَقْلَ
الْآمِدِيُّ عَنْهُ الثَّالِثَ فَاعْلَمْهُ . وَالْخَامِسُ الْوَقْفُ فِي الْكُلِّ ، وَهُوَ رَأْيُ
nindex.php?page=showalam&ids=12604الْقَاضِي أَبِي بَكْرٍ وَجَمَاعَةِ
[ ص: 316 ] الْوَاقِفِيَّةِ بِمَعْنَى أَنَّهُ يَحْتَمِلُ الْمَرَّةَ وَيَحْتَمِلُ لِعَدَدٍ مَحْصُورٍ زَائِدٍ عَلَى الْمَرَّةِ وَالْمَرَّتَيْنِ ، وَيَحْتَمِلُ التَّكْرَارَ فِي جَمِيعِ الْأَوْقَاتِ كَذَا صَرَّحَ بِهِ فِي التَّقْرِيبِ ثُمَّ ادَّعَى قِيَامَ الْإِجْمَاعِ عَلَى انْتِفَاءِ مَا عَدَا التَّكْرَارَ وَالْمَرَّةَ بِالْحَصْرِ ، وَتَوَقَّفَ حِينَئِذٍ بِالْمَرَّةِ وَالتَّكْرَارِ ، ثُمَّ ادَّعَى الِاتِّفَاقَ عَلَى أَنَّ فِعْلَ الْمَرَّةِ مُتَّفِقٌ عَلَيْهِ ، وَهُوَ وَاضِحٌ ، ثُمَّ قَالَ تَفْرِيعًا عَلَى الْقَوْلِ بِعَدَمِ الْوَقْفِ : إنَّ الْمَفْهُومَ فِعْلُ مَرَّةٍ وَاحِدَةٍ .
هَذَا تَحْقِيقُ مَذْهَبِ
الْقَاضِي ، وَنَقَلَ بَعْضُهُمْ قَوْلَ الْوَقْفِ ، وَقَالَ : هُوَ مُحْتَمِلٌ لِشَيْئَيْنِ : أَنْ يَكُونَ مُشْتَرَكًا بَيْنَ التَّكْرَارِ وَالْمَرَّةِ فَيُتَوَقَّفُ إعْمَالُهُ فِي أَحَدِهِمَا عَلَى قَرِينَةٍ ، وَالثَّانِي : أَنَّهُ لِأَحَدِهِمَا ، وَلَا نَعْرِفُهُ فَيُتَوَقَّفُ لِجَهْلِنَا بِالْوَاقِعِ . وَالسَّادِسُ : أَنَّهُ إنْ كَانَ فِعْلًا لَهُ غَايَةٌ يُمْكِنُ إيقَاعُهُ فِي جَمِيعِ الْمُدَّةِ فَيَلْزَمُهُ فِي جَمِيعِهَا ، وَإِلَّا فَلَا فَيَلْزَمُهُ الْأَوَّلُ . حَكَاهُ
الْهِنْدِيُّ عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=16739عِيسَى بْنِ أَبَانَ ، وَنَقَلَ فِي الْمُعْتَمَدِ " عَنْ
أَبِي عَبْدِ اللَّهِ الْبَصْرِيِّ أَنَّ وُرُودَ النَّسْخِ وَالِاسْتِثْنَاءِ عَلَى الْأَمْرِ يَدُلَّانِ عَلَى أَنَّهُ قَدْ أُرِيدَ بِهِ التَّكْرَارُ . وَالسَّابِعُ : إنْ كَانَ الطَّلَبُ رَاجِعًا إلَى قَطْعِ الْوَاقِعِ كَقَوْلِك فِي الْأَمْرِ السَّاكِنِ تَحَرَّكْ فَلِلْمَرَّةِ ، وَإِنْ رَجَعَ إلَى اتِّصَالِ الْوَاقِعِ وَاسْتِدَامَتِهِ كَقَوْلِك فِي الْأَمْرِ الْمُتَحَرِّكِ تَحَرَّكْ فَلِلِاسْتِمْرَارِ وَالدَّوَامِ . وَيَجِيءُ هَذَا فِي النَّهْيِ أَيْضًا ، وَهُوَ مَذْهَبٌ حَسَنٌ .