الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            ( 7496 ) قال : ( ومن غزا على بعير ، وهو لا يقدر على غيره ، قسم له ولبعيره سهمان ) نص أحمد على هذا ، وظاهره أنه لا يسهم للبعير مع إمكان الغزو على فرس .

                                                                                                                                            وعن أحمد ، أنه يسهم للبعير سهم ، ولم يشترط عجز صاحبه عن غيره . وحكي نحو هذا عن الحسن ; لأن الله تعالى قال : { فما أوجفتم عليه من خيل ولا ركاب } . ولأنه حيوان تجوز المسابقة عليه بعوض ، فيسهم له ، كالفرس . يحققه أن تجويز المسابقة بعوض إنما أبيحت في ثلاثة أشياء دون غيرها ; لأنها آلات الجهاد ، فأبيح أخذ الرهن في المسابقة بها ، تحريضا على رياضتها ، وتعلم الإتقان فيها ، ولا يزاد على سهم البرذون ; لأنه دونه ، ولا يسهم له إلا أن يشهد الوقعة عليه ، ويكون مما يمكن القتال عليه ، فأما هذه الإبل الثقيلة ، التي لا تصلح إلا للحمل ، فلا يستحق راكبها شيئا ; لأنها لا تكر ولا تفر ، فراكبها أدنى حال من الراجل .

                                                                                                                                            واختار أبو الخطاب أنه لا يسهم له بحال . وهو قول أكثر الفقهاء . قال ابن المنذر : أجمع كل من أحفظ عنه من أهل العلم ، أن من غزا على بعير ، فله سهم راجل . كذلك قال الحسن ، ومكحول ، والثوري ، والشافعي ، وأصحاب الرأي .

                                                                                                                                            وهذا هو الصحيح ، إن شاء الله تعالى ; لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم ينقل عنه أنه أسهم لغير الخيل من البهائم ، وقد كان معه يوم بدر سبعون بعيرا ، ولم تخل غزاة من غزواته من الإبل ، بل هي كانت غالب دوابهم ، فلم ينقل عنه أنه أسهم لها ، ولو أسهم لها لنقل ، وكذلك من بعد النبي صلى الله عليه وسلم من خلفائه وغيرهم ، مع كثرة غزواتهم ، لم ينقل عن أحد منهم فيما علمناه أنه أسهم لبعير ، ولو أسهم لبعير لم يخف ذلك ، ولأنه لا يتمكن صاحبه من الكر والفر ، فلم يسهم له ، كالبغل والحمار .

                                                                                                                                            ( 7497 ) فصل : وما عدا الخيل والإبل ، من البغال والحمير والفيلة وغيرها ، لا يسهم لها ، بغير خلاف ، وإن عظم غناؤها ، وقامت مقام الخيل ; لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يسهم لها ، ولا أحد من خلفائه ، ولأنها مما لا يجوز المسابقة عليه بعوض ، فلم يسهم لها ، كالبقر . ( 7498 ) فصل : وينبغي للإمام أن يتعاهد الخيل عند دخول الحرب ، فلا يدخل إلا شديدا ، ولا يدخلها حطما ، ولا ضعيفا ، ولا ضرعا ، ولا أعجف رازحا .

                                                                                                                                            فإن شهد أحد الوقعة على واحد من هذه لم يسهم له . وبه قال مالك . وقال الشافعي : يسهم له ; كما يسهم للمريض . ولنا ، أنه لا ينتفع به ، فلم يسهم له ، كالرجل المخذل والمرجف ، ولأنه حيوان يتعين منع دخوله ، فلم يسهم له ، كالمرجف .

                                                                                                                                            وأما المريض الذي لا يتمكن من القتال ، فإن خرج بمرضه عن كونه من أهل الجهاد ، كالزمن والأشل [ ص: 204 ] والمفلوج ، فلا سهم له ; لأنه لم يبق من أهل الجهاد ، وإن لم يخرج بمرضه عن ذلك ، كالمحموم ، ومن به الصداع ، فإنه يسهم له ; لأنه من أهل الجهاد ، ويعين برأيه ، وتكثيره ، ودعائه .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية