الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                              51 [ ص: 155 ] (باب الحياء من الإيمان)

                                                                                                                              وقال النووي: «باب بيان عدد شعب الإيمان وأفضلها وأدناها، وفضيلة الحياء وكونه من الإيمان» .

                                                                                                                              (حديث الباب)

                                                                                                                              وهو بصحيح مسلم \ النووي ص5-6 جـ2 المطبعة المصرية

                                                                                                                              [عن أبي هريرة ، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الإيمان بضع وسبعون أو بضع وستون شعبة فأفضلها قول لا إله إلا الله وأدناها إماطة الأذى عن الطريق والحياء شعبة من الإيمان ] .

                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                              (الشرح)

                                                                                                                              (عن أبي هريرة» رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الإيمان بضع وسبعون -أو بضع وستون- شعبة ) على الشك من الراوي،

                                                                                                                              ورواه البخاري في أول الكتاب؛ «بضع وستون» بلا شك.. ورواه أبو داود، والترمذي، وغيرهما، «بضع وسبعون» بلا شك.

                                                                                                                              ورواه الترمذي من طريق آخر. وقال فيه «أربعة وستون بابا» .

                                                                                                                              قال عياض: الصواب ما وقع في سائر الأحاديث، ولسائر الرواة «بضع وستون» .

                                                                                                                              قال ابن الصلاح: هذا الشك من «سهيل» الراوي؛ كذا قال البيهقي.

                                                                                                                              وقد روي عن سهيل: «بضع وسبعون» من غير شك.

                                                                                                                              [ ص: 156 ] وسليمان رواه على القطع من غير شك. وهي الرواية الصحيحة أخرجاها في الصحيحين. واختلفوا في الترجيح.

                                                                                                                              والأشبه بالإتقان والاحتياط ترجيح رواية الأقل.

                                                                                                                              ومنهم من يرجح رواية الأكثر؛ وإياها اختار أبو عبد الله الحليمي. فإن الحكم لمن حفظ الزيادة جازما بها.

                                                                                                                              قال: ثم إن الكلام في تعيين هذه الشعب يطول، وقد صنفت في ذلك مصنفات. ومن أغزرها فوائد «كتاب - المنهاج - للحليمي» إمام الشافعية ببخارى؛ وكان من رفعاء أئمة المسلمين.

                                                                                                                              وحذا حذوه الحافظ أبو بكر البيهقي في كتابه الجليل الحفيل كتاب «شعب الإيمان» انتهى.

                                                                                                                              قلت: وقد لخص هذا الكتاب للبيهقي الإمام «القزويني» ثم لخصت تلخيص القزويني في قرب هذه السنة في فصل، وزدت عليه فصولا أخرى في بيان «عيوب النفس» ، وغير ذلك. وسميته «بالروض الخصيب» .

                                                                                                                              «والبضع، والبضعة» بكسر الباء فيهما وفتحها، هذا في العدد ما بين الثلاث والعشر.

                                                                                                                              وقيل: من ثلاث إلى تسع، وقيل «سبع» وقيل: ما بين اثنين إلى عشرة، وما بين اثني عشر إلى عشرين. ولا يقال في «اثني عشر» . قاله عياض.

                                                                                                                              وقال: فأما «بضعة اللحم» فبالفتح لا غير.

                                                                                                                              وقال النووي: وهذا القول هو الأشهر الأظهر، وأما «الشعبة» فهي القطعة من الشيء.

                                                                                                                              [ ص: 157 ] فمعنى الحديث: بضع وسبعون خصلة (فأفضلها قول: لا إله إلا الله) .

                                                                                                                              تقدم أن أصل الإيمان في اللغة: التصديق، وفي الشرع: تصديق القلب واللسان.

                                                                                                                              وظواهر الشرع تطلقه: على الأعمال. كما وقع هنا.

                                                                                                                              وكمال الإيمان، بالأعمال، وتمامه بالطاعات.

                                                                                                                              وأن التزام الطاعات. وضم هذه الشعب إليها من جملة التصديق والدلائل عليه، وأنها خلق أهل التصديق. فليست خارجة عن اسم «الإيمان الشرعي» ولا «اللغوي» .

                                                                                                                              وقد نبه على: أن أفضلها «التوحيد المتعين على كل أحد، والذي لا يصح شيء من الشعب إلا بعد صحته.

                                                                                                                              (وأدناها إماطة الأذى عن الطريق ) ، أي: تنحيه، وإبعاده، والمراد «بالأذى» كل ما يؤذي من حجر أو مدر أو شوك أو غيره مما يتوقع ضرره بالمسلمين؛ من إماطة الأذى عن طريقهم.

                                                                                                                              وبقي بين هذين الطرفين أعداد لو تكلف المجتهد تحصيلها بغلبة الظن، وشدة، التتبع لأمكنه. وقد فعل ذلك بعض من تقدم.

                                                                                                                              وفي الحكم بأن ذلك مراد النبي صلى الله عليه وسلم صعوبة، ثم إنه لا يلزم معرفة أعيانها، ولا يقدح جهل ذلك في الإيمان؛ إذ أصول الإيمان وفروعه معلومة محققة.

                                                                                                                              والإيمان بأنها هذا العدد واجب في الجملة. قاله عياض «رح» .

                                                                                                                              [ ص: 158 ] وقال الحافظ أبو حاتم بن حبان «بكسر الحاء وبالموحدة» : تتبعت معنى هذا الحديث مدة، وعددت الطاعات فإذا هي تزيد على هذا العدد شيئا كثيرا، فرجعت إلى السنن، فعددت كل طاعة عدها رسول الله صلى الله عليه وسلم من الإيمان فإذا هي تنقص عن البضع والسبعين؛ فرجعت إلى كتاب الله تعالى فقرأته بالتدبر، وعددت كل طاعة عدها الله تعالى من الإيمان، فإذا هي تنقص عن البضع والسبعين.

                                                                                                                              فضممت الكتاب إلى السنن، وأسقطت المعاد؛ فإذا كل شيء عده الله ونبيه صلى الله عليه وسلم من الإيمان «تسع وسبعون شعبة» لا يزيد عليها ولا ينقص.

                                                                                                                              فعلمت أن مراد النبي صلى الله عليه وسلم أن هذا العدد: في الكتاب والسنن.

                                                                                                                              وذكر أبو حاتم «رحمه الله تعالى» جميع ذلك في كتاب «وصف الإيمان وشعبه» . وذكر أن رواية من روى «بضع وستون شعبة» ، أيضا صحيحة.

                                                                                                                              فإن العرب قد تذكر للشيء عددا ولا تريد نفي ما سواه؛ وله نظائر أوردها في كتابه؛ منها في أحاديث الإيمان والإسلام قاله النووي. وواشوقي إلى هذا الكتاب! اللهم! من علي به.

                                                                                                                              (والحياء شعبة من الإيمان ) . وفي الرواية الأخرى «الحياء من الإيمان» وفي الأخرى «الحياء لا يأتي إلا بخير» ، وفي الأخرى «الحياء خير كله» أو قال «كله خير» .

                                                                                                                              «والحياء» : هو الاستحياء. قال الواحدي: قال أهل اللغة: «الاستحياء» من الحياء. واستحيى الرجل: من قوة الحياء فيه، لشدة علمه بمواقع العيب.

                                                                                                                              قال: فالحياء من قوة الحس ولطفه، وقوة الحياة.

                                                                                                                              [ ص: 159 ] قال الجنيد قدس الله سره : الحياء رؤية الآلاء أي النعم، ورؤية التقصير، فيتولد بينهما حالة تسمى «الحياء» .

                                                                                                                              قال أهل العلم: إنما جعل الحياء من الإيمان، وإن كان غريزة؛ لأنه قد يكون تخلفا واكتسابا، كسائر أعمال البر. وقد يكون غريزة.

                                                                                                                              ولكن استعماله على قانون الشرع، يحتاج إلى اكتساب ونية وعلم. فهو من الإيمان بهذا الاعتبار، ولكونه باعثا على أفعال البر ومانعا من المعاصي.




                                                                                                                              الخدمات العلمية